أدلى الرئيس البرازيلي القسم ليبدأ فترة رئاسة ثالثة غير مسبوقة، وتتمثل واحدة في أكثر المشكلات إلحاحاً أمامه في وصول إقليم الأمازون نقطة تحول خطيرة. وربما تتحول مسألة حماية غابات الأمازون، التي تعهد لولا بإنجازها أثناء حملته الانتخابية، إلى القضية المحددة للحكم على مجمل رئاسته.
وفي خضم السعي نحو إنجاز هذا التعهد، سيواجه لولا معركة حامية الوطيس، وسيحتاج معاونة العالم له كي يكبح جماح الحطابين وعمال المناجم الذين يعملون بصورة غير قانونية ولصوص الأراضي. إضافة لذلك، سيتعين على الرئيس البرازيلي بناء تحالفات داخل برلمان منقسم، وبين صفوف النخبة الريفية التي لا تزال تراودها الشكوك إزاء التزام البرازيل بالقضايا البيئية.
وداخل أكبر غابات مطيرة على الكوكب، لا يتخذ العدو الصورة ذاتها التي اتخذها في تسعينات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي، عندما انطلق رجال أعمال دونما هوادة في اقتلاع أشجار أراض بغابات الأمازون ودفعوا رشى لمسؤولين وأبرموا صفقات لاستصلاح أراض بالأمازون.
اليوم، سيتعين على لولا مجابهة شبكات إجرامية عنيفة ومترامية الأطراف، تلجأ إلى الاحتيال لطرح منتجات جاءت عبر سبل غير قانونية داخل سلاسل الإمداد العالمية.
من جهته، وبمجرد توليه منصب الرئيس عام 2019، قلص بولسونارو الحمايات البيئية أو ألحق بها الضعف، في الوقت الذي دفع نحو إتاحة مزيد من أراضي السكان الأصليين أمام الاستغلال التجاري. ولذلك، زاد المعدل السنوي لإزالة الغابات بنسبة 60 في المائة خلال رئاسته، مقارنة بالسنوات الأربع السابقة لها.
واليوم، تنتج أجزاء من الغابات كميات من ثاني أكسيد الكربون تفوق ما تمتصه.
أما الإدارة الجديدة، فقد أشارت إلى عزم الرئيس لولا على إلغاء السياسات التي وسعت نطاق نشاطات تعدين الذهب داخل الأمازون، وأعاقت عمل منظومة الغرامات البيئية، التي شكلت رادعاً مهماً. كما تخطط الإدارة الجديدة لتعزيز عمل الوكالات الفيدرالية المعنية بحماية الغابات المطيرة، وإنشاء وحدة شرطية فيدرالية للتحقيق بخصوص العصابات الإجرامية المعقدة خلف نهب الأمازون.
وتنوي إدارة سيلفا كذلك إعادة تفعيل «صندوق الأمازون»، وهو برنامج معني بالحفاظ على البيئة ولعب دور محوري في كبح جماح أعمال القضاء على الغابات، لكنه تجمد عام 2019. وتبلغ موازنة الصندوق 600 مليون دولار يمكن استغلالها في تمويل الوكالة الرئيسية المعنية بالحماية البيئية بالبلاد، «المعهد البرازيلي للبيئة والموارد الطبيعية المتجددة»، ووكالات أخرى.
إلا أنه لا يزال من المبكر الحكم بما إذا كانت هذه الإجراءات ستترك تأثيراً حقيقياً.
من جهتهم، أخبرني مسؤولون تولوا قيادة حملات مكافحة إزالة الغابات خلال فترتي رئاسة لولا الأولى والثانية، أن الأمر ربما يستغرق سنوات عدة قبل العودة إلى معدلات إزالة الغابات خلال سنوات ما قبل بولسونارو. ويتمثل السبب الرئيسي وراء ذلك في أن ديناميكيات الجرائم البيئية داخل الأمازون، تبدلت على مدار العقد الماضي، وربما تترك التكتيكات التي استخدمتها الوكالات الفيدرالية فيما مضى ـ الاعتماد على بيانات الأقمار الصناعية ونشر وكلاء فيدراليين ـ نتائج محدودة.
اليوم، تقف خلف أعمال إزالة الغابات شبكات إجرامية تنفذ مخططات معقدة لإخفاء الأصول غير القانونية لسلع، مثل منتجات اللحم البقري والذهب والخشب القادمة من الأمازون، وبيعها في أسواق دولية. وخلصت دراسة أصدرها عام 2022 «معهد إغارابي»، وهو مؤسسة فكرية برازيلية، إلى أنه رغم تنوع «مجموعات الجرائم المتداخلة» داخل كل منطقة من الأمازون، فإنها غالباً ما تنطوي على العنف والفساد وجرائم مالية واحتيال.
وقد وافقت بعض الشركات متعددة الجنسيات على تجنب الصويا واللحم البقري المنتج بمناطق تعرضت لإزالة الغابات بها، ويستعد الاتحاد الأوروبي لإقرار تنظيم يجبر الشركات على إثبات أن منتجاتها لم تتسبب في إزالة غابات أو الإضرار بها. كما أن الصين وهي أحد كبار مشتري الصويا واللحم البقري والجلود من البرازيل ـ التزمت الصمت.
ومن أجل إنقاذ غابات الأمازون، يجب أن يقنع لولا الصين بإقرار إرشادات محددة لضمان اقتفاء أثر المنتجات من الصويا والأخرى المرتبطة بالماشية من البرازيل.
وتتمثل عقبة أخرى ستجابهها الحكومة الجديدة في العقلية السائدة التي تبرر تدمير الغابات المطيرة، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً للتنمية الاقتصادية. ويشرح هذا الخطاب السبب وراء فوز بولسونارو، في الانتخابات الأخيرة، بالأصوات في تسع ولايات تشكل في مجموعها إقليم الأمازون البرازيلي. وبالمثل، فاز العديد من حكام ولايات الأمازون، من الداعمين لاستغلال غابات الأمازون، بإعادة انتخابهم.
وفي أعقاب فوز لولا، قطع عدد من سائقي الشاحنات وعدة أنصار آخرين لبولسونارو الطريق بي آر ـ 163، والذي يعرف باسم «الطريق السريع للصويا»، والممتد من حقول فول الصويا حتى موانئ التصدير على ضفة نهر الأمازون.
وفي مؤشر على ما قد تحمله الفترة المقبلة، تعرضت قوات الشرطة التي حاولت إزالة العراقيل على الطريق، لهجوم من حشود من المتظاهرين.
في الواقع، تصدرت أعمال العنف داخل الأمازون عناوين الأخبار العالمية خلال فترتي رئاسة لولا السابقتين. على سبيل المثال، عام 2005، واستجابة لخطة لحماية ملايين الفدادين من الغابات طرحتها وزير البيئة السابقة، مارينا سيلفا، أغلق حطابون ومربو ماشية الطريق السريع، وهددوا بتلويث الممرات المائية، بل وحذروا من أن «الدماء ستراق»، الأمر الذي دفع الحكومة لتجميد الخطة مؤقتاً.
في نهاية الأمر، نجحت سيلفا في بناء سلسلة من المحميات على طول الطريق بي آر ـ 163، الأمر الذي أكسبها شهرة عالمية. وقد وقع اختيار لولا عليها هذا الأسبوع لتولي حقيبة البيئة من جديد.
وتتركز منطقة محورية في خضم النضال الدائر ضد إزالة الغابات في منطقة «أماركو» الممتدة على مساحة 180 ألف ميل مربع بشمال غربي البرازيل (اسمها مأخوذ من أسماء الولايات التي تمتد خلالها: أمازونا وأكري وروندونيا). وجرى الترويج لهذه المنطقة باعتبارها «منطقة تنمية مستدامة» لإنتاج الصويا واللحم البقري، بدعم من بولسونارو.
وتبعاً لبيانات صادرة عن «معهد أبحاث الفضاء»، فإن هذه المنطقة، التي كانت فيما مضى واحدة من أفضل المناطق التي تنعم بالحفاظ على البيئة داخلها، تعاين «أضخم الزيادات في معدلات إزالة الغابات».
في إطار هذا السيناريو المعقد، يجب أن يرتبط جوهر استراتيجية لولا للحفاظ على البيئة بالسوق العالمية. بطبيعة الحال، يجب أن يواجه المجرمون عقوبة قاسية كرادع لهم، لكن من أجل تحقيق معدل صفري على صعيد إزالة الغابات، يجب على الحكومة الفيدرالية مكافأة أولئك الذين يلتزمون القواعد.
ويمكن للمجتمع الدولي الاضطلاع بدور محوري في هذه الاستراتيجية والإسهام مالياً، وبسخاء، في الجهود البرازيلية لإنقاذ الأمازون. ويمكن لذلك أن يتخذ صورة تبرعات لصالح «صندوق الأمازون»، وكذلك استثمارات طويلة الأمد في سلاسل الإمدادات والصناعات التي توفر الوظائف التي يحتاجها السكان المحليون بشدة، وإقرار أسس التنمية المستدامة.
مثلاً، يمكن للصين الاستثمار، مثلما تفعل في أفريقيا وآسيا، في بناء مصانع تضيف قيمة للموارد الطبيعية قبل تصديرها.
في خطابه أمام مؤتمر المناخ الذي استضافته مصر، الشهر الماضي، قال لولا: «دعونا نثبت من جديد أنه بالإمكان كسب ثروة من دون التسبب في تغييرات مناخية».
وإذا نجح في ذلك، فإنه سيثبت للمواطن العادي الباحث عن رزقه وللنخبة المعتمدة على الأعمال التجارية الزراعية في الأمازون أن الرخاء والحفاظ على البيئة يمكن تحقيقهما جنباً إلى جنب.
* صحافي استقصائي معني بشؤون منطقة الأمازون
* خدمة «نيويورك تايمز»
7:2 دقيقه
TT
إنقاذ الأمازون إنقاذ للبشرية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة