عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.
TT

حركة حماس.. ابتزاز وهزيمة

ما هي أفضل الحلول للقضية الفلسطينية؟ أفضل الحلول أن تعود فلسطين للفلسطينيين بالكامل، هل هذا الحل واقعي وممكن التطبيق؟ بالتأكيد هذا الحل غير واقعي وغير منطقي ومستحيل التطبيق في ظل توازنات القوى محليا وإقليميا ودوليا.
إذا كان الأمر كذلك فما هي المشاريع التي طرحت لحل القضية الفلسطينية؟ طرح العديد من الحلول منذ 1948 حين رأى بعض العرب أن يخرج الفلسطينيون من فلسطين، حتى يتسنى للعرب أن يضربوا الإسرائيليين ضربة واحدة تكون قاصمة، ولم يكن الحلّ واقعيا فضلا عن رفضه المحقّ من بعض الدول العربية.
وفي الأربعينات أرسلت بعض الدول العربية قواتٍ لمساندة الفلسطينيين كلّ بحسبه وباءت بالفشل، وحين قامت سوق القومية العربية في الخمسينات وتفشت تيارات اليسار كان الحل المطروح هو تخليص فلسطين من النهر إلى البحر، ودخلت على الخط في الستينات القوى والتيارات البعثية، وأصرّت على ذات الحل وبدأت المزايدة على خلاص فلسطين بين هذه التيارات التي أخذت تزايد على بعضها في الموقف من القضية الفلسطينية التي يقدسها كل تيارٍ بحسب آيديولوجيته ورؤيته، وخرجت في فلسطين مجموعات مسلحة متعددة تتقاتل فيما بينها وتقوم بعمليات انتحارية حول العالم نصرة للقضية التي أصبح يتاجر بها الجميع، حتى وصل الصراع إلى هزيمة 1967 النكراء.
في السبعينات استمرت الأوضاع على ما كانت عليه والشعارات الفارغة تملأ العالم العربي، إلا أن مصر حظيت برئيسٍ جديدٍ يتسم بالواقعية والعقلانية السياسية، وهو أنور السادات الرئيس الوحيد الذي خاض حربا مع إسرائيل وانتصر فيها في عام 1973، ثم قاد عملية سلامٍ ناجحة مع إسرائيل حرر بها أرضه وبلاده، فرمته التيارات السابقة بكل تهم الخيانة والعمالة ومرادفاتها، وانضم للمشهد فاعلٌ جديدٌ كان يتصاعد منذ عقودٍ وبرز في السبعينات وهو تيار حركات الإسلام السياسي وحركات الإرهاب والعنف الديني التي نجحت في اغتيال السادات.
في الثمانينات كانت الشعارات لم تزل تفعل فعلها، فرفض العرب مشروع فهد للسلام الذي كان يحفظ للفلسطينيين كثيرا من حقوقهم التي كانت متاحة حينذاك، فتم رفض المشروع، وفي التسعينات قبلت منظمة التحرير الفلسطينية بتوقيع معاهدة للسلام مع إسرائيل في أوسلو، وفعلت الأمر عينه المملكة الأردنية وصار خيار السلام هو الخيار المطروح وصولا لمبادرة الملك عبد الله للسلام التي وافقت عليها الدول العربية، فصارت مبادرة لكل العرب.
طوال العقد الأول من القرن الجديد برزت ملامح واضحة لمحورين في المنطقة؛ محور الممانعة والمقاومة الذي يشمل الجمهورية الإسلامية في إيران وسوريا و«حزب الله» اللبناني وحركة حماس في غزة، ومحور الاعتدال الذي كان يضم الدول العربية الرئيسة، السعودية ودول الخليج ومصر والأردن، تبنّى الأول القضية الفلسطينية كورقة سياسية يستغلها متى وكيفما شاء لا لخدمة القضية نفسها، بل لخدمة أهداف ذلك التيار، بينما تبنى المحور الثاني الحلول السياسية للقضية الفلسطينية ودعم كل ما من شأنه تقديم كل الحلول الممكنة والدعم المستمر الذي يمنح الفلسطينيين أفضل ما هو متاح وممكن.
الذي حدث لاحقا هو أن محور الممانعة انفضح فضائح تاريخية، وتجلى عن محورٍ مجرمٍ معادٍ للشعوب العربية من الجمهورية الإسلامية في إيران إلى نظام الأسد إلى «حزب الله» اللبناني الذين أعملوا كل أدوات القتل في الشعوب العربية في العراق وسوريا ونشروا الدمار والإرهاب في اليمن والبحرين، ولم يتبقَ من هذا المحور لم ينفضح كليا بعد، إلا حركة حماس في غزة وإن افتضحت في مصر.
في 2007 قامت حماس بانقلاب عسكري على السلطة الفلسطينية، وكان دمويا قتلت فيه كل من لا ينتمي لها، وبخاصة عناصر حركة فتح، وفرضت سيطرتها على قطاع غزة وأعلنت الانقسام الفلسطيني، وذلك بعد أسابيع قليلة من تقديم قادتها للأيمان المغلظة في مكة المكرمة التي حنثوا فيها جميعا وأعلنوا انحيازهم الكامل للمحور الإيراني الممانع.
على خطى «حزب الله» اللبناني الذي خاض حربا غير متكافئة مع إسرائيل في 2006 دمرت لبنان وألجأت نصر الله إلى التوسل الذليل للدول العربية للتوسط في إيقاف الحرب، قامت حركة حماس في نهاية 2008 وبداية 2009 بخوض حربٍ مماثلة مع إسرائيل بإيعازٍ إيراني دمرت فيها غزة وقتل فيها ما يقارب 1400 قتيل وخمسة آلاف جريح حتى أجبرت حماس على التوقيع على التهدئة.
هذا الاستعراض التاريخي، وإن طال، مهم لوضع الأمور اليوم في سياقها، فحركة حماس اليوم لا تمتلك أي فرصة لا على تحرير فلسطين ولا على هزيمة إسرائيل، وكل ما ستجنيه بضعة آلافٍ من القتلى والجرحى من شعب غزة، قد تتجاوز الحرب السابقة ثم ستوقع على التهدئة التي تشبه الاستسلام، ثم ستدعي أنها انتصرت بمعانٍ لا قيمة لها على الأرض ولا تؤثر في حل الصراع الطويل مع إسرائيل من أمثال كسر هيبة الجيش الإسرائيلي أو الانتصار المعنوي أو نحوهما من الكلام الذي لا يضرّ ولا ينفع.
هدف حماس من هذه الحرب هو محاولة استعادة وهج جماعة الإخوان المسلمين التي تمّ إعلانها إرهابية في مصر والسعودية والإمارات، واستعادة مكانة داعمي الجماعة الإقليميين في قطر وتركيا تحت غطاء قضية فلسطين المقدسة، ولا يخضع لمثل هذه الألاعيب والابتزاز إلا من لا يعلم تاريخ وطبيعة هذه الحركة المذكور طرفٌ منه أعلاه.
هذا الموقف من حركة حماس موقف سياسي لا علاقة له بالدم الفلسطيني المراق على مذابح الآيديولوجيا الحمساوية، فهو دمٌ مقدسٌ والعدوان عليه واستباحته مدانٌ بكل الشرائع السماوية والقوانين الدولية، مثله مثل الدم السوري الذي يسفكه «حزب الله» اللبناني على كامل الأرض السورية، وهو الحزب الذي يستنجد به نائب رئيس المكتب السياسي في حماس موسى أبو مرزوق في تصريحه لوكالة نوفوستي من «أنه يأمل من (حزب الله) أن يقوم بفتح جبهة ثانية، ويساعد الفلسطينيين في قطاع غزة ضد القوات الإسرائيلية»، وهو ما أكده مصدر مقرب من حماس لصحيفة «السفير» بقوله: «إن مواقف (حزب الله) الداعمة لحركات المقاومة في غزة لا تبدو كافية بالنسبة إلى حماس».
أخيرا، فإن بعض المثقفين العرب يفقد صوابه وقدرته على الرؤية والتحليل السياسي كلّما سخنت الأحداث، وهم أخطأوا في مواقفهم من إيران ومن نظام الأسد ومن «حزب الله» اللبناني ومن الربيع العربي، وهم مخطئون في موقفهم من حركة حماس.
[email protected]