فرانسيس ويلكنسون
TT

أميركا.. البعض يريدها حربًا عرقية

كان العنوان الرئيسي لموقع «درودج ريبورت» الإخباري يقول: «مقتل رجال الشرطة البيض خلال مسيرة الأميركيين الأفارقة»، والتي تضم عشرات الآلاف من المتظاهرين السود السلميين في مختلف مدن البلاد. واندفعت صحيفة «نيويورك بوست» بالعنوان الافتتاحي المثير للاستفزاز «الحرب الأهلية». وتغافل عضو سابق بالكونغرس عن لفظة «الأهلية» وأعلن على «تويتر» يقول: «إنها الحرب»، وداعيا الرئيس إلى «الحذر». (ولقد عمد إلى إلغاء التغريدة بعد ذلك، مما أدى إلى تخليد ذكراها على عكس ما توقع).
إنه جزء خبيث ومؤذ من أميركا، ذلك الذي يبدو مفعما بخيبة الأمل لعدم اندلاع الحرب الأهلية حتى الآن في البلاد. إنهم الأناس الذين يستمعون إلى قلق الرئيس باراك أوباما العميق، والمنضبط، والمدروس حول الضحايا من المواطنين السود، ولحالات التهور غير المبررة من قبل ضباط الشرطة، ويقسمون أنهم سمعوا الرئيس يقول إن الوقت قد حان لقتل البيض. ويصرون أيضا على أن مسيرة «حياة السود مهمة»، ومسيرة «حياة الشرطة مهمة» لا علاقة لإحداهما بالأخرى على الإطلاق.
وإنهم الفئة التي تقفز على الأحداث والتوترات والمآسي، ليس من أجل مخاوفهم الشديدة من العدوان العنصري البغيض. بل إنهم يقفزون عليها من أجل انعدام الصبر لديهم. وبعد كل شيء، مرت علينا 7 سنوات، وهناك رجل أسود في أقوى مناصب البلاد قاطبة. ومع ذلك لم نشهد أبدا حشودا ومسيرات كبيرة للمواطنين البيض، ولا أضواء خضراء تشير إلى جرائم السود ضد البيض، ولا كتبا هزلية تصور صدامات متخيلة تعبث بأذهان الأحداث والمراهقين.
لسوف تكون حادثة دالاس خيبة أمل جديدة بالنسبة لهم. فالمدينة التي تضم 1.3 مليون مواطن، ينبغي أن ترقى فوق مستوى الصراع العرقي وتتجاوزه. وهناك ما يقرب من ثلث السكان من البيض، وربع سكانها من السود، وأكثر من 40 في المائة من اللاتينيين، ونحو 3 في المائة من الآسيويين. أي ربع سكان دالاس، إذا ما اعتبرناه جيبا مغلقا عن بقية المدينة، يضم المواطنين المولودين في خارج البلاد.
ومع ذلك، يبدو عمدة المدينة ورئيس شرطتها على نفس الخط والسياق الواحد. حيث قال ديفيد براون رئيس شرطة دالاس: «لا بد لذلك أن يتوقف، هذا الانقسام بين الشرطة والمواطنين». ولقد حث مايك رولينغز عمدة المدينة سكانها والأمة بأسرها على «الالتحام سويا وتأمين الأسلحة وتضميد الجراح التي أصابتنا جميعا».
حالة التوتر الاجتماعي باتت شديدة في الوقت الراهن. والاضطرابات العنصرية تنتشر في أروقة السياسة بالبلاد، وبعض منها تحمل آثار اهتياج وسخط شديد. وهناك حملة رئاسية شديدة القبح جارية الآن (وعلى الرغم من صعود دونالد ترامب، إلا أنه سقط سقوطا مروعا في هذه الحادثة). ومع ذلك، وعلى الاحتمالات كافة، فإن الأيام القليلة القادمة في مدينة دالاس متعددة الثقافات سوف تتميز كثيرا بالتأمل، والتضامن، والحزن، بأكثر مما تتميز بالغضب الأعمى والعداء العنصري الأهوج. وقبل سماع دوي الرصاصات، كانت المسيرة سلمية تماما. وعندما اندلعت الفوضى، دفعت قوات الشرطة في دالاس المتظاهرين إلى بر الأمان والسلامة. كما أن المتظاهرين أصيبوا برعب شديد إثر عمليات القتل المروعة.
إن الوحدة التي يدعو إليها قادة المجتمع المدني في دالاس قد تكون عسيرة جدا على التحقق. فالصراعات ما بين مجتمعات السود وبين الشرطة في المدينة تعود إلى عقود، وربما قرون. ولكن كل ما حدث في دالاس، لم يكن شاهدا على الماضي العنصري الدامي، ولكن على المستقبل الأفضل بكثير، وإن كان غير كامل المعالم بعد.
إن الغوغاء والدهماء يشعرون بقوة الشر الدافعة، ويتطلعون إلى نتائج سريعة. فلا تسمحوا لهم بأن يسرقوا منكم لحظتكم الراهنة.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»