سعد المهدي
TT

آسيا ليست كما نريد ولكن كما هي عليه

كرة القدم في القارة الآسيوية تطورت، لكن لا يعني أنها قامت باختراق يسمح لها أن تصل إلى حافة مستوى الكرة في أوروبا أو أميركا اللاتينية، لكن المحاولة قائمة والكلام هنا يعني المنظومة، فقد تجد جانبا لتفوق آسيوي، لكنه لا يعبر بشكل كاف عن القدرة الحقيقية، المتمثلة في امتلاك كل عناصر التحدي، التي يمكن لها أن تحدث الانقلاب الكامل.
صحيح أن التأريخ الإنساني كما يقول الفيلسوف الألماني شبجلر، ليس خطا مستقيما إلى التقدم، بل هو دورات متعاقبة من النمو والانحلال، وأن كل حضارة هي أشبه بإنسان يولد وينمو وينضج، ثم يشيخ ويموت، لكن هناك موروثا لا يمكن الانفكاك منه أحيانا، يكون ضد سرعة التغيير، ويتمثل آسيويا في كثير من تشكيل القارة على المستوى التاريخي الحضاري أو الديموغرافي والجغرافي، وتأثير ذلك اقتصاديا وتنمويا وانعكاسه بالتالي على تكوين الفرد والمجتمع المتباين إلى حد القطيعة مع بعضه البعض، وذلك كاف أن لا يسند خطط وبرامج البناء والتطوير الموحدة التي ينتهجها مثلا الاتحاد الآسيوي لكرة القدم.
نهاية الأسبوع المنصرم عاشت ملاعب القارة شرقها وجنوبها وغربها أول جولات التنافس على أهم بطولات الأندية؛ الكأس ودوري أبطال آسيا، والذي تستمر منافساتها حتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل من هذا العام، أندية غرب آسيا لم تتعد السعودية والإمارات وقطر عربيا، وإيران ومن الجنوب أوزبكستان، حيث اختفت أندية البحرين والأردن والعراق وعمان والكويت ولبنان وطاجكستان وقيرغستان عن بلوغ هذه المنافسات، إما لعدم التأهل عبر الدور التمهيدي، أو لوقوعها تحت التصنيف الذي حدده الاتحاد الآسيوي للمشاركة في هذه البطولة، واقتصارها على فرصة المشاركة في بطولتيه الأخريين الأقل في قيمتهما الفنية والمالية وهما كأس الاتحاد الآسيوي وكأس رئيس الاتحاد الآسيوي، فيما شاركت أندية أستراليا مع دول الشرق، إلا أن اللافت أن كل هذه المباريات، ظلت في إطارها الآسيوي، ذي القيمة الفنية الفقيرة. ازدياد الاهتمام بتطوير اللعبة في اليابان رفع من رصيد الاتحاد الآسيوي وحسن من صورته دوليا، وأغرى مثل كوريا الجنوبية للتفكير من جديد في ذلك وحفز الصين وجعل أستراليا عضوا مقبولا، وتنامي دور دول الجمهوريات السوفياتية السابقة قرغيزستان وتركمستان وطاجستكان وأوزبكستان زاد من الإحساس في دول مثل الخليج العربي وإيران والعراق أن تفكر بطريقة أخرى غير تلك التي كانت قبل الألفية الجديدة لكن ما من شك أن عقبات كثيرة تقف ضد إمكانية التماهي مع الاستراتيجيات التي تعمل بها اليابان وكوريا أو أستراليا أو يهدف اتحاد اللعبة في القارة إلى حث اتحاداته الأعضاء للعمل بها أهمها ما اعتبرته الموروث الذي يثقل كاهلهم ويقع في مواجهة الرغبة والطموح ولا يعين على محاولة الانعتاق منه. الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يعمل على إدارة النشاط، وتسيير البرامج، وتمثيل الاتحادات الأعضاء، ولاقتطاع من الإيراد المالي، وكلها في إطار الورق والمكاتب، ليس مشغولا بتعليم أبجديات كرة القدم، أو توسيع نشرها أو إعانة الاتحادات أو تطويرها، هو في مرحلة أخرى يمكن أن تسمى جني الأرباح، فيما الآسيويين ما زالوا يفكرون في إنشاء سوق مالية، وعلى ذلك، فإن خفض سقف التطلع مع العمل أفضل من رفعه لمجرد الأمل، كما أن حجم التغيير يجب أن يتوافق مع المتوفر المستدام الفكر والبشر، حتى يمكن توظيف المال في مكانه ووقته وعلى ما يستوجبه.
حل المشكلات يبدأ بتوصيفها الصحيح، لربما ما تعيشه ليس مشكلة، قد يكون أمرا طبيعيا يتوافق مع ما أنت عليه من حال، وستبقى عليه فيصبح ما تقوم به، لما تراه تصحيح إضاعة للجهد والمال ليس إلا.