نمو قياسي لقطاع المحاصيل البعلية في السعودية بأكثر من 1100%

أسهم في رفع كفاءة الإنتاج والاكتفاء الذاتي واستدامة الزراعة بالمناطق ذات الموارد المائية المحدودة

بيع محصول الدخن في جنوب السعودية (واس)
بيع محصول الدخن في جنوب السعودية (واس)
TT

نمو قياسي لقطاع المحاصيل البعلية في السعودية بأكثر من 1100%

بيع محصول الدخن في جنوب السعودية (واس)
بيع محصول الدخن في جنوب السعودية (واس)

كشف برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة (ريف السعودية) عن تحقيق قطاع زراعة المحاصيل البعلية -أحد القطاعات الثمانية التي يدعمها البرنامج - قفزاتٍ نوعية في خدمة مستفيديه؛ حيث سجّل نمواً قياسياً تجاوز 1100 في المائة، فيما ارتفع عدد المستفيدين من دعم البرنامج للقطاع إلى أكثر من 13.3 ألف مستفيد في مختلف مناطق المملكة.

المحاصيل البعلية أو التي تسمى المحاصيل المطرية، هي التي تعتمد على مياه الأمطار بشكل رئيس للحصول على احتياجاتها المائية، بعكس الزراعة المروية التي تعتمد على المياه الجوفية، أو مياه الأنهار والمسطحات المائية في ري المزروعات، حيث تشمل هذه المحاصيل الدخن، والقمح، والذرة الرفيعة، والحبحب البعلي، وغيرها.

وأوضح المتحدث الرسمي لـ«ريف السعودية»، ماجد البريكان، أن قطاع المحاصيل البعلية يُعد من أبرز القطاعات التي رسّخت نجاح البرنامج، وقد أسهم في رفع كفاءة الإنتاج، وتعزيز الأمن الغذائي، والاكتفاء الذاتي، بالإضافة إلى دعم استدامة الزراعة في المناطق ذات الموارد المائية المحدودة، وتحسين دخل صغار المزارعين، ورفع مستوى معيشتهم، بما يتماشى مع مستهدفات «رؤية 2030».

وأضاف البريكان أن برنامج «ريف السعودية» يسعى إلى تحقيق العديد من المستهدفات الرئيسية للإسهام في تنمية وتطوير القطاع، وذلك من خلال تنويع القاعدة الإنتاجية، وتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي للعديد من المحاصيل الزراعية، بالإضافة إلى تحسين دخل ومستوى معيشة صغار المزارعين، وتوفير فرص عمل لهم؛ للإسهام في تحقيق الاستقرار الاجتماعي، إلى جانب الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية.

يُشار إلى أن القطاعات الثمانية التي يستهدفها برنامج «ريف السعودية» بالدعم والإرشاد، تشمل قطاعات العسل، والفواكه، والبن السعودي، والورد، والمحاصيل البعلية، ومربي الماشية، وصغار صيادي الأسماك، والقيمة المضافة.


مقالات ذات صلة

2025... عام التصعيد المحسوب والرهانات الكبرى بين أميركا والصين

الاقتصاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال قمة زعماء مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 29 يونيو 2019 (رويترز)

2025... عام التصعيد المحسوب والرهانات الكبرى بين أميركا والصين

على امتداد أشهَر عامٍ اتسم بالتقلبات، حافظت واشنطن وبكين على نهج «التصعيد المحسوب»، بحيث ارتفعت وتيرة الإجراءات من دون الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.

لمياء نبيل (القاهرة)
عالم الاعمال استحواذ «دلّه الصحية» على مستشفى المملكة يعزز حضورها في الرياض

استحواذ «دلّه الصحية» على مستشفى المملكة يعزز حضورها في الرياض

أعلنت «دلّه الصحية» عن إتمام إجراءات الاستحواذ على شركة درع الرعاية القابضة (مستشفى المملكة والعيادات الاستشارية)

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ميناء الملك عبد الله في السعودية (الشرق الأوسط)

تقدم قوي في أداء التجارة الخارجية بارتفاع الصادرات السعودية غير النفطية

أظهرت بيانات حديثة تقدماً قوياً في أداء التجارة الخارجية للسعودية، بما يعكس نجاح سياسات تنويع الاقتصاد وتعزيز الصادرات غير النفطية.

بندر مسلم (الرياض)
الاقتصاد وزير الصناعة متحدثاً للحضور في مجلس صناعيي الرياض الثامن (الشرق الأوسط)

وزير الصناعة السعودي: ولي العهد سرّع إلغاء المقابل المالي لتعزيز تنافسية القطاع عالمياً

كشف وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر الخريف، عن كواليس ما قبل إصدار قرار مجلس الوزراء، الأخير، المتمثل في إلغاء المقابل المالي عن القطاع الصناعي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ميناء الملك عبد العزيز بالدمام (واس)

ارتفاع الصادرات غير النفطية السعودية 32.3 % في أكتوبر

سجّلت الصادرات غير النفطية في السعودية (شاملة إعادة التصدير) ارتفاعاً بنسبة 32.3 في المائة خلال شهر أكتوبر 2025 مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

اليابان تقدم مساعدات إنسانية قيمتها مليونا دولار للعائدين إلى أفغانستان

اليابان تقدم مساعدات إنسانية قيمتها مليونا دولار للعائدين إلى أفغانستان
TT

اليابان تقدم مساعدات إنسانية قيمتها مليونا دولار للعائدين إلى أفغانستان

اليابان تقدم مساعدات إنسانية قيمتها مليونا دولار للعائدين إلى أفغانستان

ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليابان قدمت مليونَي دولار كمساعدات إنسانية للعائدين إلى أفغانستان، حيث تتفاقم تحديات النزوح والفقر وإعادة الإدماج في مختلف أنحاء البلاد.

جاء ذلك في بيان صدر السبت عن المفوضية في صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، حسب وكالة «خاما برس» الأفغانية للأنباء السبت.

وتهدف المساعدات إلى مساعدة الأسر العائدة في الوصول إلى خدمات أساسية، بما في ذلك غذاء ورعاية صحية ومأوى، في حين يكافح الكثيرون لإعادة الاندماج في المجتمعات بعد عودتهم من الخارج. وطبقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، استقبلت أفغانستان 2.3 مليون عائد في عام 2025 وحده، مما يؤكد الحاجة المتزايدة للدعم والموارد لتحقيق الاستقرار في حياتهم.

وأكدت المفوضية أن المساهمة اليابانية ستدعم بشكل مباشر الأسر الضعيفة، مما يضمن حصولها على مساعدات حيوية لتلبية الاحتياجات الأساسية وتحسين الظروف المعيشية. يأتي ذلك وسط توقعات بأن قطاعات كبيرة من السكان الأفغان ستحتاج إلى دعم إنساني عاجل في عام 2026 بسبب الفقر والصعوبات الاقتصادية.


جائزة «الملتقى» تعلن القائمة الطويلة وتكرِّم فاضل خلف «رائد القصة الكويتية»

جائزة «الملتقى» تعلن القائمة الطويلة وتكرِّم فاضل خلف «رائد القصة الكويتية»
TT

جائزة «الملتقى» تعلن القائمة الطويلة وتكرِّم فاضل خلف «رائد القصة الكويتية»

جائزة «الملتقى» تعلن القائمة الطويلة وتكرِّم فاضل خلف «رائد القصة الكويتية»

أعلنت جائزة «الملتقى للقصة القصيرة العربية»، الأحد، القائمة الطويلة للدورة الثامنة، التي أطلقت عليها دورة الأديب الكويتي فاضل خلف، أوَّل قاص كويتيّ قام بإصدار مجموعة قصصية عام 1955.

وبلغ عدد المشاركين في الدورة الثامنة للجائزة والمستوفية أعمالهم لشروط الترشّح، (231) مترشّحاً من جميع الأقطار العربية والعالم، بعدد (28) بلداً، وجاء عدد السيّدات المشاركات في هذه الدورة مُمثَّلاً بـ(74) مترشحة؛ أي بنسبة تصل إلى 32 في المائة.

وضمت القائمة الطويلة عشرة متسابقين، من ثماني دول عربية، وهم: أماني سليمان داوود عن مجموعتها القصصية «جبل الجليد» (الأردن)، الصادرة عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر»، شيرين فتحي «عازف التشيلّو» (مصر)، «دار العين للنشر»، شيخة حليوي «أقرأ كافكا وكلبتي تحتضر» (فلسطين)، «دار النهضة العربية»، طارق إمام «أقاصيص أقصر من عمر أبطالها» (مصر)، «دار الشروق»، غزلان تواتي «توقيت غير مناسب لشراء السمك» (الجزائر)، «دار هُنّ للنشر والتوزيع»، مقبول العلوي «تدريبات شاقة على الاستغناء» (السعودية)، «دار نوفل»، محمود الرحبي «لا بارَ في شيكاغو» (عُمان)، «أوكسجين للنشر»، ندى الشهراني «قلب مُنقَّط» (قطر)، «دار جامعة حمد بن خليفة للنشر»، هيثم حسين «حين يمشي الجبل» (سوريا - بريطانيا)، «منشورات رامينا»، وجدان أبو محمود «نَحْت» (سوريا)، «الآن ناشرون وموزّعون».

وقالت جائزة «الملتقى للقصة القصيرة العربية» في بيان، إنه انطلاقاً من احتفالات دولة الكويت عاصمة للثقافة العربية والإعلام العربي لعام 2025، وبرعاية من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، تُواصل جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية في دورتها الثامنة (2025-2026) مسيرتها الإبداعية/الثقافية في استقطاب الأعمال القصصية لكُتّاب القصة القصيرة في أقطار الوطن العربي والعالم، كونها الجائزة الأهم للقصة القصيرة في الوطن العربي، والتي مثلّت الكويت في «منتدى الجوائز العربية»، وساحة الجوائز العربية.

وأضاف البيان، أنه تقديراً من «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» في الكويت، لدور الجيل المؤسِّس من رجالات الكويت المبدعين، فلقد تقرَّر أن تحمل هذه الدورة اسم «الأديب فاضل خلف» (1927-2023)؛ نظراً لأن الأديب خلف كان أوَّل قاص كويتيّ قام بإصدار مجموعة قصصية عام 1955، بعنوان «أحلام الشباب».

وقد فُتِح باب الترشّح للدورة الثامنة بتاريخ الأول من مايو (أيار) وحتى نهاية يونيو (حزيران) 2025. وبعد فرز الأعمال المتقدِّمة، وتحديد الأعمال المستوفية لشروط الترشّح، تبيَّن أن العدد الإجمالي للمترشِّحين لهذه الدورة هو (231) مترشّحاً من جميع الأقطار العربية والعالم، بعدد (28) بلداً، وجاء عدد السيّدات المشاركات في هذه الدورة مُمثَّلاً بـ(74) مترشحة؛ أي بنسبة تصل إلى 32 في المائة، وبما يعني اهتماماً كبيراً بالجائزة من قبل شريحة كبيرة من الكاتبات العربيات.

وكان المجلس الاستشاري للجائزة قد شكّل لجنة التحكيم للدورة الثامنة برئاسة الدكتور محمد الشحّات، وعُضويّة كل من: الدكتور: عبد الرحمن التمارة، والروائية والقاصة: سميحة خريس، والدكتورة: عائشة الدرمكي، والقاصّة: إستبرق أحمد. وبُغية قراءة وغربلة المجاميع المشاركة، بشكلٍ موضوعي، والوصول إلى المتحقق إبداعياً، وقد وضعت لجنة التحكيم جُملة من المعايير الإبداعية والنقدية الدقيقة تمثَّلت في: تحديد الثيمة، وتشمل: الجِدّة في التناول وزاوية الرؤية وحضور الخيال ودقة العناوين. وتوظيف اللغة، بما يشمل: التجريب اللغوي، وانتقاء المفردات أو بناء الجملة السردية أو الأسلوب. وجماليات البنية السردية (الحبكة)، وتشمل: بناء الشخصية، والحدث، والزمكان، ومناسبة اللغة مع تقنيات السرد أو الحوار. ومنظومة القيم العُليا (الحق والخير والجمال)، وتشمل: الأبعاد الرمزية في القصص وحُسن توظيفها لخدمة الرؤية الجمالية. وكذلك الرؤية الجمالية والثقافية، وتشمل: تمثيلات القصص لقضايا الإنسان (العربي) المعاصر، وروح العصر، ومتغيِّرات الواقع المعيش. ومدى الإضافة النوعية للقصة القصيرة العربية، سواء في انتقاء الموضوعات أو الأساليب الفنية أو طرائق السرد والحوار.

ومن المقرر إعلان القائمة القصيرة في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) 2026، حيث ستقوم المكتبة الوطنية في دولة الكويت باستضافة واحتضان كامل فعاليات الدورة، باجتماع لجنة التحكيم لإعلان الفائز، وكذلك إقامة الندوة الثقافية المصاحبة للاحتفالية بعنوان «راهن القصة القصيرة الكويتية»، ويشارك فيها نخبة من الكتّاب العرب والكويتيين، وتمتدّ على مدار يومين، كما ستصدر الاحتفالية كتاباً تذكاريّاً بعنوان «مختارات من القصّ العربي»، إضافة إلى مجموعة «أحلام الشباب» للكاتب المرحوم فاضل خلف، وكتاب تذكاري عنه.


البحث عن الحقيقة المتوارية في أفلام داود عبد السيد

المخرج داود عبد السيد (فيسبوك)
المخرج داود عبد السيد (فيسبوك)
TT

البحث عن الحقيقة المتوارية في أفلام داود عبد السيد

المخرج داود عبد السيد (فيسبوك)
المخرج داود عبد السيد (فيسبوك)

يلقي رحيل المخرج داود عبد السيد قبل يومين الضوء على موقف صناعة السينما المصرية غير المتوازن، ما بين التجارة والفن.

مقابل 10 أفلام من نوع «الدشاش»، و«استنساخ»، و«أحمد وأحمد»، و«روكي الغلابة»، و«السلم والثعبان: لعب عيال»، و«فيها إيه يعني»، توفر السينما المصرية في عصرها الحالي فيلماً واحداً من تلك التي يمكن القول إنها مختلفة، أو تسعى إلى طرح موضوعات مهمَّة بلُغة فنية واعية.

إنها نسبة لا تكشف فقط عن التفاوت الخطير؛ بل أيضاً عن دور المنتجين المصريين في تهميش الحياة الثقافية والفنية بلا أدنى اكتراث، حباً في الإيرادات. لا أحد يريد أن ينظر إلى حقيقة أن ربح الأفلام «التجارية» ليس مضموناً، ولا إلى أنه مُطالب -وطنياً- بأن يدفع إلى الأمام أفلاماً ذات قيمة، وأن يشترك في الدفاع عن فن السينما المصرية، عوض الاستثمار في إطلاق أفلام هابطة.

خط مختلف

في عام 2022، وجد عبد السيد الذي رحل وهو في عزلة شبه كاملة، نفسه عاجزاً عن تأمين تمويل لمشروع جديد. تنقَّل بين المنتجين، ناقش وشرح، ليكتشف اتساع الهوة بين رغبته ومكانته الفنية من جهة، ومنطق السوق ورؤى المنتجين من جهة أخرى. وسواء أعلن اعتزاله لاحقاً أو فُرض عليه الأمر، فالنتيجة واحدة.

مرَّت 10 سنوات على عرض آخر أفلامه «قدرات غير عادية»، وهو فيلمه الروائي التاسع. وبعد محاولات متكررة لإنجاز فيلم عاشر، اختار الاكتفاء بما قدَّمه، معلناً اعتزاله قبل 3 سنوات. قوبل القرار بمزيج من الأسف والإنكار، قبل أن يطويه زمن سريع الإيقاع، وعصر الاتصالات الذي نحياه.

كان داود عبد السيد من القِلَّة التي امتلكت موهبة حقيقية وفرادة أسلوب، مع مضامين نابعة من رؤيته الخاصة. أفلام تحترم الجمهور لكنها لا تهادنه. منذ «الصعاليك» (1985)، و«الكيت كات» (1991). شقَّ لنفسه موقعاً قريباً من الجمهور، مع إصرار واضح على تقديم أعمال أعمق وأكثر طموحاً من السائد.

بحث عن واقع بلد

لقطة من فيلم «الكيت كات»

على الرغم من محدودية عدد أفلامه، رسَّخ عبد السيد مكانة مستحقَّة منذ عمله الأول «الصعاليك». ويعود ذلك إلى أسلوبه الخاص في معالجة الموضوعات: كاميرا تتتبَّع الحالات بصبر، وسرد هادئ الإيقاع، وتوتُّر محسوب يظهر عند الضرورة، كما في «أرض الخوف».

شخصياته مصرية بطبيعتها، ولكنها تتنفس هواءً مختلفاً. في معظم أفلامه، تتحول هذه الشخصيات إلى أدوات للبحث عن واقعها وواقع البلد، وإلى مفاتيح لأسئلة أوسع. أبطاله غرباء في أرض غير غريبة. وكما يقول «سيد مرزوق» (علي حسنين) لـ«يوسف كمال» (نور الشريف) في «البحث عن سيد مرزوق»: «إنت إنسان غريب... موجود وفي الوقت نفسه مش موجود».

الأعمى البصير

بعد «الصعاليك»، قدَّم «الكيت كات» و«البحث عن سيد مرزوق» (1991)، ثم «أرض الأحلام» (1993)، و«سارق الفرح» (1995)، و«أرض الخوف» (2000)، و«مواطن ومخبر وحرامي» (2001).

توقَّف 9 سنوات قبل أن يعود بـ«رسائل البحر» (2010)، ثم غاب 5 سنوات أخرى ليقدِّم «قدرات غير عادية» (2015).

كل فيلم من هذه الأعمال يتَّسم بأسلوب هادئ ينقِّب عمَّا وراء الموضوع، حتى حين يكون خيالياً، كحال «قدرات غير عادية».

أفلامه لا تدَّعي الواقعية، ولكنها تغوص في الواقع بعمق. في «أرض الخوف» كشف المخرج عن حالات ونماذج بشرية واجتماعية من دون وعظ أو خطابة. يبدأ كل شيء عندما يقبل «الضابط يحيى» (أحمد زكي) أن يخلع شخصيته تلك ويرتدي غيرها. و«غيرها» هذه ليست أي شخصية متوارية ولا كناية عن التخفي تحت قناع أو اسم جديد فقط. عليه أن يصبح شخصية بديلة بكاملها. لا محطات للتوقف، ولا رجوع، ولا حرية العودة إلى أصله، لا من حين لآخر، ولا في أي مستقبل منظور.

أحمد زكي في «أرض الخوف» (آي إم دي بي)‬

على «يحيى» (أحمد زكي) أن يصبح «أبو دبُّورة» جسداً وسلوكاً وقناعة. والمخرج حرص على تمييز فيلمه، على هذا الصعيد، بتفعيل كيفية هذا الانتقال من شخص بهوية مرموقة إلى شخص كلما مضى في تأدية المطلوب منه (الدخول في العالم السفلي لتجارة المخدرات) فقد هويَّته الأولى إلى حد الذوبان.

في «الكيت كات» (اسم الحي الذي تقع فيه الأحداث) جسَّد عبد السيد حالة من الذوبان الذاتي في البيئة المعبِّرة عن المجتمع التحتي. صحيح أن مشاهدة بطله «الشيخ حسني» (محمود عبد العزيز) يقود دراجة رغم عماه، ألهبت نقاداً وجمهوراً؛ لكن النفاذ من تصوير هذه الحالة الواردة في ذلك المشهد لما وراءه أمر ضروري. في صلبه هو مشهد يعكس رغبة الإنسان في التعايش مع واقعه بحرية، وقدرته على ذلك لو أراد. تحدٍّ كبير؛ لا ضد المعوِّق المتمثل في فقدان البصر؛ بل لعالم لا يرى «الشيخ حسني» إلا كأعمى.

لتقريب اختلاف «الشيخ حسني» عن الآخرين، فهو -حسب رواية الراحل إبراهيم أصلان- ليس شيخاً فعلياً. إنه يسمح لنفسه بالقيام بما لا يصح لشيخ آخر القيام به (جلسات نميمة ومخدرات)؛ لكن الطريقة التي يتعامل بها المخرج مع هذه الشخصية ليست طريقة «شعبية» لتهييج الناس وبيعهم شخصية من الحارة المصرية، بقدر ما هي تعليق على وضع وتوظيف الشيخ للكشف عن خطايا وفضائح رنَّانة.

مجهر غامض

«قدرات غير عادية»

يختار عبد السيد في آخر فيلم له (قدرات غير عادية)، منحى آخر للتعامل مع شؤون المجتمع المصري. موضوع كان قد تطرَّق إليه في «البحث عن السيد مرزوق» و«أرض الخوف» و«مواطن ومخبر وحرامي» و«رسائل البحر»، وهو موضوع البحث عن الذات وسط متاعب الفرد في مجتمعه، وتصوير ذلك المجتمع كعالم متعدد الظلمات.

ومع أن فيلمه الأخير منصَبٌّ على فكرة تناول موضوع أولئك المتميِّـزين بقدرات غير عادية، مثل توقع أن يحدث شيء فيحدث، أو مثل النظر إلى الشيء البعيد فيقترب، أو تحريك الأشياء في الهواء، وسواها، فإن السبب لا يزال بحث فرد عن هويته غير المستقرة.

المنطلق بدوره ما زال واحداً: مهمَّة تُسنَد إلى رجل لدخول عالم مغلق والبحث فيه، حتى وإن لم يكن من المحتمل العودة منه. خلال ذلك، تضيع هوية الباحث الأصلية، ولا يتمكَّن من البديلة. ينطلق الفيلم من فكرة قيام «الباحث يحيى» (خالد أبو النجا) بطرق باب لا يستطيع استيعاب ما وراءه، ومن ثم دخوله عالماً يتحوَّل فيه إلى مجرد أداة تحت مجهر غامض. في ذلك هو مثل شخصية «يحيى» في «أرض الخوف» مع اختلاف الحكاية التي تلج به إلى هذا الوضع.

تحمل بداية «قدرات غير عادية» رنَّة من بعض الأعمال الماضية. في الدقيقة الأولى يُطلب من «يحيى» أن يواصل العمل على بحثٍ كتَبه عن الأشخاص الذين يتمتعون بتلك القدرات الفائقة غير الطبيعية، ما يذكِّرك بمطلع «مواطن ومخبر وحرامي» (الذي مثَّله أيضاً أبو النجا) عندما يُمنح بطلُه وقتاً غير محدد للغياب عن العمل والنزول إلى الشارع، ليستكشف أمر الناس وينقل معلومات عنهم.

الطلب هنا هو نوع من منحه تذكرة ليذوب ويغيب. أول ما يفعله بعد أن أخبره مديره أن عليه أن يأخذ إجازة «وما تورنيش خلقتك لشهر» هو النزوح إلى بنسيون يقع على مقربة من مدينة الإسكندرية؛ حيث يستأجر غرفة ليعيش، (ونظرياً لكي يقرأ ويدرس). يكتشف أن صاحبة البنسيون الجميلة والجيدة (نجلاء بدر) وابنتها «فريدة» (مريم تامر) تملكان قدرات غير عادية بدوريهما. الأولى -مثلاً- تستطيع أن تتنبأ بقدومه إلى الإسكندرية وملاقاته فيها حتى من دون موعد متَّفق عليه. والثانية تستطيع أن تحرِّك الأشياء من مكانها. هذا ما يدخل في صميم بحثه، ولكن بحثه ليس علمياً. يترك «يحيى» نفسه ينساب إلى عالمهما من دون كوابح. يصبح جزءاً من حالة عامَّة، ويكتشف أنه تحت المرصاد، وأن هناك رجل أمن على قدر كبير من التأثير في مجريات الأمور، اسمه «عمر» (عباس أبو الحسن) كان يموِّل بحوثه ويدير الجهاز الذي يريد التعرُّف على من يمتلكون مثل تلك الطاقات العجيبة.

شرط المعرفة

لا يتطلب الأمر بحثاً طويلاً لإدراك أن نوعية الشخصيات التي أثارت اهتمام داود عبد السيد في معظم أفلامه، هي تلك التي ترضى التخلي عن واقع كشرط لمعرفة الحقيقة، فإذا بها لا تستطيع العودة إلى ذلك الواقع، ولا إلى معرفة الحقيقة.

أفلامه هي رحلات في النفس، حتى عندما يختار معالجة موضوع طبيب يقرر ترك المهنة التي درسها ومارسها لأخرى تتمتع بحرية أوسع، وهي الصيد؛ هذا ورد في فيلمه قبل الأخير «رسائل البحر» منضمّاً إلى تلك الشخصيات التي تنطلق من نقطة وتنتهي في نقطة أخرى.

سينما عبد السيد انطلقت في الفترة الصحيحة؛ حيث كان لا يزال في الجوار محمد خان (الذي تعرَّض بدوره إلى البطالة، بسبب عدم عزف أفلامه ألحان المنتجين) وخيري بشارة، ورضوان الكاشف، ومحمد ملص (في سوريا)، وبرهان علوية (في لبنان)، ونوري بوزيد (في تونس)، وعدد آخر توزَّع فوق الخريطة العربية. أمثاله -وتبعاً لقول الشاعر الأميركي روبرت فروست في «The Road Not Taken»- مشوا في الطريق الأقل سيراً.