منذ أن أثبت الباحثون لأول مرة العلاقة بين النظام الغذائي والكولسترول وأمراض القلب في خمسينات القرن الماضي، كان يُقيّم خطر الإصابة بأمراض القلب جزئياً بناءً على مستويات الكولسترول لدى المريض، التي يمكن قياسها بشكل روتيني عن طريق تحاليل الدم.
مع ذلك، تُشير الأدلة المتراكمة على مدى العقدين الماضيين إلى أن مؤشراً حيوياً يُسمى بروتين سي التفاعلي (CRP)، الذي يدل على وجود التهاب منخفض الدرجة، يُعدّ مؤشراً أفضل لخطر الإصابة بأمراض القلب من الكولسترول.
وبحسب موقع «ساينس آليرت» العلمي، فقد نشرت الكلية الأميركية لأمراض القلب توصيات جديدة لإجراء فحص شامل لمستويات بروتين سي التفاعلي لدى جميع المرضى، إلى جانب قياس مستويات الكولسترول.
ما بروتين سي التفاعلي؟
يُنتج الكبد بروتين سي التفاعلي استجابةً للعدوى، وتلف الأنسجة، وحالات الالتهاب المزمنة الناتجة عن أمراض، مثل أمراض المناعة الذاتية، والاضطرابات الأيضية مثل السمنة والسكري.
ويمكن قياس بروتين سي التفاعلي بسهولة عن طريق فحص الدم. ويشير انخفاض مستوياته (أقل من 1 ملغ لكل ديسيلتر) إلى أن الجسم لا يعاني إلا من التهاب طفيف جداً، مما يعني أنه غير معرض لأمراض القلب.
أما ارتفاع مستوى بروتين سي التفاعلي إلى أكثر من 3 ملغ لكل ديسيلتر، فيشير إلى زيادة مستويات الالتهاب، وبالتالي زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب.
وتشير الأبحاث إلى أن بروتين سي التفاعلي يُعد مؤشراً تنبؤياً أفضل للنوبات القلبية والسكتات الدماغية من الكولسترول الضار (LDL)، بالإضافة إلى مؤشر حيوي وراثي آخر شائع يُسمى البروتين الدهني (أ).
ووجدت إحدى الدراسات أن بروتين سي التفاعلي يُمكنه التنبؤ بأمراض القلب بدقة ضغط الدم.
لماذا يُعدّ الالتهاب عاملاً مهماً في أمراض القلب؟
يلعب الالتهاب دوراً حاسماً في كل مرحلة من مراحل تكوّن وتراكم اللويحات الدهنية في الشرايين، مما يُسبب حالة تُعرف بتصلب الشرايين، التي قد تؤدي إلى النوبات القلبية والسكتات الدماغية.
ومنذ لحظة تضرر أحد الأوعية الدموية، سواءً كان ذلك بسبب ارتفاع نسبة السكر في الدم أو دخان السجائر، تتسلل الخلايا المناعية فوراً إلى المنطقة المتضررة. تقوم هذه الخلايا المناعية بابتلاع جزيئات الكولسترول الموجودة عادةً في مجرى الدم، لتُشكّل لويحة دهنية تستقر في جدار الوعاء الدموي.
تستمر هذه العملية لعقود حتى تقوم الوسائط المناعية في النهاية بتمزيق الغطاء الذي يُحيط باللويحة. يُحفّز هذا التمزق تكوّن جلطة دموية تُعيق تدفق الدم، وتُحرم الأنسجة المحيطة من الأكسجين، مما يُؤدي في النهاية إلى نوبة قلبية أو سكتة دماغية.
لذا، فإن الكولسترول ليس سوى جزء من المشكلة؛ فالجهاز المناعي هو الذي يُسهّل كل خطوة من خطوات العمليات التي تُؤدي إلى أمراض القلب.
هل يؤثر النظام الغذائي على مستويات بروتين سي التفاعلي؟
يؤثر نمط الحياة بشكل كبير على كمية بروتين سي التفاعلي التي ينتجها الكبد.
وقد ثبت أن كثيراً من الأطعمة والعناصر الغذائية تخفض مستويات بروتين سي التفاعلي، بما في ذلك الألياف الغذائية الموجودة في أطعمة، مثل البقوليات والخضراوات والمكسرات والبذور، بالإضافة إلى التوت وزيت الزيتون والشاي الأخضر وبذور الشيا وبذور الكتان.
كما أن فقدان الوزن وممارسة الرياضة يسهمان في خفض مستويات بروتين سي التفاعلي.
هل لا يزال الكولسترول عاملاً مهماً في خطر الإصابة بأمراض القلب؟
على الرغم من أن الكولسترول قد لا يكون أهم مؤشر لخطر الإصابة بأمراض القلب، فإنه يظل ذا أهمية بالغة.
مع ذلك، لا تقتصر الأهمية على كمية الكولسترول فقط، أو تحديداً كمية الكولسترول الضار (LDL). ولا يعني تساوي مستوى الكولسترول لدى شخصين بالضرورة تساوي خطر إصابتهما بأمراض القلب. ذلك لأن الخطر يتحدد بشكل أكبر بعدد الجزيئات التي يُعبأ فيها الكولسترول الضار، وليس بكتلة الكولسترول الضار الكلية الموجودة في الدم. فزيادة عدد الجزيئات تعني زيادة الخطر.
لهذا السبب، يُعدّ فحص الدم المعروف باسم البروتين الشحمي B، الذي يقيس عدد جزيئات الكولسترول، مؤشراً أفضل على خطر الإصابة بأمراض القلب من قياس إجمالي كمية الكولسترول الضار.
وكما هي الحال مع الكولسترول وبروتين سي التفاعلي، يتأثر البروتين الشحمي B أيضاً بعوامل نمط الحياة مثل ممارسة الرياضة، وفقدان الوزن، والنظام الغذائي. وترتبط العناصر الغذائية مثل الألياف والمكسرات وأحماض أوميغا 3 الدهنية بانخفاض عدد جزيئات الكولسترول، بينما ترتبط زيادة تناول السكر بزيادة عددها.
علاوة على ذلك، يُعدّ البروتين الشحمي (أ)، وهو بروتين موجود في جدار الأوعية الدموية المحيطة بجزيئات الكولسترول، مؤشراً آخر يُمكنه التنبؤ بأمراض القلب بدقة أكبر من مستويات الكولسترول. ويعود ذلك إلى أن وجود البروتين الشحمي (أ) يجعل جزيئات الكولسترول أكثر لزوجة، وبالتالي أكثر عُرضة للتراكم في لويحة تصلب الشرايين.
مع ذلك، وعلى عكس عوامل الخطر الأخرى، فإن مستويات البروتين الشحمي (أ) وراثية بحتة، وبالتالي لا تتأثر بنمط الحياة، ولا يلزم قياسها إلا مرة واحدة في العمر.

