رفسنجاني في رسالة لصدام: تتحدث عن القومية العربية وتنتقد رفضنا لاحتلال الكويت (الحلقة السابعة)

خدام يروي في مذكرات تنشرها «الشرق الأوسط» أن الرئيس العراقي قدم لنظيره الإيراني قبل غزو جارته العربية «مسودة اتفاق سلام شامل»

صدام حسين في احتفال بذكرى الحرب مع إيران (أ.ف.ب)
صدام حسين في احتفال بذكرى الحرب مع إيران (أ.ف.ب)
TT

رفسنجاني في رسالة لصدام: تتحدث عن القومية العربية وتنتقد رفضنا لاحتلال الكويت (الحلقة السابعة)

صدام حسين في احتفال بذكرى الحرب مع إيران (أ.ف.ب)
صدام حسين في احتفال بذكرى الحرب مع إيران (أ.ف.ب)

تواصل «الشرق الأوسط» اليوم، في الحلقة السابعة من مذكرات نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، نشر الرسائل المتبادلة بين الرئيس العراقي صدام حسين والرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، قبل الغزو العراقي للكويت في 4 أغسطس (آب) في عام 1990 وبعده بأسبوعين.
في موازاة الرسائل، كانت تجري محادثات بين السفيرين، العراقي برزاني التكريتي والإيراني سيروس ناصري، في جنيف.
والواضح من جميع أقنية التواصل، إصرار صدام على التهدئة مع إيران بأي ثمن، قبل الغزو وبعده. إذ إنه عرض عشية الحرب مبادرة خطية لتحقيق «السلام الشامل»، وشكا من عدم موافقة رفسنجاني على استقبال مبعوث رئاسي عراقي. وبعد اجتياح الكويت، كتب لرفسنجاني في 14 أغسطس (آب) 1990: «كبادرة حُسن نية، فإن انسحابنا من الحدود مع إيران سيبدأ اعتباراً من يوم الجمعة 17 أغسطس 1990. وسنسحب قواتنا التي تواجهكم على طول الحدود، بما يبقى على ما هو رمزي منها، مع حرس الحدود والشرطة فحسب، لتنفيذ الواجبات اليومية لظروف طبيعية». وزاد: «سيتم تبادل فوري وشامل لكل أسرى الحرب بكل أعدادهم المحتجزين في كل من العراق وإيران، وأن يتم ذلك عبر الحدود البرية وعن طريق خانقين وقصر شيرين».
في المقابل، حرص الجانب الإيراني على الضغط لتعجيل تنفيذ بنود السلام، وحافظ على رفضه وانتقاده للغزو العراقي للكويت، بل إن رفسنجاني انتقد حديث صدام عن «القومية العربية وانتقاده موقفنا الرافض لاحتلال الكويت». وفي 17 أغسطس، رد رفسنجاني على صدام، قائلا: «يُعتبر انسحاب قواتكم من الأراضي الإيرانية المحتلة دليلاً على صدقكم وجديتكم في طريق السلام مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونأمل مواصلة انسحاب قواتكم حسب الجدول الزمني المعلَن، واستمرار عملية إطلاق سراح أسرى الطرفين بصورة أسرع حتى تتكامل».
وبعدما نشرت «الشرق الأوسط» أول رسائل صدام منذ 21 أبريل (نيسان)، هنا أربع رسائل متبادلة بين 30 يوليو (تموز) و14 أغسطس (آب) 1990:
في 30 يوليو، وقبل اجتياح الكويت بثلاثة أيام، بعث صدام رسالة إلى رفسنجاني فقط. وبدا واضحاً من تدقيق هذه الرسالة تصميم بغداد على الوصول إلى اتفاق مع طهران بأي ثمن، لأن قرار صدام بالحرب ضد الكويت بات في طريق التنفيذ. وهنا النص:
بعد تمعن دقيق فيما ينبغي التمعن به، وبعد استعراض دقيق لتطور العلاقات والحال بين العراق وإيران، وما يحيط بالمنطقة وما يكتنفها من أخطار، وبغية مواصلة دورنا في تقديم المبادرات التي تُوفر فرصاً أوسع لإنجاز السلام، وجدنا أنفسنا، وطبقاً لمسؤوليتنا الوطنية والمسؤولية الإنسانية التي ترتبها على كاهلنا مبادئنا العظيمة أمام مسؤولية تقديم مبادرة جديدة، ولأن مبادرتنا هذه المرة تتناول بالمعالجة كلّ القضايا الجوهرية التي تضمنتها بنود القرار 598 مرة واحدة، وفي إطار واحد، وبصورة تفصيلية، نأمل أن يجري التعامل معها على هذا المستوى، وأن يكون التفاعل معها بمستوى من الجدية (...) وعلى أساس كل هذا أبادر بما يلي:
1 - أعاود طرح فكرة إجراء لقاء سريع بين رئيسي دولتي البلدين في مكان يتم الاتفاق عليه (...)
2 - أن يتناول البحث والاتفاق كل الموضوعات المعلقة، وإن طرح أي موضوع جديد بعد التوصل إلى الاتفاق الشامل من جانب أي طرف دون موافقة الطرف الآخر، أمر مرفوض، ويعتبر بمثابة تنصل من الاتفاق (...)
3 - لا يهم من أين يبدأ الحوار والاتفاق على الموضوعات، لكن الاتفاق على أي مفرد، أو عدد من مفردات موضوعات البحث، يبقى معلقاً على الاتفاق على البنود الأخرى (...)
4 - أن يتم الانسحاب خلال مدة لا تزيد على شهرين من تاريخ المصادقة النهائية على الاتفاق الشامل الذي نتوصل إليه (...)
5 - إننا ما زلنا نعد موضوع الأسرى محكوماً باتفاقيات جنيف، ولذلك نفترض أن إطلاق سراحهم كان يجب أن يتم على أساس بنود هذه الاتفاقية (...)
6 - أن يجري الحوار فيما يتعلق بشط العرب على أساس العناوين الثلاثة الآتية:
أ - السيادة الكاملة عليه للعراق، كما هو حقه التاريخي المشروع.
ب - (...) تطبيق مفهوم خط التالوك (خط القعر) في حقوق الملاحة بين العراق وإيران، بما في ذلك حق الملاحة والصيد والمشاركة في إدارة الملاحة فيه وتقاسم الأرباح منها.
ج - إحالة موضوع شط العرب للتحكيم (...) والالتزام المسبق بالقبول بما يُسفر عنه (.....)
7 - (...) إسقاط الفقرة السادسة من القرار 598 (الخاصة بتحديد مسؤولية بدء الحرب) عن البحث، وإهمالها نهائيّاً، لأنها لا تنطوي على فائدة السلام، بل وتعرقله، وقد تدفع نتائجها إلى البغضاء والحقد والثأر في المستقبل (...) وإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة رسميّاً وخطيّاً بالاتفاق الذي نتوصل إليه.
8 - ألا يُباشَر بأي خطوة من الخطوات المشار إليها (...) قبل استكمال كل الإجراءات التشريعية للمصادقة عليها (...) وعلى أن يتم إيداع الوثائق لدى الأمين العام للأمم المتحدة (...)
9 - أن تكون اتفاقية السلام (...) متضمنة لكل ما يُتفق عليه (...)
10 - أن تتضمن الاتفاقيات مبادئ واضحة حول إقامة علاقات حُسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية (...) والإقرار الذي لا لبس فيه بحقوق الملاحة بكل أشكالها في المياه الدولية (...)
11 - قد يكون مناسباً أن تضمن حسن تطبيق الاتفاقية جهة دولية يتفق عليها مجلس الأمن.
12 - (...) نرى أن تُقسم المساعدات الدولية (...) مناصفة بين العراق وإيران.
13 - (...) نرى أن نُعيد فتح سفارتينا في طهران وبغداد، خاصة أنهما بقيتا في ظروف الحرب ولم تغلقا إلا في سبتمبر (أيلول) 1987.
هذا أيها السيد الرئيس ما بدا لنا أنه يحقق السلام الدائم والشامل بين العراق وإيران، وهو مقترح متكامل، عناصره مترابطة وغير قابلة للتجزئة، وهو ما عاونتنا تجربتنا على تلمسه، بما في ذلك ما أوحت به أو ما تضمنته المحادثات بين ممثلينا في جنيف، سيروس ناصري وبرزان التكريتي.
والله أكبر
صَدَّام حسين

وبعد اجتياح القوات العراقية للكويت، أبدت إيران موقفاً واضحاً بإدانة عملية الاجتياح، ما حدا بصدام لإرسال الرسالة التالية إلى رفسنجاني:
اطَّلعت صباح يوم الجمعة 3 أغسطس 1990، على خلاصة لنشاطكم السياسي، وجانب مما صدر عن حكومة إيران (بيان وزارة الخارجية الإيرانية واجتماعكم مع القادة العسكريين وما صدر عنه من خبر).
ووجدت من المصلحة، وتأكيداً لأحكام المسؤولية الإنسانية تجاه شعب إيران، إلى جانب المسؤولية الوطنية تجاه شعبنا، أن أكتب إليكم مرة أخرى.
في 16 يوليو (تموز) 1990، اقترحنا عليكم استقبال مبعوث عنا لأمر يتعلق بدفع عملية السلام إلى أمام وبأسرع وقت، وعندما تأجّل جوابكم على تحديد موعد لاستقبال المبعوث، بادرنا لإيصال الرسالة الخطية التي كلفنا المبعوث بحملها إليكم، لكي تتهيأوا لقراءتها وتستحضروا ما يقتضي من تفكير ومذاكرة مع إخوانكم في القيادة حول مفاهيمها وما تضمنته من آراء ومقترحات، وبذلك نكون على بينة من موقفكم منها عندما تسمح ظروفكم باستقبال المبعوثَيْن اللذَين لم تحددوا لهما حتى الآن يوماً لاستقبالهما كبديل عن اليوم الذي اقترحناه عليكم، الاثنين من يوم 30 يوليو (تموز) 1990.
وقبل رسالتنا هذه، أرسلنا لكم في 2 أغسطس (آب) 1990 توضيحاً بمبادرة منا، عن طريق ممثلكم في جنيف ناصري، وقد قُمنا بكل هذا، ليس فقط تعبيراً عن تأكيد الرغبة في السلام، وإنما تأكيد الرغبة في إنجاز السلام بأسرع وقت، لنبقي بلدينا وشعبَيْنا بعيداً عن دوامة تطورات الظروف في المنطقة والعالم، وبعيداً عن احتمالاتها الخطرة.
السيد الرئيس، لقد قمت بكل هذا ليقيني أن المحاربين يستطيعون أن يفهموا بعضهم ونوايا كل واحد منهم بدرجة أسرع، حتى لو كانت صفة المحارب قد اكتُسبت من خلال صراع مسلح فيما بينهم. والآن، من خلال قضية الكويت، ذرت قرنها في الأفق بوادر أزمة قد تدفع إلى مجرى الصراع مَن لم يتروَّ ويتأنَّ بما فيه الكفاية (...)
وفيما نعرفه عن المعلَن من أهدافكم، أنكم تريدون السلام، وقد قدمنا من جانبنا ما يؤكد رغبتنا نحن أيضاً في السلام، ونعرف أيضاً أنكم تَسعَون إلى تحقيق الانسحاب، وهذا ما أكدَته رسالتنا في 30 يوليو (تموز) 1990 وقدمت فيه سقفاً زمنيّاً للانسحاب، لا يجوز أن يزيد عنه.
وتضمنت رسالتنا تلك، معالجات محددة ومقترحات عملية، وليس كلاماً عامّاً، عن كل بند تضمنه القرار 598 الذي أكد العراق وأكدت إيران الالتزام به، ونحن ما زلنا بانتظار موافقتكم على تحديد يوم تستقبلون فيه مبعوثَيْنا اللذَيْن سميناهما لكم، وهما وزير الخارجية وممثلنا الدائم في جنيف، والذي بعد إجراء المحادثات معكم ومع من تنسبونهم سنكون أمام مرحلة حاسمة للسلام، كما نأمل بإذن الله، فإذا كان هذا هو الذي تريدونه وهو المعلَن والذي نعرفه، وإن جوابنا عليه هو كل ما ذكرت، فإن الانزلاق في مجرى الإفرازات الظرفية التي تخص العلاقات العربية وتدور في خلفياتها وحيثيات حاضرها، يُبعد مسعاكم عن الهدف ويشوش الصورة عنه، وإذا ما تشوشت الصورة عن الهدف يصعب عند ذلك علينا وضع الترتيبات التي نأمل من خلالها، وبالإسراع في إنجازها، أن يتحقق السلام.
وقد يدفع باتجاه يبعد الأمور عن حساباتها الصحيحة من لم تكن له خبرة، ولكنني في كل الأحوال لا أتوقع ولا أتمنى أن يتزحزح المجربون لحرب دامت ثماني سنوات من أمثالكم وإخوانكم في قيادة إيران، إلى أمر ليس من مصلحة إيران وليس من بين أهدافها المشروعة.
إنكم لا شك - أو هذا ما أظنه على الأقل - تعرفون دوافع التصريحات التي تُطلق من صباح يوم الخميس 2 أغسطس (آب) 1990، سواءً من داخل المنطقة أو من خارجها. وقد كان لكم تقييمكم لأطرافها، وكان لنا تقييمنا لأطرافها، وكلنا يعرف دوافعهم، ولكنكم تعرفون بأنهم جميعاً قادرون على إصلاح مواقفهم بوسائلهم الخاصة وبإمكاناتهم المعروفة، عندما يكتشفون أن تصريحاتهم سوف لن تقدم ولن تؤخر أمام إرادة شعب العراق العظيم، الذي صمم على إحقاق الحق ومعالجة الغبن والغدر والتآمر.
إن مَن يُصدِّر السلاح إلينا ويُصرِّح بوقف تصديره سيُصلح الأمر عندما يعيد تصديره إلينا، وإن من يوقف أو يقطع العلاقات الاقتصادية سيُعالِج الأمر عندما يعيدها معنا. أما العراق وإيران، إذا ما انزاح موقف أي منهما عن موضعه الصحيح، فإنه سيفوِّت فرصة تاريخية على شعبه في الفوز بالسلام إلى جانب تثبيت حقوقه المشروعة، وإن الخسارة ستكون كبيرة إذا ما اهتز مسار ما أنجزناه من شوط في حوارنا على هذا الطريق الذي كوّن بداية ثقة بخطوات بعضنا... وهذا ما لا نتمناه لكم مثلما لا نتمناه لأنفسنا. وعلى أي حال، فإذا كان الذي نعرفه، وهو المعلَن من أهدافكم في المفاوضات، هو كل أهدافكم، فيما نؤكد لكم أن المعلَن منا هو كل أهدافنا بالتأكيد، فعلينا أن نسرع بعقد اللقاء، وعليكم أن تُسرعوا بتحديد يوم لاستقبال المبعوثَيْن، وعن هذا الطريق فقد تتحقق الأهداف المشروعة ويتحقق السلام الذي هو غاية نبيلة لشعبَي البلدين،
والله أكبر.
صَدَّام حسين
بغداد في 3 أغسطس (آب) 1990
وقد رد رفسنجاني بالرسالة التالية. وبعد التحيات، هنا نصها:
لقد تم تسلم رسالتكم، مع أن أصل الرسالة كما يبدو، نظمت على أساس التقدم في المحادثات، لكن جزءاً من مضامينها يستوجب الأسف.
وقبل كل شيء، أرى من الواجب أن أؤكد مرة أخرى على إرادة ورغبة الجمهورية الإيرانية بالنسبة إلى تحقيق السلام العادل والصامد، وآمل أن تكونوا أنتم أيضاً قد وصلتم إلى هذه النتيجة. وبعد قبول القرار 598 فإننا وبوضوح كامل لمسؤولينا حيال السلام والتبعات الناتجة عنه، بدأنا تحركاً صادقاً، ووضعنا أمامنا أن أي شيء لا يُمكن أن يحدَّ من مسيرة السلام، عدا ما يتعلق بحقوق شعبنا المشروعة والتي لا تقبل التغيير، وإن تعاملنا طوال المحادثات التي كانت تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة، وكذلك رسائلنا الجوابية لرسائلكم، والمحادثات التي جرت بين ممثلنا وممثلكم في جنيف، يجب أن تكون قد أوضحت هذه القضية. وكان التسريع في قضية الوصول إلى السلام وإجراء الخطوات العملية لتنفيذ القرار 598 بدلاً من كتابة الرسائل والمحادثات المطولة، من تأكيداتنا في بداية محادثات ممثلينا في جنيف (...)
نعتقد بأن ذكر النقاط التالية حول مضامين الرسائل المؤرخة 3 أغسطس (آب) 1990، و30 يوليو (تموز) 1990، و1 يوليو (تموز) 1990 ضروري للتوضيح:
1 - إن إجراء اللقاءات والمحادثات في مستوى أعلى من المستوى الحالي في جنيف ستحصل عندما نجد نتائج ملموسة في المحادثات الجارية في جنيف لتكون أساساً للمراحل التالية (...) ولقاء رئيسي الجمهوريتين سيكون مفيداً فقط في حالة أن تكون القضايا الأساسية واضحة ومحلولة، وعلى عكس ذلك، فإن فشل محادثات الرئيسين ستكون له آثار مضرة على السلام وسيبعد السلم عن البلدين.
2 - في رسالتكم حول نهر أروند، تم طرح اقتراح وكأنه تراجع عن ادعاءات بياناتكم السابقة. وكما هو واضح لكم، فإنه لا يمكن أن يحظى بقبولنا. واقتراحنا المجدد هو اعتماد معاهدة 1975 لإجراء المفاوضات حول السلام، لأنه دون الالتزام بالمعاهدات السابقة (...) لا يمكن الاعتماد على ما يقال حالياً بهذا الخصوص.
3 - بالنسبة للانسحاب من الأراضي الإيرانية المحتلة، فقد أخذتم بالاعتبار مدة شهرين لتنفيذ ذلك، والذي لا يمكن تفسيره، لأن هذا العمل، إذا رافقه حُسن النية، يمكن إنجازه في يوم أو يومين، وفي حين أن الأمين العام للأمم المتحدة قد طرح أسبوعين للانسحاب، وثلاثة أشهر مقابل إطلاق سراح الأسرى.
4 - والعجيب أنكم، مع تمسككم بالقومية العربية، قد انتقدتم موقفنا الحق حيال احتلال الأراضي الكويتية من قِبل الجيش العراقي، في حين تم التغافل والتغاضي عن أهم القضايا البديهية، ومنها تهيئة الأرضية اللازمة لحضور القوات الأجنبية في المنطقة، وسلب الهدوء والاستقرار للمسلمين، وإيجاد المشاكل لهم، وكذلك التضامن الإسلامي، والجوار والتفريط في أمن المنطقة، وتدبير ظروف الجبهات والضمانات الدولية. وكيف يمكن تفسير رسالة تبدأ «باسم الله تعالى» وتنتهي بشعار «الله أكبر»، وعلى عكس تعاليم الإسلام والقرآن الصريحة والقومية، يُقدم فيها المبدأ القومي والعِرقي على المبدأ الإسلامي والعقائدي (...)
5 - لا شك بأنه أثناء إجراء محادثات السلام بين وفدَيْنا، فإن هجوم بلد على بلد جار بصورة غير قابلة للتصور، ودون أقل قدر من العلم والاطلاع والتنسيق، والذي تكون له آثار وتبعات طارئة بالنسبة لنا، يمكن أن يُضعف ثقتنا ويخلق شكّاً جديّاً في أهداف المحادثات التي جرت خلال الأشهر القليلة الماضية، خاصة أنه خلال هذه الفترة لم نشهد إجراءات يمكن أن تعكس حُسن النية، وكان الإصرار كالسابق على مواصلة احتلال أراضينا، وحتى أننا شهدنا الاعتراض على أصغر قضية، مثل إطفاء حرائق الآبار النفطية التي ليس لها مردود لكم سوى إتلاف وهدر منابع الثروة في البلد الإسلامي.
6 - إن لهجة رسالتكم الأخيرة لم تكن متناسبة مع الحالة الضرورية لمسيرة المحادثات، وقد استعملت لهجة سبق وأن تم اختبار عدم جدواها سابقاً من قِبل شعبنا المسلم الثوري، كما تم استخدام تحليل حول المواقف الجديدة لأصدقائكم وحُماتكم السابقين لإقناعنا، وهذا ليس مناسباً أيضاً، ذلك لأنكم تعلمون بأننا قد اختبرنا عمليّاً كل هذه المراحل وانتهينا منها، وأثبتنا بأن حساباتنا تعتمد على إيمان ومقاومة ودعم الجماهير، أكثر من أي شيء آخر، ولا نعتبر زعل أو لطف الآخرين ذا قيمة مهمة، بحيث نجعل برامج حياتنا ومواقفنا وقراراتنا المهمة تعتمد على أساس ذلك، كما أننا لسنا في صدد الاستفادة من الظروف الحالية، ولا نريد سوى حقوقنا المشروعة والقانونية، الشيء الذي أكدنا عليه في جميع مراحل محادثاتنا.
7 - النقطة التي أكدتم عليها في رسالتكم حول الإسراع في الحركة باتجاه السلام نقبلها تماماً، ولكن هذا لا يعني أن تكون السرعة والتقدم في طرح الاقتراحات الشكلية ورفع مستوى المحادثات دون أن يحصل تقدم في محتواها، بل يجب التقيد بالاتفاقيات الثنائية المعترف بها دوليّاً، ولا نطالب بأكثر من حقوقنا المشروعة، لأنه لا يمكن التصور بأن يحصل في المحادثات ما لم يتحقق خلال حرب دامت ثماني سنوات.
إذا كنا نقبل بهذا المبدأ، فلا حاجة لنا لاتباع طريق لتعيين الحدود في الأراضي والأنهار غير معاهدة عام 1975. وإذا كنا لا نرتضي بذلك، فمن الأفضل أن نحوّل أعمال تنفيذ القرار إلى منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، مع الحفاظ على نقطة ارتباط جنيف من أجل تبادل وجهات النظر في القضايا المشتركة.
والسلام عليكم
أكبر هاشمي رفسنجاني
وفي 14 أغسطس (آب) أرسل صدام إلى رفسنجاني هذه الرسالة:
بعد التوكل على الله العلي القدير، وبقصد إزاحة ما يعرقل فتح الطريق لعلاقات أخوة مع كل المسلمين، ومن يختار منهم الأخوة من مسلمي الجارة إيران، ومن أجل فتح المجال لتفاعل جدي مع كل المؤمنين لمواجهة الأشرار الذين يريدون بالمسلمين وأمة العرب شرّاً، ومن أجل إبعاد العراق وإيران عن ابتزاز وألاعيب القوى الدولية الشريرة وأذنابهم في المنطقة، وانسجاماً مع روح مبادرتنـا التـي أعلنا عنها في 12 أغسطس 1990، والتي توخينا منها تحقيق السلام الشامل والدائم في المنطقة، ولكي لا نبقي لذي حجة ما يمنعه من التفاعل وإبقاء الهواجس والتحسب، ولكي لا تبقى أي من طاقات العراق معطلة خارج ميدان المنازلة العظيمة، وحشدها باتجاه الأهداف التي أجمع المسلمون والعرب الشرفاء على أنها حق، ولإبعاد التداخل عن الخنادق، وإبعاد الظنون والهواجس ليجد الخيّرون طريقهم إلى علاقات طبيعية بين العراق وإيران، وكَثَمرة لحوارنا الذي امتد بصورته المباشرة منذ رسالتنا إليكم في 21 أبريل (نيسان) 1990، وحتى آخر رسالة منكم إلينا في 8 أغسطس (آب) 1990، وكَحَلّ نهائي واضح، لا يُبقي لذي عذر عذراً، قررنا ما يلي:
1 - الموافقة على مقترحكم الذي جاء في رسالتكم الجوابية المؤرخة في 8 أغسطس 1990، والتي تسلمها ممثلنا في جنيف برزان التكريتي من ممثلكم سيروس ناصري، باعتماد اتفاقية عام 1975 مترابطة مع الأسس الواردة في رسالتنا في 3 يوليو 1990، وبخاصة فيما يتعلق بتبادل الأسرى والفقـرتين «6» و«7» من قرار مجلس الأمن 598.
2 - وعلى أساس ما ورد في «1» من رسالتنا هذه، وما ورد في رسالتنا إليكم في 30 يوليو 1990، فإننا على استعداد لنبعث إليكم بوفد إلى طهران، أو يزورنا وفد منكم في بغداد، لإعداد الاتفاقيات والتهيؤ لتوقيعها على المستوى الذي يتم الاتفاق عليه.
3 - وكبادرة حُسن نية، فإن انسحابنا سيبدأ اعتباراً من يوم الجمعة 17 أغسطس 1990، وسنسحب قواتنا التي تواجهكم على طول الحدود، بما يبقي على ما هو رمزي منها، مع حرس الحدود والشرطة فحسب، لتنفيذ الواجبات اليومية لظروف طبيعية.
4 - وأن يتم تبادل فوري وشامل لكل أسرى الحرب، بكل أعدادهم المحتجزين في كل من العراق وإيران، وأن يتم ذلك عبر الحدود البرية وعن طريق خانقين - قصر شيرين ومنافذ أخرى يُتفق عليها، وسنكون نحن المبادرين إلى هذا، وسنباشر به اعتباراً من يوم الجمعة المصادف 17 أغسطس 1990.
أيها الأخ الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني،
في قرارنا هذا أصبح كل شيء واضحاً، وبذلك تحقق كل ما أردتموه، وما كنتم تركزون عليه، ولم يبقَ إلا ترويج الوثائق لنطل معاً من موقع إشراف بيّن على حياة جديدة، يسودها التعاون في ظل مبادئ الإسلام، ويحترم كل منا حقوق الآخر، ونبعد المتصيدين في الماء العكر عن شواطئنا، وربما تعاوننا بما يبقي الخليج بحيرة سلام وأمان خالية من الأساطيل الأجنبية وقوى الأجنبي التي تتربص بنا الدوائر، بالإضافة إلى ميادين الحياة الأخرى.
والله أكبر، والحمد لله
صَدَّام حسين
رئيس جمهورية العراق
14 أغسطس 1990
وقد رد رفسنجاني، بهذه الرسالة:
لقد تم تسلم رسالة سيادتكم المؤرخة في 14 أغسطس 1990. إن إعلان قبولكم من جديد معاهدة عام 1975 قد مهّد الطريق لتنفيذ القرار وحلّ الخلافات في إطار القرار 598 وتبديل وقف إطلاق النار إلى سلام دائم وصامد، ويُعتبر انسحاب قواتكم من الأراضي الإيرانية المحتلة دليلاً على صدقكم وجديتكم في طريق السلام مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن حُسن الحظ أنه يتزامن مع الموعد المقرر لإطلاق سراح الأسرى، ونأمل مواصلة انسحاب قواتكم حسب الجدول الزمني المعلَن واستمرار عملية إطلاق سراح أسرى الطرفين بصورة أسرع حتى تتكامل.
وكما أعلمناكم عن طريق ممثلنا في جنيف، فإننا مستعدون لقبول ممثلكم في طهران، آملين مع استمرار الجو الإيجابي وحُسن النية الموجودة أن نتمكن من الوصول إلى سلام شامل وثابت، مع الحفاظ على جميع الحقوق والحدود المشروعة للشعبين والبلدين المسلمين.
والسلام عليكم
أكبر هاشمي رفسنجاني
رئيس الجمهورية
الإسلامية الإيرانية
لا أريد التعليق على هذه الرسائل، لأن الخلفية التي كانت وراء كتابتها من الجانب العراقي واضحة، ولأن الجانب الإيراني كان أيضاً واضحاً. فقد أراد تحقيق مكاسب، مستفيداً من ظروف العراق، وفي الوقت نفسه، حافظ على مواقفه السياسية، ولا سيما موقفه من قضية الكويت. زارت طهران وفود عراقية عديدة خلال أزمة الكويت، محاولة تغيير الموقف الإيراني، ولكنها لم تُفلح.

خدام: الأسد اقترح إعطاء المعارضة العراقية وعوداً وهمية... وخاتمي حذر من دولة كردية (الحلقة الأولى)
خدام: الأسد غيّر رأيه ومدد للحود فاصطدمت سوريا بالإرادة الدولية (الحلقة الثانية)

خدام: استقبلنا رفيق الحريري بناء على اقتراح جنبلاط... وحافظ الأسد «امتحنه» (الحلقة الثالثة)
خدام: هاجمت قواتنا ثكنة «حزب الله»... وهذا ما دار مع السفير الإيراني (الحلقة الرابعة)

خدام: بوش أبلغنا برسالة خطية أن عون «عقبة»... والأسد اعتبرها «ضوءاً أخضر» لإنهاء تمرده (الحلقة الخامسة)
خدام: صدام بعث برسائل سرية إلى خامنئي ورفسنجاني... واقترح قمة بحضور «المرشد» (الحلقة السادسة)
خدام: قلت لعرفات إنك تكذب وتتآمر على فلسطين ولبنان وسوريا (الحلقة الثامنة)
خدام: السعودية لعبت دوراً بارزاً لدى أميركا في حل «أزمة الصواريخ» مع إسرائيل (الحلقة التاسعة)
خدام: كنت أول وآخر مسؤول سوري يلتقى الخميني... وهذا محضر الاجتماع (الحلقة 10)

خدام: حافظ الأسد كان سريع التأثر بأفراد عائلته... وعلاقتنا وصلت أحياناً إلى القطيعة (الحلقة الـ 11 والأخيرة)



تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية، من عرقلة ذلك المسار المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ بعد أقل من أسبوع في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ذلك الموقف المصري، الرافض لتجزئة الإعمار أو تقسيم قطاع غزة أو وضع شروط إسرائيلية بشأن قوات الاستقرار في القطاع، يحمل رسائل مهمة للضغط على إسرائيل قبل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وتوقعوا أن تضغط واشنطن لبدء المرحلة الثانية في ضوء تلك الرسائل المصرية.

وأعلن وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، في تصريحات، الجمعة، أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع المتوقع أن تنتشر الشهر المقبل.

هذه الخطوة تعزز مخاوف مصرية، تحدث بها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، متهماً نتنياهو بأنه «يحاول إعادة صياغة المرحلة الثانية وحصرها في مطلب نزع سلاح المقاومة، وهو ما لا ينص عليه الاتفاق، وتدركه الولايات المتحدة جيداً»، مشيراً إلى مساعٍ إسرائيلية لإقحام قوة حفظ الاستقرار في أدوار لا تتعلق بتكليفها، مثل نزع السلاح، وهو أمر لن توافق عليه الدول المشاركة.

وأكد رشوان، الخميس، وفق ما أوردت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن «محاولات نتنياهو قد تؤدي إلى تأجيل أو إبطاء التنفيذ، لكنها لن تنجح في إيقاف المرحلة الثانية»، مشيراً إلى أن «نتنياهو يسعى بكل السبل لتجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ودفع واشنطن إلى مواجهة مع طهران، بما قد يعيد إشعال غزة ويُفشل المرحلة الثانية من الاتفاق».

والخميس، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية - الإيرانية.

أمين عام «مركز الفارابى للدراسات السياسية»، الدكتور مختار غباشي، قال إن التصريحات المصرية واضحة وصريحة، وتحمل رسائل للكيان الإسرائيلي وواشنطن قبل الزيارة المرتقبة، مؤكداً أن الغضب المصري عندما يصل لهذه المرحلة من الرسائل المباشرة، تضع واشنطن في حساباتها الوصول لنقطة تقارب بين القاهرة وتل أبيب.

وأكد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن التصريحات المصرية تحمل في طياتها رسائل ومخاوف حقيقية من ترسيخ إسرائيلي للوضع القائم من منظور أمني وليس سياسياً، على أمل أن تتحرك واشنطن بجدية لوضع نهاية له.

منازل مدمرة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا يتوقف الموقف المصري عند مجرد المخاوف، بل يحمل تحذيرات واضحة، وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الخميس، في مقابلة مع التلفزيون المصري، إن «هناك خطين أحمرين في غزة، الخط الأحمر الأول يتمثل في عدم الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا مستحيل، المنطقتان تشكلان وحدة واحدة لا تتجزأ للدولة الفلسطينية القادمة، والخط الأحمر الثاني عدم تقسيم قطاع غزة».

وأضاف أن «الكلام اللغو الذي يقال عن وجود تقسيم القطاع إلى مناطق حمراء وخضراء أو أن الأماكن التي تقع تحت سيطرة إسرائيل مباشرة تأكل وتشرب وترى إعماراً، بينما الـ90 في المائة من الفلسطينيين الموجودين في الغرب تحت دعاوى أن (حماس) موجودة لا يأكلون ولا يشربون، هذا عبث ولن يتم ولن يتم التوافق عليه».

وفي ضوء ذلك، شدد مختار غباشي على أن مصر عندما تعلن خطوطاً حمراء، فهذا حد فاصل، وثمة مخالفات على أرض الواقع غير مقبولة، للقاهرة، مشيراً إلى أن القاهرة تتعمد هذه الرسائل في هذا التوقيت على أمل أن تعزز مسار الوسطاء نحو بدء المرحلة الثانية قريباً، خاصة أنه «إذا أرادت واشنطن فعلت ما تريد، خصوصاً إن كان الأمر يتعلق بضغط على الكيان لوقف مساراته المعرقلة للاتفاق».

وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، الخميس، أن لقاء نتنياهو وترمب المرتقب سيختتم ببيان عن التقدم المحرز نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة.

وأكد رشوان أن جميع الشواهد تؤكد أن الإدارة الأميركية حسمت موقفها من بدء المرحلة الثانية مطلع يناير المقبل، لافتاً إلى أن استقبال ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي في 29 ديسمبر الحالي يرجح أن يكون إشارة الانطلاق الفعلية للمرحلة الثانية دون لبس.

ويتوقع نزار نزال أن يحاول نتنياهو في مقابلة ترمب، تمرير سردية بقاء إسرائيل في الخط الأصفر وتقسيم غزة وبدء الإعمار في الجزء الذي يقع تحت سيطرتها، موضحاً: «لكن الرسائل المصرية التحذيرية خطوة استباقية لتفادي أي عراقيل جديدة أو تناغم أميركي إسرائيلي يعطل مسار الاتفاق».


ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

فيما أعاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية رسم المسار المطلوب للتهدئة، شرق اليمن، إذ شدد على وقف التحركات العسكرية الأحادية، مع المطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، أكدت الرياض موقفها ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشد صرامة.

الخارجية السعودية كانت وصفت تحركات «الانتقالي» بأنها أحادية وأضرت بمسار التهدئة، داعيةً إلى خروج عاجل ومنظم للقوات وتسليم المعسكرات تحت إشراف التحالف وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والسلطات المحلية.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، حاول فيه تبرير تحركاته العسكرية، معتبراً أنها جاءت استجابةً لـ«دعوات شعبية جنوبية» لمواجهة التهديدات الإرهابية وقطع خطوط تهريب الحوثيين.

وأكد «الانتقالي»، في بيانه، أنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، معتبراً الضربة الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق والترتيبات سيكون مرحباً بهما من قبل السعودية إذا كانت تصب في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» واستلام قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة. والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي الضربة التحذيرية إلى توصيل رسالة واضحة بأن الرياض قد تضطر للانتقال من سياسة الاحتواء الهادئ إلى فرض خطوط حمر لمنع أي تصعيد بالقوة.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أي تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، مدخلاً أساسياً للحفاظ على وحدة الصف اليمني، ومنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.

كان البيان السعودي أكد على دعم الرياض الكامل لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، مشدداً على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تتم عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

وكشف البيان عن تنسيق سعودي - إماراتي لإرسال فريق عسكري مشترك إلى عدن، لوضع آلية لإعادة انتشار القوات ومنع تكرار التصعيد، في خطوة عدها مراقبون انتقالاً من التحذير السياسي إلى الضبط التنفيذي الميداني.


بعد 9 أشهر... الحوثيون يعترفون بمقتل قادة طيرانهم المسيّر

مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
TT

بعد 9 أشهر... الحوثيون يعترفون بمقتل قادة طيرانهم المسيّر

مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)

بعد 9 أشهر من الإنكار والتكتم، أقرّت الجماعة الحوثية بخسارة إحدى أهم وحداتها القتالية، مع تشييع قائد سلاح الطيران المسيّر اللواء زكريا حجر وعدد من أبرز معاونيه، الذين يرجح أنهم قُتلوا في غارة أميركية استهدفتهم داخل أحد المنازل بحي الجراف شرق صنعاء خلال شهر رمضان الماضي.

الاعتراف الحوثي المتأخر أعاد فتح ملف الخسائر العسكرية الثقيلة التي مُني بها جناح الجماعة العسكري، وكشف جانباً من حجم الضربات التي طالت بنيته القيادية والتقنية خلال الأشهر الماضية.

وجاء هذا الإقرار من قبل الجماعة المتحالفة مع إيران بعد أشهر من إقرار مماثل بمقتل رئيس هيئة أركانها محمد الغماري، عبر مراسم تشييع نُظمت في صنعاء.

وشملت مراسم تشييع حجر، التي أقيمت الخميس، كلاً من مدير العمليات في وحدة الطيران المسيّر اللواء محمد الحيفي، واللواء عبد الله حجر، والعميد أحمد حجر، والعميد حسين الهاشمي. ويُعد هؤلاء من أبرز القادة في وحدة الطيران المسيّر التي أُنشئت بإشراف وتدريب مباشر من الحرس الثوري الإيراني والجناح العسكري لـ«حزب الله» اللبناني، وشكّلت خلال السنوات الماضية أحد أهم أذرع الحوثيين في تنفيذ الهجمات العابرة للحدود.

الحوثيون تعمّدوا التكتم على خبر مقتل حجر 9 أشهر (إعلام محلي)

وعلى الرغم من أن هذه الخسارة تُعد ثاني أكبر خسارة تعترف بها الجماعة بعد مقتل الغماري، فإن اللافت في مراسم التشييع كان الغياب شبه الكامل للقيادات العسكرية البارزة. إذ غاب وزير دفاع الجماعة محمد العاطفي، الذي تُرجّح مصادر إصابته في غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعاً للحكومة غير المعترف بها في نهاية أغسطس (آب) الماضي، ومنذ ذلك الحين اختفى عن الأنظار.

كما غاب رئيس هيئة الأركان الجديد يوسف المدني، إلى جانب معظم القادة العسكريين، واقتصر الحضور على مفتي الجماعة شمس الدين شرف الدين، والقائم بأعمال رئيس الحكومة غير المعترف بها محمد مفتاح، في مؤشر فسّره مراقبون بحجم الإرباك الذي تعانيه القيادة العسكرية للجماعة.

ضربات موجعة

يرى مراقبون عسكريون أن الهجمات الأميركية التي استهدفت مخابئ القادة الحوثيين ومخازن أسلحتهم ومراكز القيادة والسيطرة، قبل التوصل إلى هدنة بين الطرفين، كادت أن تُخرج القوة الصاروخية وسلاح الطيران المسيّر عن الخدمة. فقد خسر الحوثيون خلال تلك الضربات أبرز كوادرهم المتخصصة، من قائد الوحدة ومسؤول العمليات والدراسات، إلى المسؤولين التقنيين والمشرفين على ورش تركيب وتجهيز الطائرات المسيّرة، إضافة إلى مختصين بعمليات الإطلاق والتوجيه.

غياب القادة العسكريين لجماعة الحوثي عن مراسم التشييع (إعلام محلي)

وفي هذا السياق، وصفت منصة «ديفانس أونلاين» المتخصصة في الشؤون العسكرية والأمنية زكريا حجر (39 عاماً) بأنه خبير محوري في منظومة الصواريخ وبرنامج الطيران المسيّر لدى الحوثيين، وأحد الفنيين الذين عملوا إلى جانب خبراء ومستشارين من «الحرس الثوري» و«فيلق القدس»، إضافة إلى جنسيات عربية، على تطوير القدرات القتالية للجماعة.

وأشارت المنصة إلى أن حجر يرتبط بعلاقة مصاهرة مع عائلة عبد الملك الحوثي، وأن عدداً من إخوته وأفراد أسرته يشغلون مواقع مهمة داخل هياكل الجماعة.

وحسب المعلومات، جرى تعيين حجر عقب اجتياح صنعاء ضمن هياكل وزارة الدفاع التابعة للجماعة، ومنح رتبة عسكرية رفيعة، قبل أن يتولى الإشراف على برنامج الطيران المسيّر ضمن منظومة «القوة النوعية» المرتبطة بالمجلس الجهادي للحوثيين. وتؤكد مصادر متطابقة أن هذه الوحدة لعبت دوراً رئيسياً في الهجمات التي استهدفت العمق اليمني ودول الجوار وخطوط الملاحة الدولية.

اعترافات متأخرة

تشير منصة «ديفانس أونلاين» إلى أن حجر يُعد من العناصر المطلوبين للقضاء اليمني، وقد ورد اسمه ضمن قائمة قيادات خضعت للمحاكمة أمام القضاء العسكري في مأرب منذ مطلع 2022، بتهم تتعلق بالتمرد والقتل والإرهاب.

كما أدرجه التحالف الداعم للشرعية ضمن قوائم الإرهاب في أغسطس (آب) من العام نفسه، إلى جانب أربعة آخرين، لارتباطهم المباشر بعمليات إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، وتهريب الأسلحة الإيرانية، والمشاركة في الهجمات على الشحن الدولي في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن.

ويؤكد الصحافي المتخصص في شؤون الحوثيين، عدنان الجبرني، أن وحدة الطيران المسيّر تلقت «ضربات قاتلة» جراء الغارات الأميركية التي نُفذت خلال الأشهر الأولى من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وأوضح أن حجر قُتل في غارة استهدفت منزلاً بحي الجراف، ومعه اثنان من أبرز مساعديه، أثناء تناول وجبة الإفطار في شهر رمضان، إلا أن الجماعة فرضت تعتيماً مشدداً على هوية المستهدفين.

ناشطون حوثيون كشفوا عن مقتل ثمانية من أشقاء حجر خلال تجنيدهم مع الجماعة (إكس)

وفي نعي آخر، أقرت قيادات حوثية بأن حجر قُتل قبل مصرع محمد الغماري، الذي يُرجّح أنه لقي حتفه في غارة استهدفت منزلاً بحي حدة جنوب صنعاء، كان الحوثيون قد استولوا عليه وحولوه إلى مركز للعمليات العسكرية، رغم ترويج شائعات آنذاك عن نجاته ومغادرته المكان قبل دقائق من الضربة.

وتجمع مصادر حكومية ومراقبون على أن هذه الخسائر القيادية والتقنية كانت عاملاً رئيسياً وراء عرض الحوثيين هدنة مع الجانب الأميركي، التزموا بموجبها بوقف استهداف السفن في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، مقابل وقف الضربات الأميركية التي استهدفت قيادات مهمة في جناحهم العسكري، ودمرت مخازن سرية للأسلحة ومراكز للقيادة والسيطرة في صنعاء وصعدة والحديدة.

ويذهب هؤلاء إلى أن الاعتراف المتأخر بمقتل قادة الطيران المسيّر يعكس حجم الضرر الذي أصاب أحد أهم أذرع الجماعة، ويؤشر إلى مرحلة جديدة من إعادة ترتيب الصفوف تحت ضغط الخسائر.