هل تنجح ليبيا في أن تصبح «حارس أوروبا» لوقف المهاجرين؟

وسط استفحال الأزمة السياسية وشح الموارد الضرورية لمراقبة سواحلها

عنصران من خفر السواحل خلال إنقاذ 147 أفريقياً قبالة السواحل الليبية أمس (أ.ف.ب)
عنصران من خفر السواحل خلال إنقاذ 147 أفريقياً قبالة السواحل الليبية أمس (أ.ف.ب)
TT

هل تنجح ليبيا في أن تصبح «حارس أوروبا» لوقف المهاجرين؟

عنصران من خفر السواحل خلال إنقاذ 147 أفريقياً قبالة السواحل الليبية أمس (أ.ف.ب)
عنصران من خفر السواحل خلال إنقاذ 147 أفريقياً قبالة السواحل الليبية أمس (أ.ف.ب)

عندما تسلم حرس السواحل الليبي الدفعة الأولى من زوارق دورية ترقبها منذ مدة طويلة من إيطاليا الشهر الماضي كان اثنان من الزوارق الأربعة يعانيان من مشاكل ميكانيكية، وتعطل الثالث في الطريق إلى طرابلس.
وعندما وصل وزير الداخلية الإيطالي لتسليم الزوارق رسميا في قاعدة بحرية بالعاصمة الليبية شكا حرس السواحل من أن الزوارق قديمة، وأن مساحة سطحها غير كافية لاستيعاب من يتم إنقاذهم من المهاجرين.
يقول أيوب قاسم المتحدث، باسم حرس السواحل الليبية: «إنهم يريدون منا أن نقوم بدور شرطي أوروبا، لكن في الوقت نفسه هذا الشرطي يحتاج إلى موارد... وأنا أتحدى أن يعمل أحد في هذه الظروف».
وخلال السنوات الأربع الأخيرة عبر نصف مليون فرد البحر المتوسط من ليبيا إلى إيطاليا، أغلبهم من دول أفريقية جنوبي الصحراء دفعوا لمهربين مبالغ مالية لنقلهم عبر الصحراء إلى ليبيا، ومنها إلى أوروبا في زوارق متهالكة، ويقدر أن 13 ألفا منهم غرقوا في البحر.
ومع تزايد عدد المهاجرين غير الشرعيين تريد الحكومات الأوروبية وقف تدفق هؤلاء الحالمين بسواحل أوروبا، والقضاء على المهربين. إلا أنه بعد أكثر من أربعة أشهر من إطلاق إيطاليا والاتحاد الأوروبي حملة جديدة لحل الأزمة توضح روايات المهاجرين ورجال الإنقاذ والمسؤولين أن هذه الحملة فشلت تقريبا في تحقيق أي شيء.
وعندما يقع مهاجرون في قبضة السلطات الليبية يتم نقلهم إلى مراكز إيواء تخضع من الناحية الاسمية لسيطرة الحكومة، ويبلغ عدد المقيمين فيها نحو ثمانية آلاف. وقد تعهد الأوروبيون بتقديم التمويل لتحسين الأوضاع في المخيمات، لكن رغم ذلك لا يزال التكدس قائما في بعضها لدرجة أن المهاجرين يضطرون للنوم وهم جلوس، فيما يتكدس المئات منهم خلف بوابة حديدية مغلقة على مراتب متجاورة في قاعة واحدة ليس بها مصدر للتهوية.
يقول شاب من غينيا يقيم في المركز منذ مارس (آذار) عندما اعترض حرس السواحل الليبي زورقا يقل نحو 120 مهاجرا آخرين قبل انطلاقهم في رحلة إلى إيطاليا «إنهم يحبسوننا ويسجنوننا ويطلبون منا المال، ويضربون الناس، ولا يحبون ذوي البشرة السوداء».
ويعد الطريق البحري من الساحل الليبي أحد طريقين رئيسيين سلكتهما أكبر موجة من المهاجرين إلى أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. أما الطريق الآخر الذي يتجه بحرا من تركيا إلى اليونان فقد أغلق تقريبا العام الماضي بعد توقيع اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة، غير أن سيل المهاجرين من ليبيا ازداد، حيث قطع منذ بداية العام 70 ألفا هذه الرحلة، فيما لقي نحو 2000 فرد مصرعهم هذا العام.
وعلى النقيض من تركيا ما زال الأوروبيون يعتبرون ليبيا مكانا خطيرا، لا يودون إعادة المهاجرين إليه، ولذلك فإن من يصل منهم إلى المياه الدولية ينتهي به الحال في إيطاليا في العادة. ووسط هذه الأجواء المليئة بالفوضى واستغلال البشر ازدهرت شبكات تهريب البشر في ليبيا خاصة في ظل الاضطرابات التي أعقبت الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي عام 2011، وازداد نشاطها بشدة بعد 2014 عندما انتشر الصراع وأصبح في ليبيا حكومتان: واحدة في طرابلس والثانية في الشرق.
ومنذ العام الماضي سعى الاتحاد للتعاون مع الحكومة الليبية الجديدة المدعومة من الأمم المتحدة، وبدأ تدريب حرس السواحل على متن سفن تابعة للاتحاد الأوروبي في أكتوبر (تشرين الأول). وفي فبراير (شباط) الفائت وقعت إيطاليا مذكرة تفاهم مع طرابلس، سرعان ما أقرها التكتل وخصص لتنفيذها 90 مليون يورو.
لكن طارق شنبور، أحد كبار مسؤولي حرس السواحل، أكد أن أوروبا لم تقدم دعما ملموسا يذكر، وقال بهذا الخصوص: «نحن نجتمع للتحدث ونتخذ قرارات ونبرم اتفاقات، لكن لا شيء ينفذ على الأرض». وليس للحكومة الليبية نفوذ يذكر خارج العاصمة أو حتى سلطة على بعض الوزارات داخلها. وقد قوبلت سلطتها في شرق البلاد بالرفض، كما أنها تفتقر لوجود محسوس في جنوب البلاد، حيث يجلب المهربون المهاجرين عبر الصحراء.
يقول مسؤول أوروبي مشترطا عدم الكشف عن هويته: «حتى الآن يمكننا أن نقول إننا كاتحاد أوروبي حققنا الكثير.. الفكرة أننا نريد حلولا في الأجل القصير لكن لا توجد حلول قصيرة الأجل».
وفي الوقت الذي يدرس فيه المسؤولون عن رسم السياسات في أوروبا الخطط الأطول أجلا لتحسين الأمن على الحدود الجنوبية لليبيا، وثني التجمعات السكانية عن نشاط التهريب وتقديم المساعدات في الدول التي ينطلق منها المهاجرون، فإن المسؤولين الليبيين يخشون أن تتزايد الأعداد داخل ليبيا بشدة، ويقولون إنهم لا يملكون الطاقة الاستيعابية لاستضافة المهاجرين في بلد يعاني من أزمة اقتصادية شديدة، وما زال به ما يقرب من 250 ألف نازح داخليا. وقد ساعد التمويل الأوروبي في زيادة قبول المهاجرين الذين يتم الإمساك بهم في ليبيا لفكرة إعادتهم إلى بلادهم الأصلية، غير أنه من المستبعد أن يتجاوز هذا العدد عشرة آلاف هذا العام.
ويتم احتجاز المهاجرين الذين يمسك بهم حرس السواحل الليبي في عرض البحر في غارات ليلية داخل مراكز إيواء، سواء مراكز رسمية تديرها الحكومة من الناحية الاسمية، أو مراكز أخرى تديرها جماعات مسلحة مختلفة.
وبينما يقول مهاجرون إن من يديرون هذه المراكز يجمعون المال من المهاجرين، أو من أسرهم من أجل إطلاق سراحهم ويعيدون بيعهم إلى مهربين أو يستأجرونهم لأداء أعمال، يقول عامل سابق بأحد المراكز في طرابلس إن الانتهاكات الجنسية متفشية في المراكز، والأوضاع أسوأ بكثير في مراكز غير رسمية وفي غرب ليبيا وجنوبها تديرها فصائل مسلحة أو حتى المهربون أنفسهم. كما يقول مهاجرون
آخرون إن مقاطع فيديو أو مقاطع صوتية لهم أثناء تعذيبهم تنقل إلى أسرهم لابتزاز تحويلات مالية، وإنهم اضطروا لبناء المركز بأنفسهم، مؤكدين وفاة عدد منهم لإصابتهم بأمراض لم تجد من يعالجها.
لكن العاملون بمراكز احتجاز يقولون إنهم لا يملكون الموارد الضرورية، ويضطرون في بعض الأحيان لاستخدام القوة مع المهاجرين الذين يتملكهم اليأس أو من يجمح منهم. وقد رفض محمد بشر، رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في طرابلس، التقارير عن الانتهاكات والقتل، وقال إن المهاجرين محتجزون حماية لهم، مبرزا أنه «في ضوء الوضع الأمني داخل الدولة الليبية فإنهم لا يمكنهم مغادرة مراكز الاحتجاز لأنهم لا يملكون وثائق الهوية. وربما يواجهون الأسوأ إذا ما رحلوا».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».