منذ أن تولى الرئيس جو بايدن مهام منصبه، بات وكلاء إيران الإقليميون أكثر انشغالاً من ذي قبل. فخلال الشهر الحالي وحده أعلن المتمردون الحوثيون في اليمن مسؤوليتهم عن هجوم بطائرة من دون طيار على مطار أبها السعودي، وعُثر على أحد أبرز منتقدي «حزب الله» اللبناني الصحافي لقمان سليم مقتولاً في سيارته في لبنان. وفي كردستان العراق، أعلنت مجموعة واجهة لواحدة من أكثر الميليشيات الشيعية دموية في البلاد مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات الصاروخية في أربيل وحولها.
كل هذا بدا وكأنه إعادة مرعبة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. وفي حين كان الدبلوماسيون الأميركيون يتفاوضون بشأن الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، أصبح وكلاء النظام في حالة من الهياج. وبعد انتهاء تلك المحادثات، تحدى الجنرال الإيراني قاسم سليماني قيود السفر التي فرضتها الأمم المتحدة وذهب إلى موسكو للتفاوض على اتفاقه الخاص مع روسيا لحماية رئيس النظام السوري بشار الأسد والدفاع عنه. وندد أوباما بهذا التصعيد وأرسل وزيرة خارجيته للمطالبة بضبط النفس ووقف إطلاق النار، لكن هذا الجهد لم يكن له أي تأثير يذكر.
السؤال المطروح على بايدن هو ما إذا كان يريد تكرار أخطاء رئيسه السابق أوباما وهو يسعى لإحياء الاتفاق النووي الذي تخلى عنه سلفه ترمب في 2018، حتى الآن لا تبدو المؤشرات جيدة على أن بايدن استفاد من دروس سنوات أوباما.
لنتأمل الهجمات الصاروخية مؤخراً في أربيل. فقد سارع المتحدثون باسم بايدن إلى التنديد بهذا التصعيد الذي أدى إلى مقتل مقاول واحد على الأقل وإصابة أميركيين وعراقيين. لكنهم ينتظرون نتيجة التحقيق قبل إلقاء اللوم على إيران.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، الثلاثاء «ندعم شركاءنا العراقيين في جهودهم للتحقيق في هذه الهجمات، سواء نفذتها إيران أو نفذتها ميليشيات مدعومة من إيران أو عناصر من هذه القوات. لن نحكم مسبقاً على ذلك».
وكانت مجموعة غير معروفة نسبياً تُدعى «سرايا أولياء الدم»، أو «كتيبة حراس الدم»، أعلنت مسؤوليتها عن هجمات أربيل. وقد أخبرني مايكل نايتس، زميل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وخبير في الميليشيات العراقية، أن هذه المجموعة هي بالتأكيد واجهة لـ«عصائب أهل الحق»، وهي ميليشيا شيعية متعصبة تهدد العراق منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وقال نايتس، إنه من المحتمل أن الهجمات الصاروخية في أربيل لم توافق عليها إيران. لكن إيران لديها نفوذ كافٍ على «عصائب أهل الحق» كان بإمكانها منعهم.
بالنظر إلى ذلك، لا يهم تحليل برايس؛ فقد قامت مجموعة ترعاها وتوجهها إيران للتو بتصعيد كبير في العراق. ماذا سيفعل بايدن رداً على ذلك؟
على الأقل يجب على بايدن أن يوقف أي جهود لإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي لعام 2015 ما دام وكلاء إيران يتفوقون. ورغم أنه من الصحيح أن بايدن وكبار مستشاريه يرون في اتفاق عام 2015 وسيلة لدفع المصالح الأميركية إلى الأمام من خلال تقييد تخصيب إيران لليورانيوم مؤقتاً، فإن لإيران أيضاً مصلحة في إنهاء العقوبات الثانوية التي أعادت الولايات المتحدة فرضها في عام 2018. لجو بايدن الكثير من النفوذ في الوقت الراهن أكثر من إيران.
قد يكون الخيار الأفضل لبايدن هو تبني نسخة من سياسة سلفه تجاه وكلاء إيران. لم تهتم إدارة الرئيس السابق ترمب بالتمييز بين الفروع والفصائل والميليشيات التي تدعمها إيران. إذا هاجمت إحدى الميليشيات القوات الأميركية في العراق، فإن الولايات المتحدة تهاجم تلك الميليشيا رداً على ذلك. كان ترمب أيضاً على استعداد للتصعيد للردع، كما فعل قبل أكثر من عام بقليل بعد أن كادت الميليشيات تجتاح السفارة الأميركية في بغداد. أعطى ترمب إذناً بالضربات التي قتلت سليماني وأبو مهدي المهندس القيادي في الميليشيا.
بايدن ليس ترمب بالطبع. لكن إذا أراد تهدئة التوترات في المنطقة، فعليه إقناع إيران ووكلائها بأنه أيضاً على استعداد للتصعيد والرد على استفزازاتهم. فإذا اعتقدت إيران أنه بإمكانها الوصول إلى تخفيف للعقوبات بنشر المزيد من الفوضى، فسيعيد بايدن الشرق الأوسط إلى الوضع الراهن المتمثل في حالة عدم الاستقرار الخطرة.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»