كشفت دراسة حديثة، نُشرت في النصف الأول من شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الحالي في مجلة أبحاث السرطان «Cancer Discovery» التابعة للجمعية الأميركية لأبحاث السرطان عن سبب اختلاف نتائج الأطفال المصابين بنفس الطفرة الجينية المسببة لسرطان الدم. وأوضحت أن ذلك يعتمد على توقيت حدوث هذه الطفرة حتى مع وجود نفس الجين.
وقال الباحثون، من كلية إيكان للطب في ماونت سيناي Icahn School of Medicine at Mount Sinai، في الولايات المتحدة، إن سرطان الدم (اللوكيميا) الذي يبدأ قبل الولادة في الأغلب يكون أكثر شراسة، وينمو بشكل أسرع، ويصعب علاجه بعد تشخيصه، وأكدوا أن هذا الاكتشاف سوف يساهم مستقبلاً في تحديد نوعية العلاج.
توقيت الطفرة الجينية
حاول الباحثون معرفة تأثير التوقيت الذي تحدث فيه الطفرة على شراسة المرض، وأُجريت هذه الدراسة في المختبر باستخدام نماذج لخلايا جذعية تحاكي خلايا الدم البشرية الطبيعية، وقاموا بإحداث طفرة جينية في هذه الخلايا باستخدام تقنية كريسبر CRISPR لتعديل الجينات، ثم قاموا بمراقبة تطور هذه الخلايا في مراحل نموها المختلفة (قبل الولادة، وبعدها، والطفولة المبكرة، والطفولة المتأخرة، والمراهقة، والبلوغ).
سرطان الدم قبل وبعد الولادة
أظهرت النتائج تحول الخلايا الجذعية التي تم إنتاجها خلال مرحلة تطور الجنين بسهولة إلى خلايا سرطانية، ما أدى إلى ظهور شكل أكثر شراسة من المرض، أما الخلايا الجذعية التي تم إنتاجها بعد الولادة، فقد أصبحت أكثر قدرة على مقاومة التحول لخلايا خبيثة، وتطلبت طفرات إضافية لتصبح سرطانية.
أوضح الباحثون أن الخلايا الجذعية الخاصة باللوكيميا التي تنشأ قبل الولادة تميزت بأنها أكثر خمولاً (ساكنة)، وتعتمد بشكل كبير على مصادر طاقة محددة، وهو ما لم يحدث في حالات اللوكيميا التي تنشأ لاحقاً في حياة الطفل، ورغم خمول هذه الخلايا الجذعية، فإن هذه الحالة تجعل القضاء عليها بالعلاج التقليدي أكثر صعوبة، ما يفسر السبب وراء شراسة اللوكيميا التي تنشأ قبل الولادة أكثر من الأنواع الأخرى التي تنشأ في مراحل الحياة المختلفة رغم تطابق التركيب الجيني.
بصمة جينية
من خلال الدراسة قام الباحثون بتحديد بصمة جينية خاصة بالخلايا الجذعية التي تنشأ قبل الولادة، والتي تتنبأ باحتمالية بدء إصابة الطفل بسرطان الدم قبل الولادة، ولاحظوا أن هذه البصمة ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بنتائج سريرية أسوأ بشكل واضح، وأكد الباحثون أن هذه النتائج تشير إلى أهمية توقيت حدوث الطفرة الجينية، حيث يختلف سلوك الطفرة نفسها اختلافاً كبيراً باختلاف وقت حدوثها.
اكتشف الباحثون أن هذه الخلايا السرطانية شديدة التأثر بدمج العلاج الكيميائي التقليدي مع دواء فينيتوكلاكس venetoclax، وهو دواء معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA (هذا الدواء يعمل على تثبيط بروتين معين يساعد الخلايا السرطانية على النمو)، ما أدى إلى تقليل شراسة المرض بشكل ملحوظ في النماذج التجريبية.
دعم علمي للعلاجات
وتوفر هذه النتائج للأطباء دعماً علمياً لاستخدام العلاج المدمج (فينيتوكلاكس، والعلاج الكيميائي) في علاج اللوكيميا، خاصة في الأطفال الأصغر عمراً، الذين يمكن أن يكون مرضهم قد بدأ قبل الولادة، لأن فهم أهمية توقيت بدء الإصابة قد يساعد الأطباء على اختيار علاج أكثر فاعلية في وقت مبكر من دون مخاوف من حدة العلاج.
أكد أعضاء الفريق البحثي أنهم بصدد تطوير نوعية علاجات في المستقبل القريب تستهدف بشكل مباشر التمثيل الغذائي الخاص بخلايا اللوكيميا التي تنشأ قبل الولادة، بهدف القضاء الانتقائي على الخلايا الجذعية السرطانية، مع الحفاظ على الخلايا الجذعية السليمة في الدم.

