اضطرابات «التنوع العصبي» تؤثر على تطور الإدراك والتعلّم

تحدد معايير خدمات علاج أمراض النطق واللغة

اضطرابات «التنوع العصبي» تؤثر على تطور الإدراك والتعلّم
TT
20

اضطرابات «التنوع العصبي» تؤثر على تطور الإدراك والتعلّم

اضطرابات «التنوع العصبي» تؤثر على تطور الإدراك والتعلّم

يشير مفهوم التنوع العصبي إلى الاعتراف بأن الاضطرابات العصبية مثل اضطراب طيف التوحد، واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، واضطراب عسر القراءة، واضطراب اللغة التطورية، وأكثر من ذلك بكثير، ليست اضطرابات تحتاج إلى علاج أو تصحيح، بل هي تنوعات طبيعية في الإدراك البشري والتعلم.

التنوع العصبي

وحيث إن مفهوم التنوع العصبي (Neurodiversity) يعد من المفاهيم التي أحدثت تغييراً جذرياً في فهمنا للقدرات العقلية والاضطرابات العصبية، وأيضاً نحن جميعنا نعلم أن الدماغ عضو معقد، فماذا لو قلنا إنه ليست هناك طريقة «طبيعية» واحدة لعمل الدماغ؟

في هذا المقال، سنحاول استكشاف كيف يؤثر التنوع العصبي على التواصل، وكيف يمكن لاختصاصيي علاج أمراض النطق واللغة تغيير المعايير الخدمية في ضوء نظريات من المتوقع أن تحدث كثيراً من التغيير في المستقبل القريب.

التقت «صحتك» الدكتور وائل عبد الخالق الدكروري، رئيس قسم اضطرابات التواصل في «مجمع عيادات العناية النفسية» بالرياض - أكاديمي وباحث ومستشار لعدد من الهيئات وأستاذ مشارك بكلية الطب جامعة الفيصل بالرياض والسفير الدولي للجمعية الأميركية للنطق والسمع وعضو لجنة الشؤون الدولية بالجمعية الأميركية للنطق والسمع - وذلك لمناقشة موضوع علاقة التنوع العصبي بعلاج أمراض النطق واللغة، فأفاد بأن التنوع العصبي، في سياق علاج النطق واللغة، يُعد نهجاً يغير الطريقة التي ينظر بها المتخصصون إلى الأفراد ذوي التنوع العصبي، ما يؤثر بشكل مباشر على استراتيجيات العلاج والتدخل.

وبالنسبة لاختصاصيي أمراض النطق واللغة، فإن «التنوع العصبي من وجهة نظرهم ليس مجرد نظرية؛ لأنه يطرح معايير مختلفة للخدمات؛ حيث يتخطى الهدف تطوير مهارات التواصل فقط؛ إلى فهم كيف يعايش الأفراد الذين يعانون من التنوع العصبي العالم وكيف نمكّنهم من التواصل بشروطهم.

وأوضح الدكتور الدكروري أن جودي سينغر (Jodie Singer)، 1999، عالمة الاجتماع الأسترالية، هي أول من صاغ مصطلح «التنوع العصبي neurodiversity» لتعزيز المساواة والشمولية للأقليات العصبية في رسالة دكتوراه توثق ظهور حركة جديدة تحمل اسم «الإعاقة والحركة الاجتماعية» من أجل الأفراد المصابين باضطراب طيف التوحد.

ومن الجدير بالذكر أن والدتها، وكذلك ابنتها تم تشخيصهما بمتلازمة أسبرجر (Asperger syndrome) في ذلك الوقت، ما يعني معايشتها لكل التحديات مع جيلين مختلفين، مما سمح لها بتكوين مخزون من الخبرات والملاحظات. واستمدت سينغر مصطلحها الجديد من كلمة «التنوع البيولوجي biodiversity»»؛ حيث قدمت تفسيراً مفاده أن «التنوع البيولوجي ضروري لاستقرار النظام البيئي، لذا قد يكون التنوع العصبي ضرورياً لاستقرار الثقافة»، وهو ما يعكس نظرة جديدة للتنوع العصبي، ويؤكد أن هذه الاختلافات جزء من التنوع البشري الطبيعي ويدعو هذا الإطار إلى تقبل الأشخاص ذوي الاختلافات العصبية وتقديم الدعم اللازم لهم لتمكينهم من تحقيق إمكاناتهم الكاملة.

وأضاف الدكتور وائل أن 15 - 20 في المائة من سكان العالم يظهرون نوعاً ما من التنوع العصبي، كما تفيد الدراسات الإحصائية بأن نحو 1 من كل 6 (17 في المائة) من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 - 17 سنة يصنفون تحت مظلة التنوع العصبي.

تحديات المصابين والمعالجين

* التحديات التي يواجهها الأفراد ذوو التنوع العصبي

يعاني الأفراد ذوو التنوع العصبي من مجموعة متنوعة من التحديات التي يمكن أن تؤثر على حياتهم اليومية. تشمل هذه التحديات صعوبات في التواصل الاجتماعي، والتنظيم الذاتي، والتعلم، والتكيف مع التغيرات.

على سبيل المثال، قد يجد الأفراد الذين يعانون من التوحد صعوبة في فهم الإشارات الاجتماعية والتعبير عن أفكارهم بوضوح، بينما يمكن أن يعاني الأفراد الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة من مشكلات في التركيز وتنظيم الوقت.

* التحديات والفرص التي يواجهها المعالجون

رغم الفوائد الكبيرة التي يجلبها نهج التنوع العصبي، هناك العديد من التحديات التي تواجه تطبيقه في علاج أمراض النطق واللغة. تشمل هذه التحديات ما يلي:

- نقص الوعي والتدريب: يحتاج المعالجون والمتخصصون إلى مزيد من التدريب والوعي حول مفهوم التنوع العصبي وكيفية تطبيقه في الممارسات العلاجية.

- الموارد المحدودة: قد تكون هناك حاجة إلى موارد إضافية لتكييف البيئات العلاجية وتطوير استراتيجيات دعم مخصصة.

- المقاومة الثقافية: قد يواجه نهج التنوع العصبي مقاومة من المجتمعات التي تفضل النهج التقليدي في التعامل مع الفروقات العصبية.

* فرص تعزيز العلاج

بالمقابل، يفتح نهج التنوع العصبي العديد من الفرص لتعزيز فاعلية العلاج وتحسين جودة الحياة للأفراد ذوي الفروقات العصبية، منها:

- تحسين النتائج العلاجية: من خلال تكييف العلاج ليتماشى مع احتياجات الأفراد، ويمكن تحقيق نتائج أفضل وأكثر استدامة.

- تعزيز الإدماج الاجتماعي: يمكن أن يؤدي تبني التنوع العصبي إلى تحسين الإدماج الاجتماعي والقبول، ما يوفر بيئة أكثر دعماً للأفراد ذوي الفروقات العصبية.

- الابتكار في الممارسات العلاجية: يشجع نهج التنوع العصبي على الابتكار في تطوير استراتيجيات علاجية جديدة ومبتكرة.

دور اختصاصيي العلاج

وعن دور اختصاصيي علاج أمراض النطق واللغة، يقول الدكتور الدكروري إنه يتمثل في تقديم العلاج والدعم للأفراد الذين يعانون من صعوبات في التواصل، بما في ذلك تلك المتعلقة بالنطق، والفهم، والإنتاج اللغوي، والقدرة على استخدام اللغة بشكل فعال. يعد الاعتراف بالتنوع العصبي وفهمه أمراً حيوياً لهؤلاء الاختصاصيين لضمان تقديم خدمات تتناسب مع الاحتياجات الفريدة لكل فرد.

يواجه اختصاصيو علاج أمراض النطق واللغة عدة تحديات عند تقديم الخدمات العلاجية والتشخيصية، من بين هذه التحديات:

- التشخيص الفردي: يتطلب التشخيص الدقيق فهماً عميقاً للتنوع العصبي وتقديراً للتباينات الفردية في القدرات والاحتياجات. يجب أن يكون الاختصاصيون قادرين على التعرف على الخصائص الفريدة لكل حالة وتطوير خطط علاج مخصصة.

- التدخل المبكر: يعد التدخل المبكر أمراً حاسماً في تحسين نتائج العلاج. يمكن أن يساعد التعرف المبكر على الصعوبات وتقديم الدعم في الوقت المناسب لتعزيز قدرات التواصل وتقليل الإحباط.

- التواصل الفعّال: قد يواجه الأفراد ذوو التنوع العصبي من صعوبات في التعبير عن احتياجاتهم وأفكارهم، ما يتطلب استخدام وسائل التواصل البديلة مثل الصور، والرموز، وأجهزة التواصل المعزز والمساعد.

- التكيف البيئي: يتطلب دعم التنوع العصبي تكييف البيئات التعليمية والعلاجية لتكون شاملة ومراعية لاحتياجات الجميع. يشمل ذلك تعديل الأساليب التعليمية، واستخدام تقنيات حديثة، وتوفير بيئات محفزة وآمنة.

- التعليم المخصص: تطوير برامج تعليمية مخصصة تستند إلى نقاط القوة والضعف الفردية. يجب أن تكون هذه البرامج مرنة وتتكيف مع تقدم الفرد وتحقيقه لأهدافه الشخصية.

- التعاون مع العائلة والمجتمع: يعد دعم العائلة والمجتمع أمراً بالغ الأهمية في تعزيز فاعلية العلاج. يجب أن يكون هناك تعاون وثيق بين الاختصاصيين، والأهل، والمعلمين، والمجتمع لضمان توفير بيئة داعمة وشاملة.

17 في المائة من الأطفال بأعمار 3 - 17 سنة يصنفون ضمن مظلة التنوع العصبي

تأثير التنوع العصبي على المجتمع

يعزز تبني مفهوم التنوع العصبي في علاج النطق واللغة تقبلاً أوسع للاختلافات العصبية في المجتمع. عندما يُعترف بالفروقات العصبية بوصفها جزءاً من التنوع البشري، يتم تقليل الوصم الاجتماعي وتحسين فرص الإدماج والمشاركة الكاملة للأفراد ذوي الفروقات العصبية في المجتمع. هذا يساهم في بناء مجتمع أكثر شمولية وإنسانية؛ حيث يتم تقدير جميع الأفراد بغض النظر عن اختلافاتهم العصبية.

في الختام، يؤكد الدكتور وائل الدكروري على أن التنوع العصبي يعد جزءاً مهماً من التباين البشري الطبيعي ويتطلب تفهماً وتقديراً خاصاً في مجال علاج أمراض النطق واللغة.

يتعين على اختصاصيي النطق واللغة أن يكونوا مستعدين لتقديم دعم مخصص وشامل يتناسب مع احتياجات الأفراد الفريدة، من خلال استراتيجيات تقييم وعلاج موجهة للتنوع العصبي، والتعاون مع العائلة والمجتمع، لتحقيق نتائج إيجابية وتحسين جودة الحياة للأفراد الذين يعانون من اضطرابات النطق واللغة.

وتعد هذه الجهود جزءاً من تعزيز شمولية وتكامل المجتمع؛ حيث يُحتفى بالتنوع ويُقدّر كل فرد على حدة.

* استشاري طب المجتمع.


مقالات ذات صلة

لا شعور بالذنب بعد اليوم... خبراء يكشفون عن فوائد مذهلة للعزلة

صحتك تمنحك العزلة الطوعية وقتاً لخفض التوتر (أ.ب)

لا شعور بالذنب بعد اليوم... خبراء يكشفون عن فوائد مذهلة للعزلة

تمنح العزلة الطوعية وقتاً لخفض التوتر، وتوفّر مساحة للنمو الشخصي، وتساعد على التواصل مع المشاعر والإبداع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك من العلامات الرئيسية لسرطان الأمعاء التعب المستمر الذي لا يتحسن مع الراحة (أ.ب)

علامات بسيطة في جسدك قد تشير إلى إصابتك بسرطان الأمعاء

حذَّرت الدكتورة ميغان روسي، المعروفة باسم «طبيبة صحة الأمعاء»، من أعراض قد تبدو بسيطة؛ لكنها تُنذر بسرطان الأمعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك بدلا من 3 وجبات كبيرة يُنصح بتوزيع البروتين على وجبات صغيرة طوال اليوم لتحفيز تخليق البروتين العضلي (رويترز)

5 نصائح للحصول على جرعة البروتين المثالية لبناء عضلات حديدية

يُعد البروتين عنصراً حيوياً لبناء العضلات وتحسين الصحة العامة، لكن تناوله بكميات كافية قد يكون تحدياً بسبب شعور الشبع السريع الذي يسببه.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك الأغذية الغنية بالبوتاسيوم تساعد على خفض ضغط الدم المرتفع (جامعة هارفارد)

البروكلي والموز لضبط ضغط الدم المرتفع

أفادت دراسة كندية بأن تناول أطعمة غنية بالبوتاسيوم، مثل البروكلي والموز، قد يكون أكثر فاعلية في خفض ضغط الدم المرتفع، من مجرد تقليل تناول الصوديوم (الملح).

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك ضوء الشمس في ساعات الصباح من العادات الصحية المهمة (كلية لندن الجامعية)

جرعة 20 دقيقة من ضوء الصباح تحسّن التركيز والانتباه

كشفت دراسة يابانية عن أن تعريض غرفة النوم للضوء الطبيعي لمدة 20 دقيقة قبل الاستيقاظ صباحاً يمكن أن يحسّن الإحساس بالراحة، ويساعد على زيادة التركيز والانتباه.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

لا شعور بالذنب بعد اليوم... خبراء يكشفون عن فوائد مذهلة للعزلة

تمنحك العزلة الطوعية وقتاً لخفض التوتر (أ.ب)
تمنحك العزلة الطوعية وقتاً لخفض التوتر (أ.ب)
TT
20

لا شعور بالذنب بعد اليوم... خبراء يكشفون عن فوائد مذهلة للعزلة

تمنحك العزلة الطوعية وقتاً لخفض التوتر (أ.ب)
تمنحك العزلة الطوعية وقتاً لخفض التوتر (أ.ب)

في السنوات الأخيرة، عبّر خبراء عن قلقهم من أن الناس أصبحوا يقضون وقتاً أطول في العزلة أكثر من أي وقت مضى -وهي ظاهرة يُقال إنها تتسبب في «وباء الوحدة».

لكن هناك من الخبراء من يرى فرقاً كبيراً بين الوحدة والعزلة الطوعية، حسب تقرير لصحيفة «نيويورك بوست» الأميركية.

كتبت فرجينيا توماس، الأستاذة المساعدة في علم النفس بكلية «ميدلبوري» في فيرمونت بالولايات المتحدة، مؤخراً في منصة «ذا كونفرسايشن»: «الوحدة والعزلة الاجتماعية مشكلتان حقيقيتان تستحقان الاهتمام الجاد، خصوصاً أن الوحدة المزمنة مرتبطة بعواقب سلبية مثل الاكتئاب وتقصير العمر. لكن بالنسبة إلى البعض، تمثل العزلة رغبة فيما يسميها الباحثون (العزلة الإيجابية)، وهي حالة مرتبطة بالرفاهية وليس بالوحدة».

بصفتها من المهتمين بدراسة إيجابيات وسلبيات العزلة لسنوات، ترى توماس أن قلقنا المجتمعي من العزلة «ينبع من النظرة الناقصة للعزلة في ثقافتنا، حيث يُنظر إلى الرغبة في الانفراد بالذات على أنها غير طبيعية أو مَرَضية، شيء يُشفق عليه أو يُخشى بدلاً من تقديره. في هذا السياق، تحمل العزلة الطوعية وصمة اجتماعية».

إلّا أن توماس تشير إلى أن الأبحاث تُظهر أن للعزلة ثلاثة فوائد رئيسية على الأقل:

1- تمنحك وقتاً لخفض التوتر

أظهرت دراسة نُشرت في مجلة «بورسوناليتي آند سوشيال سايكولوجي بولتان» المتخصصة، أن 15 دقيقة فقط من العزلة يمكنها تقليل المشاعر عالية الاستثارة مثل القلق، وزيادة الشعور بالهدوء. هذا «التخفيف العاطفي» يسمح للأفراد بإعادة ضبط طاقتهم، مما يؤدي إلى تحسين الوضوح الذهني وخفض مستويات التوتر.

2- توفر مساحة للنمو الشخصي

تمنح العزلة فرصة فريدة للتأمل الذاتي والتطور الشخصي. تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يقضون وقتاً بمفردهم يتمتعون باستقلالية أكبر وإحساس أقوى بالهوية الذاتية. كشفت دراسة عام 2023 في مجلة «ساينتفك ريبورتس» عن أن المشاركين الذين اختاروا قضاء وقت أطول في العزلة شعروا بتوتر أقل وسيطرة أكبر على حياتهم. هذا الوقت المُخطط له يعزز الوعي الذاتي، مما يساعد الأفراد على التوافق مع قيمهم وأهدافهم الشخصية.

3- تساعدك على التواصل مع مشاعرك وإبداعك

يمكن أن تعزز العزلة الذكاء العاطفي والإبداع، حيث توفر مساحة ذهنية لمعالجة المشاعر وتوليد أفكار مبتكرة. خلال إغلاق جائحة كورونا الصارم، لاحظت دراسة عام 2021 شملت أكثر من 1200 بالغ فرنسي، زيادة ملحوظة في الإبداع اليومي، خصوصاً بين الأشخاص الأقل إبداعاً سابقاً.