حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

مزيد من الأخبار السيئة!

مريحة وسهلة جدا فكرة إقناع الذات والغير بأن كل شيء سيئ يحدث لنا هو من إنتاج وصنيعة وتفكير الغير، حل عظيم ومثالي فهو يخلص النفس تماما من أعباء تحمل المسؤولية وتبعاتها الأخلاقية بكافة أشكالها. كل المشاكل من الممكن أن يتم تحميلها على «الآخرين» و«الأشرار» الذين لا يريدون إلا السوء لنا وغير ذلك.
أراقب منذ سنين عادة كل حادث جلل يمر علينا في العالم وأقرأ وأستمع إلى التحليلات التقنية من المحللين والخبراء وإلى رأي العامة والشارع، فأجد تناغما عجيبا وغريبا ومريبا؛ نظرية المؤامرة جاهزة تماما والتحليلات المذهلة لتبرير هذه النظرية على أهبة الاستعداد لدعم هذا المنطق الموتور. وها هي النظريات تعود للظهور مجددا لتسيطر على العقل في محاولات تحليل وفهم ما يحصل من قبل جماعات العنف باسم الدين والمسماة بأسماء مختلفة مثل «داعش» و«القاعدة» و«النصرة» و«أنصار بيت المقدس» و«فجر الإسلام» وغيرها. يخرج علينا جهابذة العلم الشرعي والخبراء السياسيون ليقدموا لنا «الدليل» تلو الآخر بأن هذه المجاميع لا دخل لها بالإسلام وأنها مجرد أداة وصنيعة أجهزة مريبة ومخابرات ومنظمات ومؤسسات «غامضة»، ولكنهم في نفس الوقت يغفلون وجود كارثة عظيمة هي الحجم الهائل الموجود من التعاطف مع هذه التنظيمات الإرهابية وأفعالها والاستعداد الكبير لتبرير وتفسير وإحسان الظن بكل أفعالها وجرائمها الدموية.
هذا الكم العظيم من التعاطف الموجود والأعداد المتزايدة التي يتم استقطابها للانضمام لهذه التنظيمات تبطل تماما فكرة «تبسيط» التفاسير لهذه الظاهرة بأنها مجرد صنيعة «الآخرين» لأن الواقع يؤكد ويقول إن هذه الظاهرة أصيلة في المنطقة ولها جذور عميقة جدا لم يعد من الممكن إنكارها. ويخطئ الكثيرون في الاعتقاد بأن مسألة التطرف والإرهاب والقتل باسم الدين محصورة في طرف واحد من «الإسلام السياسي»، فأحداث العراق وسوريا ولبنان واليمن كشفت أن هذا العته والجنون لا يفرق بين المذاهب، فـ«حزب الله» و«أبو الفضل العباس» و«فيلق بدر» و«جيش محمد» و«الحوثيون» هم أيضا نماذج للإجرام باسم الدين ولهم سجل خبيث في القتل على الهوية والأعمال التفجيرية ونصرة الطغاة.
إنه عالم مجنون يغذي تطرفا أحمق ويسقي الأرض بدماء لا تتوقف.. هذا هو حال العالم العربي اليوم؛ حمى مجنونة مسعورة أصابته، وبدلا من أن يواجه الحقيقة الصعبة ويسعى إلى تطهير المشاكل الموجودة باستئصالها من الجذور ومعالجتها بجدية وحكمة وأمانة وشجاعة، وبدلا من إلقاء اللوم على الآخرين وإخلاء المسؤولية تماما، ها هي عاهات التطرف «تصدر» حول العالم بشكل هستيري؛ عينات من المعاتيه تخطف الأبرياء، تقص الرؤوس وتعتدي على الأبرياء بالفأس في وضح النهار بشكل مخيف.
قد تكون هناك مؤامرة يحيكها الآخرون بحق كل المسلمين، ولكن الذي لا يقبل مجالا للشك ولا النقاش هو حجم «التسهيلات» الموجودة والجاهزية الذهنية الميسرة لكل هذه المؤامرات، فأصل المشكلة موجود ومتأصل في الداخل وما دام لم يتم الاعتراف الصريح بهذه المشكلة ومواجهتها مع تفضيل لعب دور الضحية والبريء فلنتوقع المزيد من الكوارث والمشاهد المؤلمة.
هذه الأحداث رغم بعدها الجغرافي عنا في بعض الأحيان فإن نتائجها وتبعاتها حتما ستطال المسلمين في كل أنحاء العالم.