على مدى العقود القليلة الماضية، وفي موجة من الثقة الوطنية في الذات بين الحزبين، اقترضت الحكومة الفيدرالية كثيراً من المال، في استجابة لحالات الطوارئ الوطنية في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى لتنفيذ الأمور التي اعتقد الناس، أنها تستحق القيام بها. لقد منحنا أنفسنا الإذن لتحمل كل هذا الدين لأن أسعار الفائدة كانت منخفضة، وافترض كثير من الناس أن الأمور سوف تظل على منوالها، وبالتالي فإن تكاليف تحمل هذا القدر الهائل من الديون لن تكون مرهقة للغاية.
لكن مما يؤسف له أن هذا الافتراض تبين أنه خاطئ. فقد ارتفعت أسعار الفائدة. ووفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال»، فمن المتوقع أن تنفق أميركا 870 مليار دولار، أو 3.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، هذا العام على أقساط الفائدة على الدين الفيدرالي. ووفقاً للجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة، فإن الحكومة سوف تنفق على أقساط الفائدة أكثر من إنفاقها على ميزانية الدفاع بالكامل. في غضون ثلاث سنوات، إذا ظلت أسعار الفائدة مرتفعة، فيمكن أن تصبح المدفوعات على الدين ثاني أكبر إنفاق للحكومة الفيدرالية، بعد الضمان الاجتماعي.
عندما يكون المال محدوداً، كما هي الحال الآن، فإن الاقتراض الحكومي يتنافس مع الاقتراض الخاص، الأمر الذي يدفع أسعار الفائدة إلى الارتفاع بالنسبة للجميع. وقد وجدت دراسة أجراها مكتب الميزانية في الكونغرس الأميركي عام 2019 أن كل زيادة بنسبة 10 في المائة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تسفر عن زيادة في أسعار الفائدة بمقدار عُشْرَيْن إلى ثلاثة أعشار من النقطة المئوية. وهذا ما يجعل الناخبين بائسين، كما هم الآن، لأنه من الأكثر تكلفة، على سبيل المثال، الحصول على رهن عقاري أو أي نوع آخر من القروض.
هذا من شأنه أن يجعل المحاسبين الحكوميين بائسين، لأن مجرد عملية اقتراض المال لسداد الديون من الممكن أن تدفع أسعار الفائدة إلى الصعود، وتجعل احتمالات سداد الديون أكثر تكلفة. ولا بد أن ينتابك القلق بشأن احتمالات حدوث دوامة من الديون على الأمد البعيد، حيث تضطر إلى الاقتراض، ثم الاقتراض مجدداً لخدمة الدين، في حين أن عملية الاقتراض ذاتها تجعل سداد الديون أكثر صعوبة.
قريباً جداً، سوف تحدقون في قانون «فيرغسون». إنه المبدأ الذي أعلنه المؤرخ نيل فيرغسون بأن أي دولة تنفق أقساط الفائدة على الدين أكثر مما تنفق على الإنفاق العسكري سوف تنزلق إلى الانحدار. حدث ذلك في إسبانيا الهابسبورغية، والإمبراطورية العثمانية، والإمبراطورية البريطانية، وفرنسا ما قبل الثورة. فهل سيحدث لنا ذلك؟
ليس عليك التطرق إلى هذه السيناريوهات الكابوسية لرؤية جميع المشاكل التي يمكن أن تسببها الديون الفيدرالية المفرطة. وكل هذا الحافز المالي من شأنه أن يؤدي إلى التضخم، كما هي الحال الآن. إن اقتراض القطاع العام من الممكن أن يزاحم القطاع الخاص في الاقتراض، وبالتالي يعمل على إبطاء النمو الاقتصادي الذي تحتاج إليه لسداد الدين.
كما أن عبء الديون يقيد الإدارات المستقبلية، التي يجب أن تقلق كثيراً بشأن سداد الديون، إنها أقل قدرة على الاستثمار في البرامج التي قد تزيد النمو، أو تحد من فقر الأطفال، أو تعليم الأطفال، أو إيواء السكان، أو الاستجابة لحالات الطوارئ. إن بيئة أسعار الفائدة المرتفعة اليوم تعمل بالفعل على عرقلة صناعة بناء المساكن، على سبيل المثال، وجعل الحصول على المساكن أكثر صعوبة.
تستمر الولايات المتحدة في اقتراض كل هذه الأموال حتى رغم أن النظرية الكينزية الكلاسيكية تنصحنا بالاقتراض في أوقات الركود، مع الالتزام بخفض الديون في أوقات مثل هذه، عندما يكون النمو جيداً.
ما زلنا نتعمَّق في الديون رغم السحب العاصفة التي تتجمع حول العالم. إن محور الاستياء - الصين وروسيا وإيران - في طريقه إلى الارتفاع، مما يجعل العالم مكاناً أكثر خطورة، وربما يستلزم زيادة في الإنفاق العسكري، والحاجة السريعة إلى تعزيز بنيتنا الأساسية للتصنيع العسكري.
ما زلنا نتعمَّق في الاستدانة حتى رغم أن جيل طفرة المواليد يتقدم في السن، الأمر الذي يجعل برامج مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية أكثر تكلفة. وتنفق الحكومة الفيدرالية بالفعل 6 دولارات على كبار السن مقابل كل دولار واحد على الأطفال، وهو مبلغ لا يعكس استثماراً حقيقياً في المستقبل.
بصفة شخصية، لست منزعجاً من أننا أنفقنا كل تلك الأموال المقترضة خلال فترة «كوفيد - 19». من الواضح أننا بحاجة إلى ذلك، وقد خرجنا من الوباء باقتصاد ديناميكي. إن ما يقلقني هو أن خفض العجز ليس على رأس جدول أعمال أي من الحزبين في الوقت الراهن. وقد اقترح دونالد ترمب تخفيضات هائلة في الضرائب. إن إدارة بايدن لديها أجندة طموحة لفترة ولاية ثانية تشتمل على كل شيء، من السياسة الصناعية، إلى إعفاء الطلاب من الديون، إلى النمو من خلال الحوافز المالية.
حتى لو اقترح رئيس ما خفض الدين (كما فعل جو بايدن إلى حد ما)، فمن المحتمل أن الكونغرس المستقطب لن يتمكن من تمريره. وكما أشارت مايا ماكغينياس خبيرة الميزانية، فإن الكونغرس يُفضل هذه الأيام الهبات على اختيارات الميزانية. فمن الصعب حمل الأغلبية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على خفض الإنفاق أو زيادة الضرائب على القسم الأعظم من الأميركيين إلى ما لا نهاية، مقارنة بتحميل الأغلبية على الإنفاق بأموال مقترضة.
في نهاية المطاف تقع المسؤولية على عاتق الناخبين. في التسعينات، رأى الأميركيون كيف أن ارتفاع الدين الحكومي يرفع أسعار الفائدة. ويمارس الناخبون ضغوطاً هائلة على الساسة لإعادة ترتيب البيت المالي. ثم جاء روس بيروت وخطط خفض العجز في عهد الرئيسين جورج بوش الأب وبيل كلينتون. بيد أن الناخبين اليوم لم يبلغوا هذه الصلة بعدُ. وعندما يفعلون ذلك، فإنني أشك في أن المشهد السياسي سوف يتغير بصورة كبيرة.
ربما لن تتفاقم أي من المشاكل التي أصفها. وربما تنخفض أسعار الفائدة. وربما يتجاوز النمو الاقتصادي الزيادات في أسعار الفائدة، وهو ما من شأنه أن يجعل الدين أكثر يسراً. وربما تكون الحكومة قادرة على ضخ حوافز هائلة إلى شرايين الاقتصاد من دون أن تؤدي إلى استمرار التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.
لكن هذه مقامرة ضخمة. إنها مقامرة أن تتحقق السيناريوهات الوردية بشأن التضخم وانخفاض أسعار الفائدة في المستقبل. إنها مقامرة ألا يحدث أي شيء سيئ بشكل غير متوقع في العالم. إنها مقامرة أن تكون طبقة القيادة لدينا جيدة للغاية فيما تفعله، بحيث يمكننا الاستمرار في السير على حافة الهاوية من دون أي خطر من السقوط.
في مرحلة ما، تبدأ كل هذه الثقة بالنفس بالظهور وكأنها غطرسة أو تسويغات: نريد أن ننفق أموال المستقبل على أنفسنا. إن الحذر فضيلة مملة، ولكن المسار الحكيم يتلخص في وضع الولايات المتحدة على مسار أكثر استدامة. وكما قد يقول فنانو الميمات على الإنترنت (بلغة أكثر حيوية قليلاً)، إن تعبث بالديون، فسوف تكتشف ذلك عاجلاً أو آجلاً.
*خدمة «نيويورك تايمز»