هل تهزم المواقع الرقمية الصحف الورقية؟

مؤتمر إنقاذ الصحف الورقية في فرجينيا

هل تهزم المواقع الرقمية الصحف الورقية؟
TT

هل تهزم المواقع الرقمية الصحف الورقية؟

هل تهزم المواقع الرقمية الصحف الورقية؟

في الأسبوع الماضي انعقد في شارلوتفيل (ولاية فرجينيا، حيث جامعة فرجينيا، واحدة من أهم 10 جامعات أميركية، وحيث أسس توماس جفرسون، الرئيس الثالث، واحدة من أوائل الصحف الأميركية، الورقية) المؤتمر السنوي لاتحاد ناشري الصحف في الولايات الجنوبية (فرجينيا واحدة منها). وكانت أهم من تحدث في الاجتماع بنيلوب إبرناثي، أستاذة الصحافة والإعلام الرقمي في كلية الصحافة في جامعة نورث كارولينا. وصفتها صحيفة «رتشموند تايمز دسباتش»، صحيفة رتشموند، عاصمة ولاية فرجينيا، وأكبر صحيفة في الولاية، بأنها «برنت ميديا هوب» (أمل الإعلام الورقي).
حقيقة، ليست إبرناثي فقط أستاذة جامعية. قبل ذلك كانت مديرة تنفيذية في صحيفة «وول ستريت جورنال». وقبل ذلك مديرة تنفيذية في صحيفة «نيويورك تايمز».
كان الموضوع الرئيس في المؤتمر هو مستقبل الصحف الورقية. وربما كانت إبرناثي أكثر من في المؤتمر تأهيلا للحديث في هذا الموضوع. وذلك لأنها نشرت، مؤخرا كتاب «سيفنغ كوميونتي جورناليزم» (إنقاذ الصحف المحلية).
بعد نهاية المؤتمر، كتب توم سلفستري، ناشر صحيفة «رتشموند تايمز دسباتش»: «تعرف أن الصحيفة الورقية اليومية التي تقرأها كل يوم قد تحولت إلى صحيفة إلكترونية عندما تخفض عدد الأيام التي تصدر فيها. مثل أن تغيب خلال عطلة نهاية الأسبوع. هذا صحيح بالفعل لمجموعة متنوعة من صحف المدن الكبيرة، التي انقلبت إلى النشر الإلكتروني (الرقمي). لكن عددا من صحف أخرى، بما في ذلك صحيفتك «ريتشموند تايمز ديسباتش»، تظل صحيفة 7 أيام، مع تطوير الجانب الرقمي لزيادة القراء، وجذب مزيد من الإيرادات». ربما قصد هذا الناشر أن يشجع نفسه، أو قراء صحيفته، أو زملاءه الناشرين الذين حضروا المؤتمر (كانوا 150 ناشرا).
لكن، كانت تحذيرات إبرناثي (وأيضا، اقتراحاتها) واضحة. قالت إنها مسألة وقت. قبل أن يواجه الناشرون في مختلف أنحاء البلاد الأمر الواقع: «التحول الكبير قادم، بسبب الظروف التي تواصل عرقلة ما كان يعتقد أنه دائم إلى الأبد» (تقصد الصحف الورقية). أشارت إلى كتابها، وقالت إن فيه 3 اقتراحات لإنقاذ الصحف الورقية:
أولا: الاعتراف بالأمر الواقع: «التحول الكبير قادم..».
ثانيا: ثم وضع استراتيجية جديدة للتأقلم مع الأمر الواقع.
ثالثا: ثم الاستعداد لنوع جديد من الصحف.
وقالت، وكأنها تلاحظ علامات عدم الراحة، أو عدم الرضا، على وجوه 150 ناشرا في المؤتمر: «لن يعود دخل الإعلانات في الصحف الورقية إلى ما كان عليه في الماضي البعيد، أو الماضي القريب».
وبعد التخويف، قدمت حلولا:
أولا: تخفيض تكاليف طباعة الصحيفة. مثلا: صحيفة «ديلي بريس» في نيوبورت نيوز (ولاية فرجينيا) أغلقت مطبعتها. ووفرت أموالا كثيرة عن طريق التعاقد مع شركة «هانوفر» التي تطبع صحيفة «رتشموند تايمز ديسباتش».
ثانيا: تأسيس «مجتمعات إلكترونية»، عن طريق وسائل مثل شبكات الاتصالات الاجتماعية، مثل «فيسبوك» و«تويتر». وتعزيز المحتوى في كل من الطبعتين الورقية والرقمية. وربط الصحافيين مع القراء، وربط القراء مع بعضهم البعض.
ثالثا: السعي بقوة للحصول على مزيد من الدخل، بعد انخفاض الإعلانات الورقية. يجب ألا تقل نسبة مصادر الدخل الأخرى عن 6 في المائة سنويا. وبعد 5 سنوات، يجب أن تكون نسبة 20 في المائة، على الأقل، من عائدات الإعلانات من مصادر جديدة. وفي نهاية محاضرتها، سألت إبرناثي الناشرين: هل يعلم قراء الصحف الورقية أن صحفهم تواجه قرار الحياة أو الموت؟ وأجابت على السؤال: «أعتقد أنهم لا يعلمون».
ثم سألت: هل يعلم قراء الصحف الورقية أن صحفهم يمكن أن تموت؟ وأجابت على السؤال، في عبارة قوية: «لن تموت الصحف الورقية. فقط ستكون المصدر الثاني للأخبار بعد الصحف الرقمية».
قبل شهور قليلة من مؤتمر ناشري الصحف في شارلتوفيل، كان هناك نقاش عن مستقبل الصحف الورقية. وذلك على ضوء محاولة ملياردير الإعلام الأسترالي الأميركي روبرت مردوخ، صاحب مؤسسة «فوكس القرن الـ21» العملاقة، شراء مؤسسة «تايم وورنر» العملاقة المنافسة. لم تنجح المحاولة. لكنها كشفت حقيقة مستقبل الصحف الورقية. وذلك لأن كلا من «فوكس» و«تايم وورنر» كانتا تعملان على التخلص، أو تخفيض، صحفهما الورقية. كان هذا من المفارقات. وذلك لأن المؤسستين بدأتا بالنشر الورقي: صحيفة «أستراليان» في أستراليا. ومجلة «تايم» في أميركا. بل كتب مردوخ نفسه أنه، فيما تبقى له من عمر (عمره الآن 83 عاما) يعمل تدريجيا لتحل صحف ومجلات وكتب في الإنترنت محل صحف ومجلات وكتب الشركة الورقية.
نفس الشيء بالنسبة لمؤسسة «تايم وورنر»: أعلنت أن مجلة «تايم» ستنتقل من المبنى العملاق الذي ظلت فيه منذ أكثر من نصف قرن إلى مبنى آخر. ستترك مبنى «تايم لايف»، إشارة إلى المجلتين رائدتي المجلات الأميركية المصورة في النصف الأول من القرن الماضي. وكانت «لايف» توقفت قبل أكثر من 20 عاما، وفعلت «فوكس» الشيء نفسه تقريبا. لم تطرد صحفا أو مجلات ورقية، لكنها فصلت الشركات الورقية عن الشركات التلفزيونية والإذاعية والرقمية.
لهذا، كتب ديفيد كار، محرر الشؤون الإعلامية في صحيفة «نيويورك تايمز»: «يبدو أن الإعلام الورقي لا مستقبل له». وأضاف: «ليس هذا موضوعا مفاجئا، أو غريبا، أو معقدا. أنت وأنا لم نعد نقرأ الصحف والمجلات والكتب الورقية كما كنا نفعل، حتى قبل 10 سنوات».
وكان باحثون في جامعة فيكتوريا، في ولينغتون، في نيوزيلندا، نشروا دراسة بأن الخبر المفصل والمركز والقيم يظل في الصحف الورقية. وليس في الإنترنت. وقالوا إن الذين يستعملون الإنترنت، ويتابعون الأخبار فيه، لا يهمهم الفهم الكامل للخبر.
وكتب كار: «يحاول الناس أن يتذكروا الأخبار التي يقرأونها، ليقدروا على متابعتها. لهذا، صار صاحب الذاكرة القوية أكثر حظا. لكن، يسأل الذين يتابعون الأخبار في الإنترنت: لماذا نكلف أنفسنا أن نتذكر بينما كل شيء موجود في الإنترنت؟».
ما مستقبل الصحف الورقية؟
حسب تقرير نشرته مؤخرا جمعية ناشري الصحف، يظل ملياران ونصف المليار من البشر يقرأون الصحف الورقية كل صباح. خاصة في دول العالم الثالث، وفي الصين والهند. لكن، طبعا، كلما ظهرت صحيفة أو موقع إلكتروني، كلما قل الإقبال على صحيفة ورقية.
ظهرت هذه الحقيقة بصورة واضحة مع نهاية تسعينات القرن الماضي. بحلول قنوات تلفزيونية فضائية تعمل 24 ساعة في اليوم، وبانتشار الكومبيوتر الشخصي،
صار الإنترنت يشكل تحديا مستمرا لمعظم الصحف الورقية، خاصة في أوروبا وأميركا الشمالية. انخفض التوزيع مدفوع القيمة. وقل دخل الإعلانات التي، عادة، تشكل الجزء الأكبر من إيرادات معظم الصحف. مما أدى إلى انخفاض عام في الأرباح. وأطلقت كثير من الصحف حول العالم طبعات في الإنترنت، في محاولة لمتابعة التحول العظيم، وللمحافظة على قرائها.
لكن، تظل، في بقية العالم، الطباعة أرخص، والتوزيع أرخص. وتظل زيادة الإلمام بالقراءة والكتابة. وتظل الطبقات الوسطى في كثير من الدول النامية تزيد.
في عام 1995، كانت صحيفة «أميركان ريبورتر» أول صحيفة يومية، بصحافيين متفرغين، ومحتوى أصلي، تبدأ في الإنترنت. اليوم، توجد أكثر من 10 آلاف صحيفة رئيسة يومية في الإنترنت. ويزيد العدد بمعدل مائة كل يوم.
وتظل الصحف الورقية تواجه ارتفاع أسعار ورق الصحف، وتراجع مبيعات الإعلانات، وفقدان كثير من الإعلانات المبوبة.
لهذا، في الولايات المتحدة، خلال الأعوام الأخيرة، ارتفع عدد من الصحف المقررة للإغلاق، أو الإفلاس، أو التخفيض الحاد في التوزيع. وفقدت الصحف الورقية 20 في المائة من صحافييها منذ عام 2001.
ولهذا، حذرت «أمل الصحف الورقية»، بنلوب إبرناثي، ناشري الصحف الأميركية، في مؤتمرهم السنوي، في الأسبوع الماضي، في شارلتوفيل (ولاية فرجينيا، حيث نشر توماس جفرسون، الرئيس الثالث، واحدة من أوائل الصحف الأميركية، الورقية).



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».