عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.
TT

السعودية تزداد قوة

السعودية تزداد قوة، هذه ببساطة خلاصة ما يمكن التعليق به على مكانة المملكة العربية السعودية دوليا وإقليميا وداخليا، هذا ما تقوله صلابة المواقف، ونجاح السياسات، وطبيعة التعامل مع التوازنات الدولية والصراعات الإقليمية، وهو كذلك ما تقوله النجاحات الداخلية في تثبيت الاستقرار السياسي وضمان تواصل التنمية وبسط الأمن والأمان.
كان حدثا مهما ما جرى الأسبوع الفائت من اجتماع عقد في القاهرة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وخالد التويجري رئيس الديوان الملكي السعودي والمبعوث الخاص للملك، والشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مبعوث أمير قطر، وكان لافتا التصريحات التي خص بها التويجري قناة «العربية» وبرنامج «القاهرة اليوم» للإعلامي المصري عمرو أديب، حيث جاء فيها أن الملك عبد الله كان متابعا بنفسه لهذه المبادرة في «كل صغيرة وكبيرة».
وبحسب التصريحات، فإن هذه تعتبر «خطوة ستتبعها خطوات»، تعتبر المرحلة الأولى التي سيتبعها بعد «عزمٍ جادٍّ لإنجاح المبادرة» الوصول إلى «تحقيق تكاملٍ» كمرحلة ثانية، ومن ثم، وكمرحلة ثالثة، الوصول «لعلاقاتٍ واثقة لكل المجالات، سواء السياسية أو الاقتصادية أو غيرهما من المجالات»، كما جاء في التصريحات أن «سياسة قناة (الجزيرة) تجاه مصر ستتغير نحو الأفضل».
لم يجفّ حبر هذه المبادرة الملكية للمصالحة بين مصر وقطر حتى قامت قطر بإغلاق «قناة الجزيرة مباشر مصر» في الدوحة التي كانت تشكل رأس الحربة الإعلامية المعادية لمصر، وهو ما يمنح مؤشرا إيجابيا لما يمكن أن يحدث مستقبلا.
الملك عبد الله معروفٌ بمحبته للسلام والصلح لا للحروب والعنف، وهو صاحب مبادرة السلام الكبرى التي تبنتها الجامعة العربية لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وهو قاد العديد من مساعي المصالحة في عددٍ من الدول العربية في العراق وفي فلسطين وفي اليمن، ومبادرته للصلح بين مصر وقطر تأتي ضمن هذا السياق.
لقد سجل الملك عبد الله اختراقاتٍ كبيرة سياسيا في المنطقة والعالم، ودعم مصر حتى أوقفها على قدميها في مواجهة الكثير من دول العالم ومن الدول الغربية تحديدا، وقد أثبت نجاح رؤيته وسياسته في هذا الملف للعالم كله، وفي الملف القطري كانت للملك حكمته ورؤيته خليجيا وعربيا، تلك التي سمحت بإعادة السفراء الـ3؛ السعودي والإماراتي والبحريني، إلى الدوحة، وكان لها الدور الرئيس في انعقاد القمة الخليجية الأخيرة في الدوحة، وتأتي هذه المبادرة لتكمل هذه المسيرة.
في بيانٍ للديوان الملكي السعودي، ناشد الملك عبد الله «جميع الشرفاء من الأشقاء؛ من علماء ومفكرين وكتاب ورجال إعلام بكل أشكاله الاستجابة لهذه الخطوة ومباركتها»، وهي دون شكٍّ خطوة مباركة ومهمة؛ فلا أحد يسعى أو يريد أي انشقاقاتٍ في السياسات العربية الكبرى، وبخاصة والمنطقة تشتعل من حولنا صراعاتٍ إقليمية حامية واضطراباتٍ داخلية وحروبا أهلية وفوضى عارمة في عددٍ من الدول العربية.
مع استحضار التاريخ الحديث، فإنه حين كانت الدول القومية واليسارية تقود العالم العربي فإنها لم تجر عليه سوى الانقسام والحروب الخاسرة والفشل التنموي، ومن حسن الحظ أن من يقود العالم العربي اليوم هي الملكيات المستقرة لا الدول الديكتاتورية التي أصبحت وحدتها الوطنية على المحك، وصارت مرتعا للإرهاب من كل شكلٍ ولونٍ، وهي إما أصبحت أو ستصبح قريبا دولا فاشلة، والأغلب أنها ستظل عبئا على المنطقة والعالم لعقودٍ قادمة، ذلك أن الفوضى حين تغرز أنيابها في الدول والانتماءات الهوياتية الأكثر تخلفا حين تطل بقرنها في الشعوب، فإن مهمة الانعتاق منها تحتاج لفعل استثنائي ومكثفٍ يشترك فيه العالم في أي محاولة جادة للخلاص.
السعودية تدعم الاستقرار في المنطقة، وخصومها يدعمون الفوضى والإرهاب والدمار، وكما دعم العاهل السعودي مصر لاستعادة دولتها وتثبيت أمنها وتطوير تنميتها، فإنه دعم الدولة اللبنانية لتحظى بالمصير نفسه، ولتستعيد الدولة هيبتها وسيطرتها على كامل ترابها الوطني بعيدا عن مغامرات المغامرين الذين أذاقوا لبنان وشعبها مرّ العذاب عبر سنواتٍ طوالٍ، وشعاراتٍ اتضح بطلانها، وأحزابٍ وتياراتٍ انفضحت ولاءاتها.
وفي موضوعٍ آخر، وهو موضوع الاضطراب الشديد في أسعار النفط دوليا، فإن السعودية مصرة على عدم إعطاء الأمر أي أبعادٍ سياسية، وأنه شأن يخص مصالح السعودية ومصالح شعبها، وهذا الرفض السعودي هو رفضٌ واعٍ تحكمه المصالح وتدعمه التجارب السابقة داخل منظمة أوبك وخارجها، وقد عبّر وزير البترول والثروة المعدنية السعودي علي النعيمي في تصريحاتٍ متعددة، عن أن السعودية لن تتدخل هذه المرة ولن تتدخل «منظمة أوبك» بأي شكلٍ من الأشكال، وذلك حتى «لا نخسر السوق ونخسر الأسواق معا» كما جاء في واحدٍ من أشهر تصريحاته مؤخرا.
وداخليا، وبعيدا عن تخرصات المتخرصين وتنبؤات المتشائمين، فقد أعلنت السعودية قبل أيام عن أكبر ميزانية في تاريخها، وهو دليلٌ قوي على المكانة الدولية الكبيرة التي تحتلها البلاد في العالم، وعلى الاقتصاد المتين والمستقر، القادر على ضمان استمرار التنمية والمشاريع الكبرى حتى في حال اضطراب أسعار النفط الدولية والتباطؤ الذي يشهده الاقتصاد الدولي في هذه المرحلة، وهو ما يضع عبئا كبيرا على وزارات الدولة ووزرائها لإتمام المشاريع وإنجاح الخطط وتقديم الخدمات بالإتقان المطلوب كل في مجاله.
ولتأكيد أهمية الاستثمار في البشر، وتطوير الكوادر الوطنية، فقد حظيت وزارة التربية والتعليم بما يقارب ربع الميزانية في استمرارٍ لرؤية الملك عبد الله وإصراره على تطوير التعليم العام الذي سبق وخصص له دعما كبيرا في الميزانية السابقة، وكذلك استمرار تطوير التعليم العالي داخليا وخارجيا، واستمرار مشروع الملك عبد الله التاريخي للابتعاث الخارجي، هذا مع الاستثمار الكبير فيما يتعلق بالشؤون الصحية على كافة مستوياتها لضمان وصول الرعاية لكافة المواطنين ورفع كفاءة العمل في هذا القطاع الخدمي المهم.
هذا كله يتمّ في ظلّ أمنٍ قوي ومستتبٍّ وضاربٍ بأطنابه في ربوع البلاد، فنجاحات وزارة الداخلية الحالية تمثل استمرارا مهما لسجلها الكبير والمعترف به دوليا في مواجهة الإرهاب ودحره، فمن خلايا «داعش» التي تمثل الإرهاب السني، إلى القلة الإرهابية التخريبية في بعض مدن المملكة التي تمثل الإرهاب الشيعي، فالمجرم مجرم بغض النظر عن طائفته ومذهبه وتوجهه، وضمان الأمن واحدٌ من أهم عناصر قوة الدول واستقرارها.
أخيرا، فإن نجاحات رؤية الملك عبد الله بن عبد العزيز وسياساته دوليا وإقليميا وداخليا، إنما تثبت شيئا واحدا، ألا وهو أن السعودية، دولة وشعبا، بخير وفي تطورٍ وتقدمٍ، وفي رقي وتحضر.