شركتان من ملّاك كبريات الصحف الأميركية قررتا التخلي عن خدمة «أسوشييتد برس»... بذريعة التوفير

مراقبون يحذّرون من أن الخطوة ستحرم القراء مصدراً موثوقاً

داخل المقرّ الرئيس لوكالة الـ"أسوشييتد برس" (آ ب)
داخل المقرّ الرئيس لوكالة الـ"أسوشييتد برس" (آ ب)
TT

شركتان من ملّاك كبريات الصحف الأميركية قررتا التخلي عن خدمة «أسوشييتد برس»... بذريعة التوفير

داخل المقرّ الرئيس لوكالة الـ"أسوشييتد برس" (آ ب)
داخل المقرّ الرئيس لوكالة الـ"أسوشييتد برس" (آ ب)

بعد مضي ما يقرب من قرنين على هيمنة وكالات الأنباء العالمية على «صناعة الخبر»، وتحولها إلى مصدر الخدمة الأساسي الذي تعتمد عليه غرف الأخبار في غالبية وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، كان من الصعب تصور استغناء تلك الوسائل أو بعضها، عن هذه الخدمة.

وعلى الرغم من ظهور وكالات جديدة، كانت تنشأ في أعقاب تغييرات جيوسياسية وصعود قوى إقليمية ودولية بقدرات «عظمى»، حافظت الوكالات «الأصلية» على هيمنتها.

المقر الرئيس لوكالة الـ"أسوشييتد برس" في نيويورك (آ ب)

ومنذ الحرب المكسيكية - الأميركية عام 1846، لجأت الصحف الكبيرة والصغيرة إلى وكالة الـ«أسوشييتد برس» للحصول على تقاريرها من أماكن لا يمكن لمراسليها الوصول إليها. وبفضل وجود أكثر من 200 مكتب لها حول العالم، ظلت الـ«أسوشييتد برس»، أكبر اسم تجاري بين ما أصبح يعرف باسم الخدمات السلكية، حيث تنقل مقالاتها وصورها إلى منافذ الأخبار مقابل رسوم ترخيص. وصارت بعض الصحف الصغيرة تعتمد بشكل كبير على محتواها، لدرجة أن الخط التحريري لـ«أ.ب» كان الأكثر شيوعاً في أخبارها.

صناعة الخبر الخاص

غرف صناعة الأخبار غالباً ما شهدت مناقشات حول الحد الفاصل، بين خبر الوكالات والخبر الخاص المنتج من موظفي ومراسلي وصحافيي الوسائل الإعلامية. بيد أن تكلفة إنتاج الخبر الخاص كانت على الدوام تحبط جهود الاستغناء عن خبر الوكالات، ليتحول الجهد الخاص إلى قصص تعتمد على مخيلة وابتكارات صحافية ومقابلات وتسريبات، تطمح للتميز، ليس عبر الخبر، بل عبر المادة الإعلامية.

وغني عن القول إنه طرأت تغييرات كبيرة على إنتاج المادة الإعلامية، مع صعود دور وسائل التواصل الاجتماعي، التي حولت على سبيل المثال، أي حامل لهاتف ذكي إلى مراسل ميداني في الوقت الفعلي لحصول الحدث «الخبر». إلا أنه، مع هذا، لا يزال الإجماع منعقداً على أن موثوقية الخبر تعتمد على جهة يمكن محاسبتها وتحميلها المسؤولية، في ظل ضعف الرقابة على مضمون ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وخطر «التزييف» العميق الذي تصاعد أخيراً مع تصاعد استخدام «الذكاء الاصطناعي».

هذا من حيث المبدأ. ولكن أخيراً، أعلنت «سلسلتان» صحافيتان أميركيتان كبيرتان أنهما قرّرتا التخلي عن خدمات الـ«أسوشييتد برس» للحصول على الأخبار؛ إذ ذكرت شركة «غانيت»، ناشرة صحيفة الـ«يو إس إيه توداي» وأكثر من 200 صحيفة محلية، وشركة «ماكلاتشي»، التي تنشر صحيفتي الـ«ميامي هيرالد» والـ«كانساس سيتي ستار» من بين أكثر من عشرين صحيفة أخرى، هذا الأسبوع، أنهما أنهتا علاقة المحتوى الخاصة بهما مع الوكالة.

مايك ريد (يو إس آيه توداي)

توفير المال على حساب الثقة

وفق صحيفة الـ«واشنطن بوست»، عدّ مسؤولون تنفيذيون في مذكرة داخلية للموظفين في كلتا الشركتين، هذه الخطوة بأنها «لتوفير التكاليف»، المقدرة بملايين الدولارات. وذكروا أنهم لن يواجهوا أي مشكلة في سد الفجوة الإخبارية.

إذ كتبت كريستين روبرتس، المديرة التنفيذية لشركة «غانيت» عبر مذكرة، يوم الثلاثاء قبل الماضي: «إننا نصنع صحافة أكثر كل يوم من وكالة (الأسوشييتد برس)». بيد أن بعض مراقبي وسائل الإعلام - بمن في ذلك العاملون في الصحف المتضررة - حذّروا من أن القرار سيقطع مصدراً حيوياً للتقارير الموثوقة التي أصبح القراء يعتمدون عليها. ورأى بعضهم القرار «خسارة» لا يمكن تعويضها، منتقدين ادعاءات مسؤولي الشركتين عن تحقيق الوفر المادي، في حين فرض التقليص المتواصل على طاقم إعداد التقارير، الاعتماد أكثر فأكثر على الخدمات الإخبارية للمساعدة في سد الفجوات.

ومن جهتها، علّقت مارغو سوسكا، أستاذة الصحافة في الجامعة الأميركية (في واشنطن) ومؤلفة كتاب «التحوّط: كيف ساعدت صناديق الاستثمار الخاصة في تدمير الصحف الأميركية وتقويض الديمقراطية؟»، قائلة إنها «تشعر بالقلق بشأن ما قد يملأ تلك الصفحات الآن». وأردفت: «وكالة (الأسوشييتد برس) هي واحدة من أكثر المنظمات موثوقية في مجال التغطية الإخبارية على المستوى الوطني وعلى مستوى الولايات». وشددت على الدور الذي تلعبه «التقارير الموضوعية» للوكالة في سنة الانتخابات الحالية، قبل أن تضيف: «بالنسبة لأي شخص يهتم بالأخبار في ظل ديمقراطية فاعلة، هذا مجرد مسمار آخر في النعش».

تفاوض لتحسين العقد؟

أما نيكول مئير، الناطقة باسم الـ«أسوشييتد برس» فقالت إنها تأمل أن تواصل شركتا «غانيت» و«مكلاتشي» استخدام خدمات المحتوى الإخبارية الخاصة بها، كاشفة عن أن «المباحثات معهما مستمرة»، ما يشير إلى أن قرارات الناشرين يمكن أن تكون جزءاً من استراتيجية التفاوض على العقد. وأفادت مئير في بيان: «نحن نقدّر صعوبة اتخاذ هذه القرارات، ونفهم بعمق التحديات التي تواجهها صناعة الأخبار... ولكن في الوقت نفسه، سيكون هذا بمثابة ضرر لمستهلكي الأخبار في جميع أنحاء الولايات المتحدة الذين لن يروا بعد الآن الصحافة القائمة على الحقائق من (الأسوشييتد برس)». وعلى الرغم من ذلك، ذكرت «غانيت» أنها ستواصل الحصول على خدمة تغطية بيانات الانتخابات من الـ«أسوشييتد برس»، وكذلك استخدام كتاب الأنماط الخاص بها، وهو عبارة عن مجموعة من المبادئ التوجيهية اللغوية والنحوية لغرف الأخبار.

شعار "ماكلاتشي" (ماكلاتشي)

في هذه الأثناء، أوضحت الـ«أسوشييتد برس» أن رسوم الصحف الأميركية تمثل فقط نحو 10 في المائة من دخلها السنوي، وأن الخسارة في الإيرادات من «غانيت» و«ماكلاتشي» لن تؤثر بشكل كبير على مواردها المالية. وبينما تواصل الشركتان التشديد على أن قرار الاستغناء عن خدمة الـ«أسوشييتد برس» سيمكّنهما من الاستثمار بشكل أكبر في إنتاج أخبارهما الخاصة، فإن وعودهما بزيادة أعداد الطاقم الإخباري وتخصيص أموال إضافية، لم تطبّق بعد على الأرض. وفي مؤتمر صحافي عُقد في مدينة أتلانتا، عاصمة ولاية جورجيا، الأربعاء قبل الماضي، تطرّق مايك ريد، الرئيس التنفيذي لشركة «غانيت»، إلى موضوع الاستغناء عن خدمات الوكالة، فقال إن مُحتوى الوكالة «لم يعُد يُقرأ جيداً مثل القصص المنتجة محلياً، وعلى هذا النحو، كان من الأفضل من الناحية المالية توفير المال وتوظيف مراسلين محليين لإنتاج المزيد مما يريده القراء».

تكلفة إنتاج الخبر الخاص، كانت على الدوام تحبط جهود الاستغناء عن خبر الوكالات، ليتحول الجهد الخاص إلى قصص تعتمد على مخيلة وابتكارات صحافية ومقابلات وتسريبات

مقر "غانيت" في ماكلين بضواحي العاصمة الأميركي واشنطن (رويترز)

أجور خيالية للمديرين

من ناحية ثانية، على الرغم من إعلان ريد عن جهود لتعزيز غرف التحرير، وتعهّد الشركة أخيراً باستثمار مبلغ 2 مليون دولار لتوظيف عاملين جدد في غرف الأخبار، فإن ثمة شكوكاً كبيرة حول نيات «غانيت» فيما يتعلق بإمبراطورية الأخبار المحلية الخاصة بها؛ إذ، على العكس من ذلك، أضرب في العام الماضي، مئات الصحافيين في صحف «غانيت» في عدة ولايات احتجاجاً على خفض عديد العاملين في غرف تحرير الشركة. وأفاد بعض العاملين بأن أجور بعض الموظفين العاملين منذ أكثر من 30 سنة، ليست متناسبة مع جهودهم، وثمة وظائف شاغرة منذ أكثر من سنتين لم تملأ بعد. وبالفعل، وفق إحصاءات وظيفية، عمدت «غانيت» - التي تعد أكبر سلسلة صحف في أميركا - إلى تقليص عدد موظفيها خلال السنوات الثلاث الماضية بنسبة 47 في المائة. وهو ما دعا البعض إلى القول إن ادعاءات رئيسها التنفيذي عن زيادة عدد الموظفين لتقديم أخبار محلية قوية «ادعاءات مضحكة».

في مطلق الأحوال، عانت كل من «غانيت» و«ماكلاتشي» من صعوبات مالية خلال السنوات الأخيرة؛ إذ عمدتا إلى الاندماج مع شركات أخرى، وسيطرت صناديق تحوّط استثمارية وشركات أسهم خاصة عليهما، بعد مزاد إفلاس. ولكن، رغم ذلك، تبين أنه على الرغم من السنوات الصعبة الأخيرة التي شهدتها وسائل الإعلام، فإن مسؤولين تنفيذيين في الشركتين حصلوا على أجور خيالية. وعلى سبيل المثال، ووفقاً لإيداعات هيئة الأوراق المالية والبورصة، حصل ريد، المدير التنفيذي لـ«غانيت» نفسه، عام 2021، على راتب سنوي يقرب من 8 ملايين دولار، بينما واصلت الشركة تسريح الموظفين.


مقالات ذات صلة

«بي بي سي» تعتزم تسريح 500 موظف

أوروبا صورة لشعار «بي بي سي» (فليكر)

«بي بي سي» تعتزم تسريح 500 موظف

تعتزم هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» تسريح 500 موظف بحلول نهاية مارس 2026 بعدما خفّضت عدد موظفيها بنسبة 10 % خلال السنوات الخمس الماضية

«الشرق الأوسط» (لندن)
إعلام صحف إردنية (غيتي)

«صدمات الإنعاش» لا تنعش الصحافة الورقية الأردنية

فقدت الصحافة الورقية الأردنية خلال السنوات العشر الأخيرة، صدارتها في صناعة الرأي العام المحلّي بعدما توسعت رقعة الإعلام الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» (عمان)
إعلام نجح الناشرون الكبار في الوصول إلى ملايين الأشخاص عبر قنوات «واتساب» (ميتا)

قنوات «واتساب» للأخبار... بين تعزيز التفاعل وضعف الأرباح

بعد مرور أكثر من سنة على خدمة القنوات الإخبارية بـ«واتساب»، أثيرت تساؤلات أخيراً حول مدى تحقيق المستهدف من الخدمة.

إيمان مبروك (القاهرة)
الولايات المتحدة​ مراسل صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية إيفان غيرشكوفيتش في صورة غير مؤرخة (رويترز)

الحكم على الصحافي الأميركي غيرشكوفيتش بالسجن 16 عاماً في روسيا

أدانت محكمة يكاترينبورغ الروسية في الأورال الصحافي الأميركي إيفان غيرشكوفيتش، اليوم (الجمعة)، بتهمة «التجسس» وحكمت عليه بالسجن 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
إعلام التوجه الاستراتيجي يجسّد إرادة جماعية واضحة لحماية المصالح الرقمية العربية (واس)

اجتماع عربي في الرياض يبحث التعامل مع الإعلام العالمي

ناقش فريق التفاوض العربي الخطة التنفيذية للتفاوض مع شركات الإعلام الدولية وفق إطار زمني، وصياغة التوجه الاستراتيجي للتعامل معها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»
TT

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»

بعد النجاح الذي حققه على قناة «الشرق ديسكفري»، يعُرض برنامج «عقول مظلمة»، أول برنامج تلفزيوني عن الجريمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من إنتاج «SRMG Studios» للمرة الأولى على منصة «نتفليكس».

ويعد «عقول مظلمة» أول برنامج تلفزيوني عن الجريمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أعمال «الشرق ديسكفري» الأصلية يتم تقديمه للجمهور العربي، حيث تستكشف هذه السلسلة الوثائقية المشوّقة قصص أبرز القتلة المتسلسلين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتجمع بين الصحافة الاستقصائية والسّرد الواقعي لقصص حقيقية هزّت المجتمع.

برنامج «عقول مظلمة» هو الإنتاج الأول لـ«SRMG Studios»، قسم الإنتاج في «SRMG»، الذي يهدف إلى إنتاج محتوى أصلي للجمهور العربي وتلبية احتياجات الصناعة من خلال الاستفادة من الشراكات الدولية لـ«SRMG»، والعمل مع المواهب الإقليمية، لإنتاج عديد من المشروعات الكبرى، التي هي قيد التنفيذ حالياً.

ويقدم البرنامج منظوراً فريداً لم يسبق طرحه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يسلط الضوء على جوانب إجرامية عاشتها بعض المجتمعات، وتمّ تجاهلها على نطاق واسع، بالإضافة إلى أنه يُلقي نظرة متعمّقة على الجوانب التي لم تناقش على نطاق واسع، كما يُبحر في أساليب ودوافع هذه الجرائم عبر تحليل دقيق لسلوكيات القتلة المتسلسلين مبني على لقاءات مع اختصاصيين، وخبراء جنائيين، وقانونيين، وأطباء.

ويعرض «عقول مظلمة» قصصاً من تونس والأردن والعراق والمغرب ولبنان ومصر، وتشمل: نصير دمرجي، والإخوة تانيليان، ولؤي التقي، وسفّاح الجيزة، وبلال وسوزان، وسفّاح مديونة.

وتهدف «الشرق ديسكفري» من خلال «عقول مظلمة»، وهو البرنامج الفريد من نوعه ضمن الأعمال الأصلية للقناة، إلى تقديم محتوى تثقيفي وترفيهي عربي مجاني لم يسبق له مثيل في المنطقة، حيث تسعى من خلاله إلى تقديم القصص غير المسبوقة في قالب مشوّق ورصين يواكب الطلب المتزايد على الإنتاجات العربية عالية الجودة.

تقدّم «الشرق ديسكفري» عدداً واسعاً من البرامج المجّانية الحصرية من مكتبة «وارنر براذرز ديسكفري»، بالإضافة إلى برامج الإنتاج الأصلي والإنتاج المشترك مع «وارنر براذرز ديسكفري»، و«HBO».