د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الهروب من المسؤولية

الهروب من المسؤولية هو مؤشر ضعف الفرد أو المؤسسة. فالأفراد يهربون من المسؤوليات عندما يجدون أنفسهم في بيئة عمل تتصيد الأخطاء، وتغيب عنها حدود الصلاحيات، ولا تكاد تجد من «يفزع لك» عندما تجتهد بقراراتك. كيف يمكن أن يتخذ المسؤول قرارات يومية وهناك من يحاول اصطياده في الماء العكر؟! فكرة الإدارة والقيادة قائمة على اتخاذ سلسلة من القرارات. فإذا كُبلت أيدي المسؤولين؛ فكيف يمكن أن يتقدموا هم ومؤسساتهم؟
وعلى الجانب الآخر، هناك ضعف شخصي دفين في البعض يدفعهم نحو «الخوف» من عواقب قراراتهم. وهو أمر طبيعي؛ لكن أن يلازم المرء خوف دائم فذلك من مساوئ التهرب من المسؤوليات. والأسوأ حينما يلقي بتبعات قراراته على عاتق الحلقة الأضعف من العاملين معه. هنا تغيب «مروءته الإدارية» ويتضح للجميع أنهم أمام شخص غير جدير بالثقة. وهؤلاء هم الطاردون للناس في بيئة العمل، لأنهم لا يتحلون بشجاعة المواجهة، ناهيك بمروءة الدفاع عن اجتهادات العاملين معهم. قبل سنوات عدة نشرت وسائل الإعلام قصة ربان السفينة الإيطالية السياحية الذي لاذ بالفرار فور غرق سفينته العملاقة، تاركاً وراءه آلاف النساء والأطفال والعجزة. لا يُعد ذلك أول قائد يرتكب هذا الخطأ الفادح بالهروب من المواجهة.
وهناك فئة من المسؤولين تخالهم أشجع الناس، ولكن فور ما يطلب منهم تدوين موافقاتهم كتابة أو أن يردوا على طلبات مكتوبة حتى تكتشف هشاشتهم في تحمل المسؤولية. وهو بالفعل ما وجده الباحث في شؤون الاتصال بجامعة كورنويل العريقة جيف هانكوك عند مجموعة من المشاركين في دراسته، وذلك بعدما طلب منهم أن يدونوا، بطريقة علمية، لمدة أسبوع، ما يجري من كذب في محادثاتهم. فتبين له أن الآخرين قد كذبوا عليهم بنسبة 14 في المائة‏ عبر البريد الإلكتروني، و21 في المائة‏ عبر دردشات الرسائل النصية القصيرة، و27 في المائة عبر النقاش الشفهي، ونحو 37 في المائة عبر المحادثات الهاتفية. وهو أمر واقعي، فالناس مستعدة لتقول ما يحلو لك سماعه، ولكن عندما يأتي الأمر مكتوباً تختلف المعادلة.
ولهذا جرى العرف في العالم كله على أن تكتب الناس عقودها ومواثيقها وحتى خططها وطلباتها الجوهرية حتى لا يتملص أحد من مسؤولياته. ولهذا قال تعالى في محكم التنزيل: «إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ». والكتابة هي الفيصل بين الالتزامات والوعود الخداعة وجدية الالتزام.