7 سلوكيات يومية شائعة قد تسبِّب آلام الرقبة

أسباب غير متوقعة لحدوثها

7 سلوكيات يومية شائعة قد تسبِّب آلام الرقبة
TT

7 سلوكيات يومية شائعة قد تسبِّب آلام الرقبة

7 سلوكيات يومية شائعة قد تسبِّب آلام الرقبة

الرقبة لديها وظيفة متواصلة دون أي فترة من الراحة، أي 24 ساعة/ 7 أيام بالأسبوع. ولذا، إذا كان لديك آلام في الرقبة، فإنها ستطاردك طوال الوقت في كل وضعية: خلال الاستلقاء أو الجلوس أو الوقوف أو المشي. وقد يكون هذا مُنهكاً ومزعجاً جداً، ومنغصاً جداً أيضاً لأي أنشطة تود القيام بها في يومك.

صحيح أن الألم قد يأتي من مشكلات هيكلية في أحد مكونات الرقبة، إلا أن بعض أنشطتك اليومية قد تسبب لك ذلك الألم دون أن تدرك ذلك.

مكونات الرقبة الهيكلية

الرقبة هي جزء من الجسم يربط الرأس بالجذع. وتدعم الرقبة وزن الرأس، وتحمي الأعصاب التي تحمل المعلومات الحسية والحركية من الدماغ نزولاً إلى بقية الجسم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الرقبة مرنة للغاية، وتسمح للرأس بالدوران والثني في جميع الاتجاهات. وتشريحياً، ثمة 5 «مكونات» هيكلية رئيسية في الرقبة، هي:

- مكون هيكلي عظمي، يشمل الفقرات والمفاصل وأقراص الديسك.

- مكون حشوي، يشمل الأجزاء العلوية من الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، والغدة الدرقية، والجلد. وقريب من ذلك غدد لعابية وتراكيب الأذن.

- مكون عصبي، يشمل مجموعات من الأعصاب الخارجة، إما من الدماغ وإما من بين الفقرات.

- مكون وعائي، يشمل عدداً من الأوردة والشرايين الرئيسية والفرعية.

- مكون عضلي، يشمل شبكة متداخلة من العضلات ذات الصلة اللصيقة بالرقبة وتراكيبها، وعضلات أخرى مرتبطة بالرأس وبالصدر وبالظهر.

وفي كل من هذه التراكيب التشريحية قد يظهر موضع ألم الرقبة. ولكن طريقة الاستخدام الوظيفي للرقبة -وليس فقط المكوّن التشريحي- قد تكون السبب وراء الشعور بآلام الرقبة.

ولذا تقول هايدي غودمان، المحررة التنفيذية لرسالة هارفارد الصحية: «ولكن غالباً ما يكون السبب مرتبطاً بإجهاد عضلات الرقبة، الناتج عن شيء خفي في روتينك اليومي».

وبعبارة أخرى، فإن كثيراً من آلام الرقبة لا ينجم عن مسببات من أمراض عضوية في أحد مكونات الرقبة (فتق قرص الديسك، أو تضيُّق العمود الفقري، أو التهاب المفاصل، أو تآكل المفاصل، أو النتوءات العظمية، أو انضغاط الأعصاب، أو الإصابات، أو الحوادث، وغيرها)؛ بل سلوكيات خاطئة في استخدامنا للرقبة نفسها. ورغم بساطة هذه الأسباب فإنها مؤثرة للغاية لدى نسبة عالية من الذين يشكون من آلام الرقبة.

أسباب غير متوقعة

وفيما يلي 7 أسباب غير متوقعة، قد تحصل إما بشكل مفاجئ وإما بالتدريج، وراء آلام الرقبة وإجهادها:

1. إجهاد الرقبة: إذا فعلت شيئاً برقبتك لا تفعله عادة، مثل الرقص بتحريك الرقبة حركات غير معتادة لك، أو النظر إلى السماء لمشاهدة عرض جوي، أو وضع شيء ثقيل على أحد كتفيك، فقد يبدأ الألم بعد فترة وليس مباشرة. والسبب أن هذه العضلات ليست معتادة على العمل بهذه الطريقة.

والعلاج بالأساس وقائي لهذه الحالات. بمعنى ألا تحمل رأسك في أوضاع غير عادية إذا لم تكن مضطراً لذلك. وإذا قمت بذلك، فحاول أن تأخذ فترات راحة كثيراً مع تحريك رقبتك في اتجاهات أخرى للحفاظ على استرخاء عضلاتك. وإذا كنت تعاني من الألم، فيمكن أن تساعدك الراحة والأدوية المسكنة للألم المتاحة دون وصفة طبية. ولكن تذكر أن عليك مراجعة طبيبك إذا كانت رقبتك لا تزال تؤلمك بعد بضعة أيام، أو لا يمكنك تحريكها كما كنت تفعل من قبل.

2. متلازمة «رقبة النَّصْ»: ثمة ما أصبح يُعرف لدى الأوساط الطبية بـمتلازمة «رقبة النَّص أو النصوص» (Text NeckSyndrome) وهذا بالفعل شكل آخر من أشكال إجهاد الرقبة، وهو أمر حقيقي.

وتفيد المصادر الطبية بأن قضاء ساعات طويلة أمام هاتفك الجوال والكتابة فيه، يمكن أن يؤدي إلى إجهاد تلك العضلات والأوتار. كما أن قضاء كثير من الوقت في وضعية الانحناء على أي شيء -بما في ذلك جهاز الكومبيوتر الخاص بك، أو طاولة العمل- يمكن أن يفعل الشيء نفسه. والعلاج وقائي وبسيط: لا تنحنِ إلى الأمام. ارفع هاتفك إلى أعلى عندما تنظر إليه، على سبيل المثال. إذا كان عملك يضعك في وضعية منحنية، فخذ فترات راحة وحاول تمديد ظهرك وتقويسه. كما أن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام ستجعلك أقوى وأكثر مرونة، مما قد يساعد في حماية رقبتك.

التلفزيون والاسترخاء

3. الإطالة في مشاهدة التلفزيون: عندما ترغب في مشاهدة حلقات متتالية من برنامجك المفضل، عليك تذكُّر أن ذلك ربما يجعلك تحمل رقبتك في وضع حرج لساعات متواصلة. يقول ديفيد إيفانجيليستا، اختصاصي العلاج الطبيعي في مستشفى سبولدينغ لإعادة التأهيل، التابع لجامعة هارفارد: «يميل كثير من الناس إلى الخلف خلال مشاهدة التلفاز، ما يؤدي إلى تمديد الرقبة إلى الخلف. أو يميلون إلى الجانب، ما يجبر الرقبة على الانحراف أكثر من اللازم. كلا الوضعين يمكن أن يجهد عضلات الرقبة».

وينصح قائلاً: «استخدم وسادة سفر على شكل حدوة حصان تدور حول رقبتك عندما تتكئ إلى الخلف لمشاهدة التلفزيون. إذا كنت تميل إلى الجانب فاستخدم مزيداً من الوسائد لملء الفجوة بين رأسك وكتفيك. وغير وضعك كل 15 أو 20 دقيقة، لمنح رقبتك قسطاً من الراحة، حتى لا تتيبَّس».

4. الاسترخاء في الجلوس: بالنسبة لكثير من الناس، فإن الجلوس بشكل مريح يعني التراخي و«الغطس» فوق الكنبة، وهو أمر سيئ لرقبتك وظهرك. يقول إيفانجيليستا: «الوضعية السيئة تضع ضغطاً غير طبيعي على العمود الفقري، بما في ذلك الرقبة والأربطة التي تربطهما معاً، ويمكن أن يسبب ذلك الألم».

والمطلوب -ودون تأخير- أن تجلس دائماً بشكل مستقيم. أي أن تسحب ذقنك إلى الخلف، وتخفض كتفيك، وتحافظ على درجة التقوس الطبيعي لظهرك. وإذا كان ذلك يمثل لك أمراً صعباً وتراه تحدياً شاقاً في البداية، فاجلس على حافة الكرسي بضع دقائق، مما يجعل الجلوس بشكل مستقيم أسهل قليلاً، ثم اجلس على ظهر المقعد مرة أخرى. واحرص على جعل مستوى الركبتين أدنى من مستوى الإليتين عند الجلوس. وعند الجلوس في المكتب لساعات، احصل على كرسي مكتب مريح، مع دعم منخفض الظهر، وارتفاع قابل للتعديل، ووسادة مقعد سميكة.

5. طول فترة الانحناء إلى الأمام: كثير منا، ودون تنبه ودون قصد، قد يميل منحنياً إلى الأمام طوال اليوم أثناء الجلوس. وهذا ليس فقط في العمل عند الجلوس أمام شاشة الكومبيوتر التي يصعب رؤيتها؛ بل حتى خلال الجلوس تجاه شخص آخر خلال المحادثة. إذا قمت بتمديد رقبتك في كل مرة، فقد يؤدي ذلك إلى إجهاد العضلات والتسبب في الألم.

وإذا كنت لا بد من أن تنحني للأمام عند استخدام الكومبيوتر، فاحتفظ بظهرك مستقيماً، وادفع الوركين إلى الأمام. وإذا لم تتمكن مع ذلك من رؤية شاشة الكومبيوتر بشكل جيد، فقرِّبها منك، أو استخدم نظارات للقراءة، أو ببساطة، قم بزيادة حجم الخط. وإذا لم تساعد هذه كلها بشكل كافٍ، فيمكنك الحصول على نظارات لاستخدام الكومبيوتر فقط. وإذا كنت لا تستخدم النظارات، فقم بإجراء فحص العين: قد تحتاج إلى زوج من النظارات. وكذلك الحال إذا كنت تضطر دون شعور إلى أن تميل كثيراً لسماع الأشخاص خلال المحادثة معهم، ففكِّر في إجراء اختبار السمع. ربما تكون المشكلة في ضعف درجة السمع.

كثير من آلام الرقبة لا ينجم عن أمراض عضوية في أحد مكونات الرقبة بل سلوكيات خاطئة في استخدامنا لها

حمالة الصدر ووضعية النوم

6. ارتداء حمالة صدر مرتخية: بالنسبة للسيدات، فإن ارتداء حمالة صدر مع القليل من الدعم يجعل عضلاتهن وأربطتهن تقوم بكل العمل الثقيل. وهذا بالذات للسيدات اللواتي يعانين من ثقل الثديين؛ حيث يمكن للوزن الزائد أن يسحب الرقبة إلى الأمام، ويضغط على عضلات الرقبة والكتف، ما يؤدي إلى آلام الرقبة والظهر.

والنصيحة لهن: احصلي على حمالة صدر أفضل. تأكدي من أن الجزء الأوسط والسلك السفلي من حمالة الصدر مستويان على جسمك، وأن «الكؤوس» ليست ضيقة جداً ولا فضفاضة جداً، وأن الحزام مستوٍ على ظهرك ولا يرتفع للأعلى. أو جربي حمالة الصدر الرياضية أو حمالة الصدر التي تجعل وزن الثديين أقرب إلى القفص الصدري، وتوزع ثقله على الجذع.

7. النوم في أوضاع غير ملائمة: إذا كان لديك تشنج في رقبتك، فأنت تعرف ذلك فور استيقاظك. وقد يبدو لك أن طريقتك في النوم غير ضارة. ولكن النوم في وضع غريب يضع ضغطاً على رقبتك، وهو أمر شائع جداً، وعادة ما لا يكون خطيراً. والحقيقة أن بعض أوضاع النوم تشكل مخاطر كبيرة على الرقبة، وبدرجات لا يتوقعها كثيرون. وقد لا يقتصر الأمر على الرقبة؛ بل قد تكون هذه الأوضاع هي السبب وراء آلام الرأس والصداع وآلام الصدر، وربما حتى مشكلات حموضة المعدة.

أمراض مكونات الرقبة تشمل فتق قرص الديسك وتَضيُّق العمود الفقري وتآكل المفاصل وانضغاط الأعصاب

وعلى سبيل المثال، عندما تنام على بطنك، تقوم بتدوير رأسك إلى الجانب. والنوم على جانبك دون الدعم المناسب يدفع رقبتك نحو كتفك. والبقاء في هذه الأوضاع غير الملائمة صحياً، ولساعات طويلة، يمكن أن يسبب شد عضلات الرقبة والألم.

والخطوة العلاجية الأهم، هي ببساطة: تجنب النوم على بطنك. وإذا كنت تنام على جانبك، فتحقق من الدعم الموجود أسفل رقبتك. يقول إيفانجيليستا، اختصاصي العلاج الطبيعي: «استلقِ على جانبك مع وضع رأسك على وسادتك. إذا كان بإمكانك تحريك يدك بسهولة في المساحة الموجودة بين رأسك وكتفيك، فلن تحصل على الدعم الكافي في الليل. احصل على وسادة جديدة لملء الفجوة. أو أي مادة تفعل هذا. افعل ذلك».

* استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

ما تأثير تناول المغنيسيوم الغذائي بالعموم، أو أقراص مكملات المغنيسيوم، على النوم؟

د. حسن محمد صندقجي
صحتك تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل (رويترز)

تعريض جسمك للبرودة الشديدة قد يساعدك على النوم بشكل أفضل

كشفت دراسة جديدة عن أن تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام
TT

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

مؤشرات وزن الجسم

يستخدم «مؤشر كتلة الجسم» BMI الذي يحسب مقدار وزن الجسم بالكيلوغرامات، مع الأخذ بالاعتبار مقدار طول الجسم بالمتر، ليعطينا «رقماً» يفصل بين 3 حالات: الحالة الطبيعية، وزيادة الوزن، والسمنة.

ونلجأ كذلك إلى قياس «محيط الخصر» WC بعدد السنتيمترات بوصفه «رقماً» يميز وجود سمنة البطن من عدم ذلك.

في السنوات الأخيرة ازداد ظهور أمراض ذات صلة بالسلوكيات غير الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، وعادات الأكل السيئة، وتداعيات التقدم التكنولوجي الذي يفصل الناس عن ممارسة النشاط البدني. وقد ثبت تجريبياً أن العواقب الصحية السلبية لذلك تنمو على مستوى العالم بمعدل مثير للقلق. وهي تشمل السمنة Obesity، ومرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب.

وإلى جانب ظهور «أمراض نمط الحياة» هذه، هناك انتشار زائد لمتلازمة التمثيل الغذائي Metabolic Syndrome، وهي مجموعة من الاضطرابات الأيضية في العمليات الكيميائية الحيوية التي تجري في الجسم، وترتبط بمقاومة الجسم لمفعول الإنسولين، ونشوء عمليات بطيئة ومستمرة في الالتهابات، واضطرابات الدهون في الدم (خصوصاً ارتفاع الدهون الثلاثية)، وارتفاع ضغط الدم.

«سمنة مركزية» ووزن طبيعي

ومن بين كل ذلك، تطفو السمنة البطنية (السمنة المركزية Central Obesity)، التي تتميز بزيادة كمية الأنسجة الشحمية (الشحوم الصفراء) داخل البطن، بوصفها علامة مميزة في كثير من تلك الحالات.

والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل الأمر في شأن الأضرار الصحية مرتبط بالسمنة بوصفها حالة عامة في زيادة كتلة عموم الجسم أم أن الأمر مرتبط على وجه الخصوص بزيادة تراكم الشحوم في البطن (محيط منطقة الوسط)؟

والأدق أيضاً في طرح هذا السؤال عندما يكون لدى المرء حالة «الوزن الطبيعي مع سمنة بطنية» NWCO، أي عندما يكون وزن الجسم طبيعياً لدى الشخص بالنسبة لطوله، ولكن في الوقت نفسه لديه سمنة بطنية... هل من الممكن أن يكون هذا الشيء ضاراً ويمثل خطراً صحياً؟

والإجابة عن هذا السؤال تحتاج بداية إلى التساؤل بالأصل: هل ثمة «مشروعية طبية» لطرح مثل هذا السؤال؟

والإجابة نعم بالتأكيد، أن ثمة مشروعية طبية في طرح هذا السؤال لدواع شتى، أهمها اثنان، هما:

- الداعي الأول أن هناك أمثلة من سمنة أجزاء معينة في الجسم، ثبت أن ليس لها ضرر صحي واضح، حتى لو كان لدى الشخص ارتفاع في مقدار وزن الجسم، وارتفاع في مؤشر كتلة الجسم. وتحديداً أفادت نتائج دراسات عدة بأن سمنة شحوم الأرداف بحد ذاتها لدى النساء، ليس لها تأثير صحي ضار يوازي وجود سمنة تراكم شحوم البطن لديهن. وكذلك ثبت أن سمنة كتلة عضلات الجسم (زيادة مقدار وزن الجسم بسبب زيادة وزن كتلة العضلات فيه وليس زيادة تراكم الشحوم)، التي قد تزيد في مقدار مؤشر كتلة الجسم لتجعله ضمن نطاق السمنة، ليس لها تأثيرات سلبية مقارنة مع سمنة زيادة كتلة الشحوم في الجسم بالعموم وفي البطن على وجه الخصوص. وثبت أيضاً أن سمنة الوزن الطبيعي، مع تدني حجم كتلة العضلات، وارتفاع كتلة الشحوم Sarcopenic Obesity، لها تأثيرات ضارة لا تقل عن سمنة زيادة مؤشر كتلة الجسم.

- الداعي الآخر أن نحو 25 في المائة من البالغين ذوي الوزن الطبيعي، يُصنفون بالفعل على أن لديهم سمنة تراكم شحوم البطن، وفي الوقت نفسه يكون وزن أجسامهم طبيعياً، وفق «المجلة الطبية البريطانية BMJ» عدد 26 أبريل (نيسان) 2017. وهذه النسبة مقاربة جداً للإحصاءات الطبية في الولايات المتحدة. وفي مجتمعات أخرى ثبت أنها أعلى وفق نتائج دراسات طبية فيها. وهي نسبة مهمة بين عموم البالغين الذين قد يعتقدون أن كون مقدار وزن جسمهم طبيعياً يعني تلقائياً أنه لا ضرر متوقعاً عليهم من تراكم الشحوم في بطونهم.

دراسات سمنة البطن

والملاحظ أن الأوساط الطبية تأخرت كثيراً في الاهتمام بهذه الوضعية الصحية ومعرفة آثارها. وأيضاً تأخرت في وضع إرشادات ونصائح طبية للتعامل معها. وفي دراسة مشتركة لباحثين من جامعة آيوا، ومن كلية ألبرت آينشتاين للطب بنيويورك، ومن جامعة كاليفورنيا، ومن كلية الطب بجامعة هارفارد، ومن مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل، تم طرح الأمر في دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بالوفيات بين النساء». ونشر ضمن عدد 24 يوليو (تموز) 2019 من مجلة «شبكة جاما المفتوحة» JAMA NETWORK Open، الصادرة عن «الجمعية الطبية الأميركية» AMA.

وقال فيها الباحثون: «السمنة المركزية، التي تتميز بتراكم الشحوم في منطقة البطن بشكل مرتفع نسبياً، ارتبطت بارتفاع خطر الوفاة، بغض النظر عن مقدار مؤشر كتلة الجسم. ومع ذلك، فإن الأفراد الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي مع السمنة المركزية يتم إهمالهم عادة في الإرشادات الإكلينيكية. وعلاوة على ذلك لا يحظى الأفراد الذين يعانون من السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي باهتمام كبير في وضع استراتيجيات الحد من المخاطر، مثل تعديلات نمط الحياة والتدخلات الأخرى».

ولكن حتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، قد يكون أولئك الذين يعانون من السمنة المركزية مُعرّضين لخطر زائد للوفاة بسبب تراكم الشحوم المفرط في البطن. وفي نتائج دراستهم التي شملت أكثر من 160 ألف امرأة أفادوا بالقول: «ارتبطت السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة بالسرطان، مقارنة بالوزن الطبيعي دون السمنة المركزية».

عوامل خطر أيضية قلبية

ومن ثمّ بدأت تصدر دراسات طبية من مناطق مختلفة من العالم حول هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، نذكر دراسة حديثة من الصين، وأخرى من بنما.

وفي دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع ضغط الدم»، تم نشرها العام الماضي، عدد 8 مارس (آذار) 2023 من مجلة «BMC» لاضطرابات القلب والأوعية الدموية، لباحثين من الصين، أفادوا بالقول: «السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي (NWCO) هي حالة أيضية تم وصفها أخيراً في عدد قليل من الدراسات. ويتم تجاهل الأفراد المصابين بها بسهولة في الرعاية الصحية الروتينية، بسبب التركيز الصارم على مؤشر كتلة الجسم».

وأضافوا: «قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم كبيرة في الجسم، وهو ما لا يظهر عندما يكون مقدار مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وتشير الأدلة الموجودة إلى أن السمنة المركزية، التي تتميز بالتراكم المرتفع نسبياً للشحوم في البطن، ترتبط ارتباطاً أقوى بعوامل الخطر الأيضية القلبية من السمنة العامة، وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي». وخلصوا في نتائجهم إلى القول: «ترتبط السمنة المركزية، كما هو محدد بواسطة محيط الخصر، بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى البالغين ذوي مؤشر كتلة الجسم الطبيعي».

وضمن عدد يونيو (حزيران) 2022 من مجلة «لانسيت للصحة الإقليمية - بالأميركتين» The Lancet Regional Health - Americas، نشر باحثون من كلية الطب بجامعة بنما، حول انتشار السمنة المركزية والتعرف على مدى وجود عوامل الخطر القلبية الأيضية Cardiometabolic risk لديهم.

ويتم تعريف مخاطر القلب والأيض على أنها مجموعة من التشوهات في العمليات الأيضية الكيميائية الحيوية، وفي القلب، وفي الأوعية الدموية، بما في ذلك السمنة البطنية، ومقاومة الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكولسترول، ودهون الدم، وتصلب الشرايين، التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع 2.

ولاحظوا أن باستخدام مؤشر «نسبة الخصر إلى الطول»WHtR، كان معدل انتشار السمنة البطنية نحو 44 في المائة بين الذين بالأساس لديهم مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وقالوا في نتائجهم: «ارتبطت السمنة البطنية مع الوزن الطبيعي للجسم بعوامل الخطر القلبية الوعائية، خصوصاً مع ارتفاع تركيز الدهون الثلاثية. قد يكون تقييم السمنة البطنية على مستوى الرعاية الصحية الأولية تقنية مفيدة لتحديد الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي مع خصائص السمنة الأيضية».

ولذا إذا أردنا ألا نفقد متابعة هذه الفئة من الناس، فيجدر قياس محيط الوسط مع قياس وزن الجسم وحساب مؤشر كتلة الجسم، والالتفات إلى كليهما في التقييم الإكلينيكي. وللتوضيح، على الرغم من حقيقة أن مؤشر كتلة الجسم يتم استخدامه على نطاق واسع لتحديد السمنة في الممارسة الإكلينيكية، فإن أحد القيود المهمة لمؤشر كتلة الجسم هو أنه لا يميز بين أشكال مكونات تركيبات أجزاء الجسم المختلفة، حيث قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم متزايدة في منطقة من الجسم، ولكنها قد تكون مخفية بالقيمة الطبيعية لمؤشر كتلة الجسم.

وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، فإن أولئك الذين لديهم نسبة عالية من الشحوم في الجسم، لديهم انتشار أعلى لمتلازمة التمثيل الغذائي ومكوناتها من أولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي، ونسبة شحوم في الجسم طبيعية.

25 % من البالغين ذوي الوزن الطبيعي لديهم سمنة تراكم شحوم البطن

تشخيص السمنة بالأساس مجرد حسابات من الأرقام

* عند التكلم عن السمنة في جانب التشخيص، علينا ابتداءً استخدام لغة الأرقام. ومن بين عدة «طرق» مطروحة لدى الأوساط العلمية والطبية، يظل «الأشهر»، و«الأقرب» هو الطرق الأربع التالية في تقييم وزن الجسم والسمنة:

- حساب «مؤشر كتلة الجسم» BMI يتم بقسمة مقدار الوزن بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر. و«الطبيعي» أن يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 20 إلى 25، أما ما بين 25 و30 فهو «زيادة في الوزن»، وما بين 30 إلى 35 فهو «سمنة»، وما بين 35 و40 فهو «سمنة شديدة»، وما فوق ذلك هو «سمنة مفرطة».

- حساب محيط الخصر Waist Circumference هو طريقة مهمة في تقييم سمنة البطن بالذات. وبدقة، يتم قياس محيط الخصر عند مستوى منتصف المسافة بين أدنى ضلع ملموس وبين الحافة الحرقفية لأعلى قوس عظمة الحوض، وذلك تقريباً أعلى قليلاً من السرّة، بعد إخراج هواء الزفير من النفس، أي قياس محيط أصغر جزء من الخصر. ولكن تجدر ملاحظة أن محيط الخصر يختلف في المجتمعات الجغرافية المختلفة وفق متوسط الطول فيها وعموم حجم الجسم.

ووفقاً للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة NIH، فإن محيط الخصر الذي يزيد على 102 سنتيمتر (40 بوصة) للرجال ويزيد على 88 سنتيمتراً (35 بوصة) للنساء (غير الحوامل)، هو سمنة البطن. بينما لدى ذوي الأصول من جنوب شرقي آسيا، فإن الطبيعي نحو 94 سنتيمتراً (37 بوصة) للرجال و80 سنتيمتراً (31 بوصة) للنساء. ولذا تحتاج المجتمعات المختلفة دراسات لتقييم الطبيعي وغير الطبيعي في ذلك.

- حساب نسبة محيط الخصر إلى محيط الورك WHR. ومحيط الورك Hip Circumference يختلف عن محيط الخصر، حيث إن محيط الورك هو قياس محيط الجزء الأكبر من الوركين، أي الجزء الأوسع من كتلة الأرداف. والطبيعي أن تكون تلك النسبة أقل من 0.95 للرجال، وأقل من 0.80 للنساء. وما فوق ذلك فهو سمنة. وهي طريقة يتم بها التغلب على وجود حجم أكبر في الأرداف التي تكون الشحوم فيها مختلفة عن نوعية الشحوم التي في البطن. وتحديداً شحوم بيضاء في الأرداف، وشحوم صفراء في البطن.

- حساب نسبة الخصر إلى الطول WHtR: يكون بقسمة مقدار محيط الخصر على مقدار الطول. والطبيعي أن يكون أقل من 0.5، وما فوق ذلك هو سمنة. وهي طريقة يتم من خلالها التغلب على الاختلافات العرقية في متوسط الطول لدى غالبية الناس في المجتمعات المختلفة.