مسؤولة الذكاء الاصطناعي لدى «أسوشييتد برس»: الوظائف الصحافية الروتينية ستلغى

ليسا غيبس تكشف لـ «الشرق الأوسط» عن أداة تطورها الوكالة لكشف الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي

من جلسة ليسا غيبس ضمن فعاليات منتدى الإعلام العربي الأسبوع الماضي (نادي دبي للصحافة)
من جلسة ليسا غيبس ضمن فعاليات منتدى الإعلام العربي الأسبوع الماضي (نادي دبي للصحافة)
TT

مسؤولة الذكاء الاصطناعي لدى «أسوشييتد برس»: الوظائف الصحافية الروتينية ستلغى

من جلسة ليسا غيبس ضمن فعاليات منتدى الإعلام العربي الأسبوع الماضي (نادي دبي للصحافة)
من جلسة ليسا غيبس ضمن فعاليات منتدى الإعلام العربي الأسبوع الماضي (نادي دبي للصحافة)

عند تصفح أجندة جلسات منتدى الإعلام العربي لهذا العام، لفت انتباهي، وانتباه غيري جلسة تحت عنوان «ثورة الروبوتات ومستقبل الصحافة». الموضوع مقلق لأهل المهنة. فهناك مخاوف باستبدالهم بـ«روبوتات» تنجز عملهم بسعر أقل وسرعة أعلى. وشحة المعلومات المتوفرة حول هذه الثورة، ومدى تأثيرها على غرف التحرير زادت من الإرباك. لذلك، لم يفاجئني إقبال حضور المنتدى من نخبة الإعلاميين على هذه الجلسة. وبعد ظهر اليوم الأول للمنتدى، طلت علينا ليسا غيبس مسؤولة استراتيجية الذكاء الاصطناعي لدى وكالة «أسوشييتد برس» (أ.ب) لتحدثنا عن هذه الظاهرة التي يتخيلها البعض بفنتازية أفلام الخيال العلمي. إلا أن الغموض تبدد شيئا فشيئا خلال الجلسة خصوصا عندما كشفت لنا غيبس أن الذكاء الاصطناعي بإمكانه أن يكون السلاح الأمثل لمحاربة ظاهرة الأخبار الكاذبة التي تهدد اليوم كبريات المؤسسات الإعلامية. انتهزت فرصة وجود غيبس في دبي علما أن مقر عملها في نيويورك لإجراء حديث معها عن أسئلة خطرت في بالي خلال الجلسة، فرحبت بذلك. فحدثتني عن توظيف الذكاء الاصطناعي في عالم الصحافة، وكشفت لي عن أداة «أ.ب فيريفاي» التي تطورها الوكالة لكشف الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي. ولم أستطع إلا أن أسألها سؤالا يراود جميع الصحافيين اليوم.. «هل ستطردنا التكنولوجيا من مكاتبنا وتعفينا من مهامنا؟» وفيما يلي نص الحوار:
> تلقت جلستك «ثورة الروبوتات ومستقبل الصحافة» خلال فعاليات منتدى الإعلام العربي الكثير من التغطية الصحافية. وعنونت معظم التقارير تصريحك بأن «الذكاء الاصطناعي أداة لصناعة ومحاربة الاخبار الكاذبة». فكيف ذلك؟
- هناك أدوات قد تستخدم لكتابة نماذج قصص. هذه النماذج قد توظف لتوليد كم كبير من الأخبار استنادا على بيانات يتم تجميعها. هذا النوع من التكنولوجيا بالإمكان أن توظفه المؤسسات الإعلامية المرموقة لضخ الكثير من القصص البسيطة مثل تغطيات المباريات الرياضية أو أخبار عن حالة الطقس أو حتى التقارير المالية. ولكن، قد يوظفها البعض الآخر أيضا لضخ الأخبار الكاذبة (Fake News). هذه الأخبار قد تكون بروباغندا سياسية، أو مجرد وسيلة لزيادة زيارات ومتابعات مواقع معينة لكي تستفيد من أرباح الإعلانات.
هناك أيضا تكنولوجيا أخرى أبدى المعظم قلقهم منها. هذه التكنولوجيا بإمكانها تجميع سلسلة من الصور لإنتاج صورة واحدة مزيفة بجودة صورة حقيقية يصعب التحقق منها. لكن، هنالك جانب مشرق لهذا التطور التكنولوجي، فإمكاننا اليوم كصحافيين توظيف الأدوات ذاتها للتحقق من صحة البيانات والمعلومات والصور بوتيرة أسرع من قبل.
نحن في وكالة أسوشييتد برس نعمل حاليا على تطوير أداة تتحقق من المعلومات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي. الطريقة اليدوية للتحقق اليوم من قبل الصحافي تتضمن بحثه عن مصدر المعلومات وتاريخ نشرها ومكان النشر أيضا، خصوصاً عند التأكد من صحة الصور. لكن، أصبح من الممكن اليوم من خلال التكنولوجيا المتوفرة بناء أداة تختصر العملية الشاقة على الصحافي وتنجز المهمة بوقت أقل.
> ظاهرة الأخبار الكاذبة أو المزيفة ليست وليدة هذا العصر. لكن التطور التكنولوجي أسهم بتفاقمها. هل تتفقين؟
- هذا بالفعل صحيح. السبب يعود إلى تضاعف سرعة نشر الأخبار الكاذبة عن طريق منابر التواصل الاجتماعي. كما أصبحت أدوات تسلح المهتمين بصناعة الأخبار الكاذبة متاحة اليوم بفضل التطور التكنولوجي. لكن، يجب ألا نهمل الحوار عن كيف بإمكان الأتمتة مساعدتنا بالتحقق من المعلومات المنشورة في القصص. أصبح من المقدور اليوم أن ينشر موقع إلكتروني خبرا ويتيح خاصية الضغط على المعلومات للقارئ للاطلاع على مصدرها ومصداقيتها. وينشط حوار مؤخرا حول المعايير التي تجعل من المنابر الإعلامية مصادرا موثوقة، والدور الإيجابي الذي قد يلعبه الذكاء الاصطناعي في مساعدة القراء والمستخدمين للتمييز بين المصادر والمنابر الموثوقة والكاذبة بسرعة أكبر.
> تقوم وكالتكم بتطوير أداة للتحقق من صحة البيانات «أ.ب فيريفاي» (AP Verify). ما هي أهداف المشروع؟ وهل اعتمدتم على شراكة مع «غوغل» لتطوير الأداة؟
- «أ.ب فيريفاي» أداة نقوم بتطويرها لمساعدتنا في التحقق من المواد المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أسرع. المشروع ينفذ في مكاتبنا بلندن، وتمول شركة «غوغل» جزءا من تكاليفه تحت «مبادرة غوغل للأخبار» في أوروبا. نستعين بعملاقة التكنولوجيا (غوغل) لمساعدتنا في الاستثمار بتقنية ذات جودة عالية لتأكيد نجاح الأداة المطورة. القطاع الإعلامي لا يمتلك دوما الموارد الكافية للإبداع.
تمتلك الكثير من المنابر الإعلامية مختبرات بحث وتطوير، لكن ليس بمقدورها تحقيق رؤيتها. لذلك، نحن بحاجة إلى دعم من «غوغل» ومؤسسات وشركات أخرى في حربنا على الأخبار الكاذبة والمعلومات المزيفة. قد نعتبر تجهيز أنفسنا بالتكنولوجيا معركة تسليح بين قوى الخير الصحافية وطاقات الأخبار الكاذبة.
لطالما كانت التكنولوجيا متغيرة. فقبل قرن، تمثلت في مهنة الصحافة بتدوين الأنباء على ورقة ومن ثم الاستعانة بالهاتف للاتصال بالمكتب الرئيسي ونقل الخبر، ومن ثم تطورت الصناعة. تشهد كل حقبة إعلامية زمنية تغيرات تكنولوجية تربكها أو تعطلها، لكن المعايير التحريرية والمهنية يجب أن تظل ثابتة بغض النظر. يجب أن نبقى أوفياء لمعايير الصحافة بمصداقيتنا ومهنيتنا وموضوعيتنا. لذلك، يتوجب علينا أن نعمل معا لنحرص على تطوير طرق تبرز عملنا وتمنحنا القدرة على الكشف عن المعلومات المغلوطة بسرعة، وبإمكان تقنيات الذكاء الاصطناعي مساعدتنا على ذلك.
> ذكرت أن المشروع ممول جزئيا من قبل «غوغل». ماذا ستستفيد شركة عملاقة من هذا المشروع الصحافي؟
- قامت «غوغل» باتخاذ قرار بأنها ستقوم بدعم الصحافة ذات الجودة العالية. الشركة تريد مساندة الابتكار في مجال الإعلام. ولذلك، قامت بتخصيص صناديق للمساعدة في هذا النوع من المشاريع. أعتقد أن شركات مثل «غوغل» و«تويتر» و«فيسبوك» بدأت بملاحظة الدور التي تلعبه منابرها في مجال مشاركة وتبادل الأخبار، ذات الجودة العالية والمتدنية. كما تعي الشركات ذاتها أن المجال الإعلامي يعاني من الإرباك خصوصا في مجال التنمية المالية المستدامة. ولذلك، فهي تبحث عن طرق جديدة لدعم المؤسسات الإعلامية المرموقة ومساعدتها في زيادة الأرباح المالية من خلال منابرها الإلكترونية، وهذا التوجه أعظم من السابق.
> عندما تنتهون من تطوير أداة التحقق، هل تعتزمون مشاركتها مع المؤسسات الإعلامية الأخرى؟ أم أنكم ستكتفون بمشاركة الأخبار الصادقة التي ستتحقق منها «أ.ب فيريفاي»؟
- أعتقد أننا سنقوم بعمل الشيئين. لدينا حاليا الكثير من الصحافيين في الوكالة مسؤوليتهم التحقق من الأخبار والمعلومات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي. يقومون بالتواصل مع شهود العيان في مقر الحدث وتأكيد المعلومات. هذه الأمور تصب في تحسين سرج الخبر وتعميمه. ونقوم بتوفير هذه الأخبار الموثوقة للمنابر الإعلامية ليستخدموها. مشروع تطوير الأداة هو مشروع وليد لعام 2018 الحالي، وما زلنا في المراحل الأولية. لذلك، ليس بإمكاننا تقييم فعالية الأداة بعد. وهناك كثير من التساؤلات التي لا نملك لها الإجابات إلى الآن. ولكن أعتقد أنه من أهم أهدافنا دعم ومساندة الإعلام ليتبنى الأدوات والخطوات اللازمة في ظل التقنيات المتاحة.
> هل ستكون أداة «أ.ب فيريفاي» متاحة للتحقق من المعلومات بلغات أخرى، كالعربية؟
- نقوم الآن بالتركيز على اللغة الإنجليزية في بناء الأداة، ولكن اعتقد انه سيكون بمقدورنا مواءمتها لقراءة لغات أخرى سرعان التأكد من فاعليتها. معلومات الصور الذاتية (مثل التاريخ والوقت مثلا) تسجل في الأجهزة الإلكترونية بالإنجليزية، ما سيسهل علينا الأمر، وما سيجعل الأداة مفيدة للخدمات غير الإنجليزية حتى لو لم نغير اللغة. اللغة العربية مهمة جدا لوكالة «اسوشييتد برس». لدينا اليوم قسمان لترجمة اللغات الأجنبية، وهما اللغة الإسبانية، واللغة العربية، لأهميتهما في عالم الأخبار.
> هنالك مخاوف يعبر عنها الصحافيون اليوم وهي أن الذكاء الاصطناعي سيقوم باستبدالهم، وجعلهم عاطلين عن العمل. هل تتفقين؟
- هذا السؤال عادة أول ما يطرح علي في المقابلات. نحن (في الوكالة) لم نقم بإلغاء أية وظيفة منذ أن بدأنا بتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي. إذ نوظف هذه التكنولوجيا لمساعدة صحافيينا. نعفيهم من المهام الشاقة والرتيبة لزيادة إنتاجيتهم وجودة عملهم. نريد أن يركز صحافيونا المؤهلون الذين يتمتعون بقدرات عالية أن يركزوا على جوانب المهنة المهمة مثل سرد قصص هامة ومحورية للقراء، والتركيز على التحقيقات الاستقصائية، والمواد المبدعة. لا نريد أن يجلس صحافيونا خلف أجهزتهم ك«الروبوتات» ينتجون قصصا بسيطة عن الطقس أو نتائج المباريات الرياضية أو عن البيانات في قطاع المال. هذه القصص تخسر قيمتها بسرعة فائقة في عالم الإنترنت. نرى أن الصحافيين يجب أن تتوفر لديهم الفرصة والوقت للعمل على القصص التي لديها تأثير وصدى في العالم. قمنا بشرح رؤيتنا لكادرنا، وجميع الموظفين يتفقون معنا.
> ماذا عن أولئك الصحافيين الذين تعودوا على تغطية هذه الأنباء وإنتاج القصص البسيطة إذن؟
- الوظائف التي تعتمد على العمل الروتيني المذكور أعلاه من الأرجح أن تلغى. ومن ثم يترتب على الصحافيين الذين كانوا يشغلونها تلقي التدريب اللازم للقيام بمهمات أخرى. وأعيد الذكر أننا لم نقم بإلغاء أية وظائف في وكالتنا، بل قمنا بتوظيف وقت الفراغ الذي أصبح متاحا بفضل الذكاء الاصطناعي ليستثمره الصحافيون بمهام أكثر أهمية. كما نظرنا إلى توفير تدريب لكادرنا لتمكينهم بالمهارات لتواكب التطور التقني الطارئ.
وعندما حولنا تغطية القصص عن الإيرادات الآلية عن طريق التقنية الجديدة، تفرغ كادرنا لتغطية المزيد من الأخبار التقنية والاقتصادية، وركز صحافيونا على العمل الاستقصائي. وفي بعض الحالات، وفرت لنا تقنية الذكاء الاصطناعي إمكانية تغطية قصص لم نكن نغطيها من قبل لعدم توفر الكوادر الكافية. فأصبح بإمكاننا اليوم تغطية مباريات كرة القدم الجامعية في الولايات المتحدة على سبيل المثال. لم يكن لدينا كادر كاف من قبل بمقدوره تغطية المباريات التي تحدث في الوقت ذاته. ومن خلال التقنية أصبح ذلك متاحا، ولهذه الأخبار جمهور يقدرها.
> يوفر الذكاء الاصطناعي اليوم إمكانية جمع الأخبار من مختلف أنحاء العالم، هل سيهدد ذلك دور المراسل، وهل سيقوم بإلغاء عمله؟
- نعي كليا حاجتنا للصحافيين. خصوصاً الملمين بمناطقهم، ولغتهم، ولديهم تجربة واسعة في تغطية مجالات معينة من ساحات القتال إلى الصحة والعلوم. هذه الاختصاصات مهمة جدا على الأرض. فحتى لو استطعنا إرسال «روبوت» للتغطية ولالتقاط صور، في أماكن يصعب للمراسل الوصول لها، تحت الماء مثلا، إذ استعنا بالروبوتات في الأولمبياد وفي مباريات كأس العالم وغيرها. لكن، ما زلنا بحاجة إلى الصحافي الذي يشغل هذه التقنيات، وآخر لشرح الموقف. فحتى لو أرسلنا «روبوت» إلى مكان الحدث، وغاب المراسل، فلن يكون بمقدورنا الفهم والتأكد مما يحدث، وما دلالات الحدث. وأعتقد أننا سنواجه مثل هذا المواقف في المستقبل، ويجب علينا أن نكون مستعدين للتعامل معها وكيف سنقوم بنقل المعلومات التي تجمعها الروبوتات إلى المستخدمين. فقد تدخل سياستنا التحريرية فقرة جديدة على الخبر تشرح أننا حصلنا الصورة أو الأنباء عن طريق «روبوت» في مكان الحدث، ومن ثم على المستخدمين أخذ ذلك في عين الاعتبار عند تحليلهم للخبر.


مقالات ذات صلة

شراكة بين «أكاديمية SRMG» و«الخليج» في التدريب الإعلامي

يوميات الشرق تستهدف الشراكة الأفراد والجهات الحكومية والشركات عبر مجموعة دورات تدريبية واسعة (الشرق الأوسط)

شراكة بين «أكاديمية SRMG» و«الخليج» في التدريب الإعلامي

أعلنت المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام عن شراكة بين «أكاديمية SRMG» وشركة «الخليج للتدريب» لتقديم برامج تدريبية متقدمة للقادة والمحترفين في الإعلام والاتصال.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تُسهم الشراكة في دفع عجلة النموّ وتعزيز الابتكار في السعودية والمنطقة (الشرق الأوسط)

«SRMG للحلول الإعلامية» و«ڤيرون» تستكشفان فرصاً جديدة في الإعلان والابتكار

أبرمت شركة SRMG للحلول الإعلامية (SMS)، مذكرة تفاهم مع «ڤيرون لخدمات التسويق الإعلاني»، ترتكز على رؤية مشتركة تهدف إلى تطوير منظومة التسويق في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق وصل الخبر قاسياً: صبحي عطري يُغادر الحياة فجأة (مواقع التواصل)

كأنّ الحياة أُسقِطت من الشاشة فجأة… صبحي عطري يُغادر بهدوء موجِع

شكَّل رحيل صبحي عطري المُفاجئ تذكيراً قاسياً للجميع بأنّ الحياة قصيرة، وأنّ لحظات السعادة والفرح يجب أن نعيشها بصدق وأمانة، لأننا لا نعلم متى قد يدهمنا الفراق.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق سارة خليفة (حسابها بـ«إنستغرام»)

«نقابة الإعلاميين» بمصر تعلن أن سارة خليفة «منتحلة صفة»

تصدر اسم المنتجة سارة خليفة، التي عملت لسنوات مذيعة بعدد من القنوات الفضائية، «الترند»، بموقع «غوغل»، الاثنين، بعد القبض عليها خلال الساعات القليلة الماضية.

داليا ماهر (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من أشغال الاجتماع الأفريقي حول مكافحة الأخبار الكاذبة (وزارة الاتصال الجزائرية)

الجزائر تُعِد خطة «للتصدي للأخبار المضللة»

أعلن وزير الاتصال الجزائري محمد مزيان عن العمل على إعداد خطة للتصدي «للأنباء المضللة»، وذلك خلال اجتماع عقده «مكتب التنسيق الأمني لشمال أفريقيا» في الجزائر.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

جاندارك أبو زيد فيّاض لـ«الشرق الأوسط»: «نفتقد أسُس الفصحى وأجواء الودّ»

مع زميليها الراحل جان خوري وشارلوت وازن الخوري (جاندارك ابو زيد فياض)
مع زميليها الراحل جان خوري وشارلوت وازن الخوري (جاندارك ابو زيد فياض)
TT

جاندارك أبو زيد فيّاض لـ«الشرق الأوسط»: «نفتقد أسُس الفصحى وأجواء الودّ»

مع زميليها الراحل جان خوري وشارلوت وازن الخوري (جاندارك ابو زيد فياض)
مع زميليها الراحل جان خوري وشارلوت وازن الخوري (جاندارك ابو زيد فياض)

تحمل جاندارك أبو زيد فياض، «أيقونة» الإعلام في زمن الأسود والأبيض، ألقاباً كثيرة. كما كرّمها وزير الإعلام السابق زياد مكاري بدرع الوزارة، ووصفها بـ«رسولة الإعلام الرسمي» في الحرب والسلم.

من خلال برنامج الأطفال، الذي كانت تتولّى تقديمه على شاشة تلفزيون لبنان في السبعينات، لقّبت بـ«ماما جنان». وفي مهرجان «الزمن الجميل»، كرّمت تحت عنوان «رائدة الإعلام المرئي».

وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، أخذتنا جاندارك في مشوار ذكريات امتدت لنحو أكثر من نصف قرن، وتكلّل بنجاحات لا تزال في البال.

صورة شخصية حديثة لجاندارك في عصر ما بعد "الأسود والأبيض" (جاندارك أبو زيد فياض)

أول وجه نسائي تلفزيوني

يوم تخرّج جاندارك من قسم الآداب في كلية «بيروت كولدج فور وومن» (الجامعة اللبنانية الأميركية اليوم) يوم لا يمكن أن تنساه. فقد حمل إلى جانب فرحة التخرّج اتصالاً، وردها من «تلفزيون لبنان»، جاء على خلفية لقاء جمع بين شقيقها ولوسيان الدحداح، مدير التلفزيون في عقد الستينات.

تتذكر ذلك اليوم، فتقول: «يومها، وإثر اتصال بي، توجّهت إلى مبنى التلفزيون في ضاحية الحازمية. وتفاجأت بطلب يقضي بمشاركتي في افتتاح القناة اللبنانية. كان عليّ أن أطلّ مع الراحل نجيب حنكش. وعندما سألته: ما مهمتي بالتحديد؟ أجابني: ولا يهمّك، أنا أتكلّم، وأنت الحقيني».

وتشير الإعلامية الكبيرة إلى أن وراء هذه السرعة في إتمام المهمة كان التاريخ المحدد لإطلاق قناة «تلفزيون لبنان»: «لقد كان عليهم أن يفتتحوها، قبل أن يفقدوا هذا الحق».

إطلالتها تلك حفرت تاريخ تلفزيون لبنان. إذ كانت أول وجه نسائي يطلّ عبر شاشة تلفزيون «لبنان والمشرق»، كما كان معروفاً في تلك الحقبة. وبعد نحو سنة على إطلالتها الأولى، طلبوها من جديد عام 1962. أما المناسبة فكانت تتعلق بالافتتاح الرسمي للقناة.

وهنا تشرح: «أذكر أنهم رتّبوا حديقة مبنى تلفزيون لبنان لهذه المناسبة. كان ذلك في شهر مايو (أيار)، وكان الحفل يتضمّن استضافة عازف الكمان عبود عبد العال وفرقته، إضافة إلى عرض شريط غنائي مصوّر للسيدة فيروز. كانت سفيرتنا إلى النجوم هي نجمة الحفل».

جاندارك مع بعض الزميلات بينهم نهى الخطيب سعادة وإلسي فرنيني (جاندارك أبو زيد فياض)

العلم كان يسبق الجمال السائد اليوم

كانت جاندارك أبو زيد (فياض لاحقاً) ترغب في دخول التلفزيون بهدف قراءة نشرات الأخبار. إلا أنها عملت في عدة مجالات أخرى، وضمن برامج ترفيهية وحوارية وثقافية، وكانت بجانب حضورها وثقافتها ذات ملامح جميلة وتتمتع بصوت دافئ.

وتتابع ذكرياتها، فتقول: «في الماضي، لم يكن الجمال هو الشرط الأساسي لقبول المذيعة. كانوا يشدّدون أكثر على الاختصاص الجامعي. اليوم، ألاحظ أن مذيعات التلفزيون يشبه بعضهن بعضاً... وبات من الصعب التفرقة بينهن. عندما عملت في التلفزيون كأول وجه نسائي، ما لبثت أن لحقت بي الراحلة نهى الخطيب سعادة. لقد ابتدأت مشوارها المرئي مذيعةً للربط. وكانت تملك نبرة صوت رائعة».

وتتابع جاندارك: «أشعر أن اختيار المذيعة التلفزيونية اليوم يرتكز على جمال الوجه بشكل أكبر. في الماضي، كان العلم والعربية الصحيحة مطلوبين أولاً. اليوم، هناك مشكلة مع كثرة الأخطاء من قبل مراسلي نشرات الأخبار للقنوات المرئية. إنهم يرتكبونها، ولا سيما ما يخص قواعد العربية. ومع أنني ألاحظ تحسّناً طفيفاً في هذا الموضوع، لا يزال الأمر بحاجة إلى اهتمام أكبر كي يصبح على المستوى المطلوب».

جدير بالذكر أن مهمة مذيعة الربط اختفت تماماً من الشاشة الصغيرة. واستعيض عنها بـ«البروموشين» الترويجي للبرامج. وهنا تعلّق جاندارك: «كنا في تلك الفترة أيضاً نركن إلى هذا النوع من الترويج، ولكن بشكل قليل. يومها لم تكن قنوات إلا (تلفزيون لبنان)... وأذكر أن الراحل إبراهيم مرعشلي كان يشارك في هذه التقديمات الصوتية. وفي إحدى المرات سجّلنا ما يشبهها في منزلي. كنا نستخدم آلة التسجيل الضخمة المعروفة بـ(ناغرا)...».

مع الراحلة صباح في احدى لقاءاتها الفنية عبر شاشة تلفزيون لبنان (جاندارك أبو زيد فياض)

التكنولوجيا تسهم بتحسين المرئي الحديث

تعدّ جاندارك أبو زيد فياض أن المحطات التلفزيونية حالياً محكومة بالتكنولوجيا: «لقد غيّرت وبدّلت من ممارسة مهنة المذيعة. كان المخرج في الماضي يجلس في ما نسمّيه الكنترول. وأنا في الأستوديو، وموظف الفيديو في ممر بعيد عنا. وكان من الصعب تصحيح أي خطأ نرتكبه. افتقادنا التواصل المباشر بعضنا مع بعض كان يؤخّر هذه العملية... وكنا نعتذر عن الخطأ بابتسامة أو كلمة بسيطة ونكمل البرنامج. أما اليوم، بفضل التكنولوجيا المتطورة، أصبحت الأمور أكثر سهولة وجمالية. وانعكست إيجاباً على المذيعة والفريق التقني وعلى المشاهد في آنٍ».

التلفزيون يوازي الصرح الجامعي أهمية

ترى جاندارك أن «التلفزيون مساحة تثقيفية كبيرة... توازي بأهميتها التخصص الجامعي. إنه يشكّل أداة تعليمية مهمّة إذا ما استحدثوا عبره برامج تعليمية وتثقيفية».

وعن سبب فقدان الشاشات أسماء تطبع الذاكرة، من مستوى الراحلين رياض شرارة وكميل منسى وجان خوري ونهى الخطيب سعادة وغيرهم، تردّ: «لم يكن موجوداً في زمننا إلا (تلفزيون لبنان). وكان يشكّل رابطاً وثيقاً عندهم، ولا سيما أنه لا خيار آخر بالإعلام المرئي متاح لهم. لا شك أن هناك اليوم إعلاميين ممتازين من مذيعين ومذيعات. ولكن كثرة الفضائيات ومحطات التلفزيون تصعّب مهمة فرز الأفضل والأهم والأشهر».

وسألناها عما إذا كانت تتمنى لو أنها عملت في الإعلام الحديث بدل الأبيض والأسود؟ فردت: «لا... أبداً... أنا سعيدة بتجربتي في تلك الحقبة. وأفضّل زمن الأبيض والأسود على الحالي. لقد كانت تجمعنا الألفة والمحبة وأجواء العائلة والودّ. حتى إن معظمنا المذيعات تزوّجنا من مخرجين في (تلفزيون لبنان). وأنا شخصياً ارتبطت بالمخرج جان فياض. وكانت نزهاتنا وسهراتنا ولقاءاتنا اليومية نجتمع فيها كلّنا».

برنامج «الصديقة جنان»

كما سبق، حقّقت جاندارك أبو زيد فياض في برنامجها الموجّه للأطفال «الصديقة جنان» نجاحاً كبيراً، رسخ في ذاكرة أجيال من اللبنانيين. وصار اسمها المعروف بسببه «ماما جنان». وعنه قالت: «لقد كان الناس عندما يلتقون بي ينادونني بهذا الاسم، وكأنهم يعرفونني منذ زمن طويل. وهذا اللقب لا يزال يرافقني حتى اليوم».

وفضلاً عن «ماما جنان»، ثمة برامج حوارية ثقافية وفنية أيضاً قدّمتها جاندارك أبو زيد فياض، كانت الرائدة فيها، منها «مجالس الأدب».

واليوم تنشغل جاندارك بتنظيم مهرجان «الزمن الجميل»، وهي واحدة من أعضاء لجنته التحكيمية. وهنا توضح: «هذا البرنامج أحمل له كل تقدير، لأنه يسلّط الضوء على شخصيات لبنانية حفرت في الصخر كي تصل إلى القمة، وتقديرها من خلال هذه الجائزة التكريمية تعني لها الكثير. وهذه اللفتة للدكتور هراتش ساغبازاريان يشكر عليها، لأنها تنبع من قلبه الكبير. ونسخة هذه السنة من المهرجان تحمل مفاجآت كبيرة».