جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

العالم في يوم واحد

استمع إلى المقالة

خلال أسبوع واحد، وفي يوم واحد منه، توالتْ أحداثٌ، وبرزتْ تطوراتٌ، هنا وهناك على خريطة عالمنا، كان يفترض، نظرياً على الأقل، أنّها تجعل كُرتنا الأرضية تتمهلُ قليلاً في مدار دورانها لاستيعابها، حتى لا نقول تتوقف، إلا أن كُرتنا الأرضية، بلا مبالاة واضحة، واصلت دورانها الروتيني، وكأن لا شيء، إطلاقاً، بعد كل ما رأته، وشهدته من أحداث وتطورات عبر العصور، يستحق منها حتى التفاتة.

في يوم الثلاثاء الماضي، وقبل أن يقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قصر الكرملين بموسكو، مؤدياً اليمين الدستورية، وليكون رئيساً للمرة الخامسة للفيدرالية الروسية، شهدت الأرض قبله، في ذات المكان، قياصرة عظماء، ومن بعدهم شهدت الرفيق جوزيف ستالين ومن بعده رفاقه. الرئيس بوتين ربما كان يستحق من كوكبنا الأرضي بعضاً من اهتمام، كونه جمع بين الاثنين، أو بالأحرى أسوأ ما فيهما. اقتبس، مفتخراً، من القياصرة الأُبَّهة والفخامة الإمبراطورية، ومن القادة الشيوعيين استعار، بلا خجل، سياسة القبضة الحديدية.

في اليوم ذاته، في أميركا، وتحديداً في مدينة نيويورك، وفي قاعة محكمة، كان العالم، يتابع ما يجري، لحظة بلحظة، في جلسة قضائية تاريخية، بطلها رئيس أميركي سابق، وتشاركه البطولة ممثلة أفلام إباحية معروفة. تلك الجلسة، غطتْ على حفل التنصيب في قصر الكرملين بموسكو.

الناس، في العادة، عمليون. وبحكم الفضول فيهم، يميلون إلى معرفة ما يدور وراء أبواب مغلقة. وبحكم العادة كذلك، لا يحبّون مشاهدة أفلام سبق لهم مشاهدتها، فما بالك بشريط سينمائي معاد 5 مرّات، ومن إخراج الكرملين؟!

تفاصيل ما حدث في الجلسة القضائية في نيويورك كان، استناداً إلى تقارير إعلامية، من الابتذال إلى درجة غير معهودة. الرئيس السابق دونالد ترمب كان حاضراً الجلسة بصفته متهماً بحكم القانون، في دعوى تزوير حسابات شركاته، ولولا ذلك ما كان في حاجة أصلاً إلى مشاهدة فيلم يُدّعى أنّه قام بأداء دور البطولة فيه منذ سنوات مضت، وينفي هو التهمة.

وماذا عن الفيضانات في البرازيل، وما خلفته من دمار في البنيان، وما أحدثته من ضرر في النفوس، وما سببته من أحزان؟ وسائل الإعلام الدولية، والغربية عموماً، لم تعد تثيرها كوارث الطبيعة كثيراً، كونها أضحت عادية، وتعدد تكرارها في السنوات الأخيرة نتيجة تغيرات مناخية، حسبما يقول أهل الاختصاص. والبشر الذين يفقدون حيواتهم بسببها، مثل غيرهم ممن يفقدون حيواتهم في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، يتحولون بسرعة الضوء من بشر إلى مجرد أرقام في إحصائيات رسمية، تذكر في تقارير وسائل الإعلام، وتحفظ مع غيرها من إحصائيات في أجهزة حواسيب، وفي مخازن أرشفية.

في أول ساعات نفس الثلاثاء، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلية بمداهمة واحتلال معبر رفح على الحدود المصرية، في عملية عسكرية سريعة، قبل إعلان هدنة متوقعة بوقف إطلاق النار، وبغرض فرض أمر واقع بقوة السلاح، ولخبطة الأوراق. وحسب آراء معلقين، هناك احتمال بعدم حدوث الهدنة المتوقعة، حتى بعد موافقة حركة «حماس»، لغاية في نفس الحكومة الإسرائيلية. والأسهل فرض سياسة الأمر الواقع على المجتمع الدولي. وهي سياسة ناجحة بالتجربة. جعلت إسرائيل، مدة 50 عاماً ونيف، تتجاهل قرارات المجتمع الدولي ومنظماته، من دون أن تنالها أي عقوبات.

في باريس، في اليوم نفسه، كان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيسة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لين يلتقيان بالرئيس الصيني شي جينبينغ، بهدف إقناعه، حسبما نقلته وسائل إعلام غربية وعربية، بضرورة توقف مصانع بلاده عن إغراق الأسواق الأوروبية بمنتجاتها الرخيصة، خصوصاً السيارات الكهربائية، وكذلك بوقف تصدير منتجات ثنائية الاستخدام إلى موسكو، وأيضاً التعبير عن قلقهما من انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، في وقت كانت قوات الأمن الأميركية تقتحم فيه الجامعات لاعتقال طلاب، في انتهاك صريح لحرية التعبير.

الرئيس الصيني لم يقم بزيارة إلى أوروبا منذ عام 2019. وما ذكرته وسائل الإعلام أعلاه، ربما يجعلنا نخمّن سبب التأخر في الزيارة، وكذلك الأسباب التي تدفع الرئيس ماكرون ورئيسة الاتحاد الأوروبي السيدة أورسولا إلى انتهاز فرصة الزيارة واستغلالها للمصلحة الشخصية، والانتخابات البرلمانية على الأبواب، خصوصاً من طرف رئيسة الاتحاد الأوروبي كونها تتهيأ لتولي فترة رئاسة ثانية، ويهمها ترك انطباع جيد إعلامياً، يؤخذ في اعتبار رؤساء الدول الأعضاء في الاتحاد، ويسهل عملية تجديد رئاسة ثانية.

وفي نفس اليوم أيضاً، في باريس، في تصفيات دوري أبطال أوروبا مرحلة نصف النهائي، خسر فريق باريس سان جيرمان الفرنسي أمام منافسه الألماني فريق بوروسيا دورتموند، وخرج من المولد بلا حمص للمرة العاشرة أو العشرين. وهو أمر بالتأكيد، مثير لأشجان أنصاره. ونظراً لتكراره عاماً بعد آخر، صارت الخسارة أمراً اعتيادياً حدّ التوقع؛ ولذلك، ربما لم يعد خبراً مثيراً لوسائل إعلام تلهث وراء الإثارة. وبالتأكيد، لا يستحق من كوكبنا الأرضي التفاتة، ولو خطفاً.