«أخطاء غوغل» تثير تساؤلات بشأن تحكم الذكاء الاصطناعي في المعلومات

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

«أخطاء غوغل» تثير تساؤلات بشأن تحكم الذكاء الاصطناعي في المعلومات

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

أثارت أخطاء وقع فيه نموذج الذكاء الاصطناعي «جيميناي» التابع لشركة «غوغل»، أخيراً، تساؤلات بشأن مستقبل المعلومات والصور، ومدى تحكم تلك التطبيقات في «الذاكرة الجمعية» المستقبلية للبشر. وبينما أشاد بعض الخبراء بإقدام «غوغل» على الاعتراف بالخطأ، وإعلان عزمه العمل على تصحيحه. شدد الخبراء على «ضرورة التنبه لخطورة الذكاء الاصطناعي وتأثيره على تشكيل صورة لتاريخ البشر».

وكان الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندر بيتشاي، قد تحدث أخيراً، عن أخطاء وصفها بأنها «غير مقبولة على الإطلاق»، وقع فيها تطبيق «جيميناي» للذكاء الاصطناعي، حيث «ولد صوراً لقوات نازية متنوعة عرقياً، كما ولد صوراً غير دقيقة تاريخياً تظهر امرأة أميركية سوداء تُنتخب عضواً في مجلس الشيوخ في القرن التاسع عشر، في حين لم يحصل ذلك على أرض الواقع قبل عام 1992»؛ ما أثار جدلاً وانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط مخاوف من تأثير شركات التكنولوجيا الكبرى على مستقبل المعلومات.

واعترف المؤسس المشارك في «غوغل»، سيرغي برين بـ«حدوث أخطاء في عملية توليد الصور»، وقال في «هاكاثون» للذكاء الاصطناعي أقيم أخيراً، «كان ينبغي على الشركة اختبار برنامج (جيميناي) بشكل أكثر شمولاً»، بحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

وبينما تشيد الباحثة الإعلامية اللبنانية في شؤون الإعلام المعاصر والذكاء الاصطناعي وأستاذة الإعلام والتواصل، سالي حمود، بـ«اعتراف تطبيقات الذكاء الاصطناعي بالخطأ ومحاولتها تصويبه»، حذّرت من «خطورة هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على والبيانات».

وقالت حمود لـ«الشرق الأوسط» إن «الحديث عن مخاطر الذكاء الاصطناعي وتأثيرها على البيانات والذاكرة الجمعية ليس جديداً؛ لكنه تصاعد أخيراً مع إتاحة خدمات تطبيقات الذكاء الاصطناعي للأفراد، وبروزها على السطح بشكل كبير». وأضافت أن «البيانات الموجودة على الإنترنت، هي التي تكوّن الذاكرة الجمعية للأفراد، وتتحول مع الوقت معلومات يراها البعض حقائق حتى وإن لم تكن كذلك».

وتشير إلى «خطورة البيانات المتداولة على الإنترنت، لا سيما وأنها تشكل الخوارزميات التي تعطي في النهاية النتيجة التي يخرج بها تطبيق الذكاء الاصطناعي أياً كان»، لافتة إلى أن «صحة المعلومات مسؤولية البشر الذين يتولون برمجة الخوارزميات المختلفة، وتغذية الإنترنت بالبيانات».

حمود أوضحت أن «البشر لديهم انحيازاتهم وقيمهم ومعتقداتهم التي تؤثر بالتبعية على ما ينتجونه ويروّجونه من معلومات»، ضاربة المثل بأن «تطبيقات الذكاء الاصطناعي بناءً على تلك الانحيازات البشرية تبدو أكثر تفضيلاً للرجل الأبيض على سبيل المثال». ودعت إلى «الاهتمام بنشر المعلومات الصحيحة على الإنترنت، لا سيما ما يتعلق بالثقافة والهوية العربية، لمواجهة الهيمنة المعلوماتية والتكنولوجية للشركات الغربية».

وبحسب مراقبين، فإن تطبيقات الذكاء الاصطناعي يتم تدريبها باستخدام كميات هائلة من البيانات، بهدف استخدامها في مهام عدة، مثل إنشاء صور أو صوت أو حتى نص، كما يتم استخدامها في التشخيص الطبي أحياناً.

كما يلفت المراقبون إلى أن «البيانات والصور التي يولدها الذكاء الاصطناعي تعتمد على إنترنت مليء بالتحيزات والمعلومات (الزائفة والمضللة)؛ ما يعني إمكانية تكرار هذه البيانات غير الدقيقة في توليد صور وبيانات تتحكم في تاريخ ومستقبل البشرية».

ووفق المسؤولين في «غوغل»، فإنه «كانت هناك مساعٍ لإعادة التوازن لخوارزميات (جيميناي)، لتقديم نتائج تعكس التنوع البشري، لكنها جاءت بنتائج عكسية»، فنتيجة الحرص على التنوع «ولد التطبيق صوراً لقوات نازية متنوعة ومتعددة الأعراق بالمخالفة للوقائع التاريخية».

ورأى الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، محمد الصاوي، أن «تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل المعلومات يعتمد على قدرة الشركات الكبرى مثل (غوغل) على التحكم في تقنيات الذكاء الاصطناعي واستخدامها لتوليد وتوجيه المعلومات»، موضحاً أنه «عندما تقوم هذه الشركات بتطبيقات تعتمد بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي، فإنها تتحكم بشكل كبير في كيفية توجيه المعلومات وكيفية فهم المستخدمين للواقع». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «واقعة (غوغل) تعكس كيف يمكن لهذه التقنيات أن تخطئ وتؤثر على المعرفة وعلى فهم الناس للتاريخ والحقائق»، مشيراً إلى أن «الصور الخاطئة والمعلومات غير الدقيقة يمكن أن تنتشر بسرعة وتؤثر على الثقة في المعلومات التي يستند إليها الناس في اتخاذ القرارات».

ويقترح الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي لمواجهة هذا التحدي، أن تعمل الحكومات والجهات الرقابية على بناء إطار قانوني يحدد المعايير والمسؤوليات لشركات التكنولوجيا فيما يتعلق بتوليد ونشر المعلومات، مع وضع متطلبات صارمة للشفافية والمراجعة المستقلة لخوارزميات الذكاء الاصطناعي المستخدمة، بالإضافة إلى تشجيع الابتكار في تطوير تقنيات تصحيح الأخطاء وتحسين دقة البيانات والمعلومات التي تعتمد عليها هذه الخوارزميات».

ومنذ طرح شركة «أوبن إي آي» روبوت المحادثة «تشات جي بي تي» للاستخدام في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، أثير جدل بشأن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتأثيراتها على مختلف المجالات وبينها الصحافة، لا سيما مع إشارة أبحاث عدة إلى مخاطرها؛ ما دفع حكومات دول عدة إلى محاولة وضع قواعد لكبح جماح التقنية.

وفي مارس (آذار) 2023، طالب أكثر من ألف عالم متخصص في التكنولوجيا بـ«هدنة صيفية لمدة 6 أشهر، تستهدف الاتفاق على قواعد حوكمة الرقمية». إثر ذلك بدأ عدد من المشرّعين الأوروبيين العمل على تشريعات جديدة في هذا الصدد. أيضاً، بين الحين والآخر تفرض دولة ما حظراً على تطبيق من تطبيقات الذكاء الاصطناعي بداعي «حماية البيانات»، كما فعلت إيطاليا في أبريل (نيسان) 2023.

وتثير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مخاوف عدة بشأن انتشار «المعلومات المضللة»، و«انتهاك الخصوصية»؛ لذلك تتجه دول عدة لحوكمته ووضع ضوابط لاستخدامه. ولتجاوز الانحيازات البشرية والمعلومات «الزائفة» يدعو خبراء ومراقبون إلى «زيادة التنوع في الفِرق المشرفة على إنشاء وتغذية تطبيقات الذكاء الاصطناعي»؛ تزامناً مع «زيادة الشفافية عن كيفية عمل خوارزمياتها، بهدف تحسين البيانات التي تولدها تلك التطبيقات».

أخيراً، يتجه العالم إلى حوكمة الذكاء الاصطناعي، وفي نهاية العام الماضي اتفق الاتحاد الأوروبي، على ما عُدّ «أول تشريع شامل لحوكمة الذكاء الاصطناعي». بهدف «ضمان أمن السوق الأوروبية»، جنباً إلى جنب مع «تحفيز الاستثمار والابتكار في تطوير وتسهيل أدوات التعامل مع الذكاء الاصطناعي». ومن المقرر أن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ عام 2025.


مقالات ذات صلة

جنوب أفريقيا تعتبر طرد سفيرها في واشنطن «مؤسفاً»

أفريقيا سفير جنوب أفريقيا لدى الولايات المتحدة إبراهيم رسول (أ.ب)

جنوب أفريقيا تعتبر طرد سفيرها في واشنطن «مؤسفاً»

اعتبرت جنوب أفريقيا اليوم (السبت) أن طرد الولايات المتحدة سفيرها في واشنطن إجراء «مؤسف».

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث للصحافة قبل صعوده إلى طائرة الرئاسة في قاعدة أندروز الجوية (أ.ف.ب)

بينها دول عربية... إدارة ترمب تدرس فرض حظر سفر على عدد من الدول

تدرس إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض قيود سفر واسعة على مواطني عشرات الدول في إطار حظر سفر جديد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث للصحافيين قبل صعوده إلى طائرة الرئاسة أثناء مغادرته قاعدة أندروز المشتركة في ماريلاند (رويترز)

ترمب كان «ساخراً بعض الشيء» عندما وعد بإنهاء حرب أوكرانيا خلال 24 ساعة

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمس الجمعة أنه «كان ساخراً بعض الشيء» عندما زعم كثيراً وهو مرشح أنه سيحل مشكلة الحرب بين روسيا وأوكرانيا في غضون 24 ساعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ مبنى الكابيتول الأميركي (أ.ف.ب)

«الشيوخ الأميركي» يقر ميزانية مؤقتة لتجنب شلل الحكومة الفدرالية

أقر مجلس الشيوخ الأميركي، الجمعة، ميزانية مؤقتة تجنب الإدارة الفدرالية الشلل أو ما يعرف بـ«الإغلاق».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ سفير جنوب أفريقيا لدى الولايات المتحدة إبراهيم رسول (وسط) (السفارة التركية في جنوب أفريقيا عبر فيسبوك)

أميركا تطرد سفير جنوب إفريقيا وتصفه بأنه «يكره» ترمب

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، يوم الجمعة، إن سفير جنوب أفريقيا لدى الولايات المتحدة لم يعد موضع ترحيب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

لبنان: نجاة شرف الدين... أول «ناطقة باسم الرئيس»

خلف المايكروفون في القصر الجمهوري (نجاة شرف الدين)
خلف المايكروفون في القصر الجمهوري (نجاة شرف الدين)
TT

لبنان: نجاة شرف الدين... أول «ناطقة باسم الرئيس»

خلف المايكروفون في القصر الجمهوري (نجاة شرف الدين)
خلف المايكروفون في القصر الجمهوري (نجاة شرف الدين)

كانت تتمنى دخول السلك الدبلوماسي لتكون سفيرة لبلدها لبنان، ولكن القصر الرئاسي ناداها.

كل من يعرفها يعترف بتمتعها بصلابة ناعمة تخوّل لها إتقان التحاور مع الآخر. نجاة شرف الدين تملك خبرة إعلامية واسعة تدرّجت فيها ما بين المرئي والمسموع والمكتوب. وأخيراً سمّيت الناطقة الإعلامية الرسمية باسم رئاسة الجمهورية.

هذا الخبر لم يفاجئ زملاءها، لا سيما أنها على علاقة طيبة مع الجميع، بيد أن اللافت في الموضوع هو طبيعة المنصب الذي تبوأته. ذلك أنه، بصفته الحالية، استُحدث مع وصول رئيس الجمهورية اللبناني الجديد العماد جوزيف عون. وعندما طلب شخصاً يتولّى هذه المهمة بالصفات التي يرغب بها، وقع الخيار عليها، فوافق بسرعة كونها تستوفي جميع الشروط التي يريدها. ومَن يعرف الرئيس عون يشير إلى حرصه الشديد على اختيار من يراه الشخص المناسب للمكان المناسب. وهكذا، أصبحت نجاة شرف الدين أول إعلامية «ناطقة باسم الرئيس»، ودخلت القصر لتكون سيّدته الإعلامية لست سنوات مقبلة. وبالمناسبة، استُحدث المنصب من باب مواكبة الإعلام الرئاسي بأسلوب عصري يشتهر في الغرب، ويتمثّل بالتعبير عن مواقف رئيس الجمهورية اللبنانية ضمن بيانات رسمية... وأحياناً لنقل توضيحات معينة صادرة عنه.

نجاة شرف الدين "الناطقة باسم الرئاسة اللبنانية" (نجاة شرف الدين)

خلفية شخصية

ولكن، من هذه الإعلامية التي تدخل حلقة رئاسة الجمهورية؟

إنها ابنة بلدة الطيّبة الحدودية الجنوبية، في قضاء مرجعيون. تلقت تعليمها الجامعي متخصصة بالإعلام والاتصال في الجامعة اللبنانية. وهي متزوّجة من وزير المالية السابق الدكتور غازي وزني، وتردّد دائماً بأنه لو تسنى لخطة زوجها المالية رؤية النور لكان أمكن إنقاذ البلد اقتصادياً. وأما بالنسبة لهواياتها وشغفها، فإنها تهوى السفر والاستماع إلى أغاني فيروز وأم كلثوم وعبد الحليم والطرب الأصيل.

مهنياً، تعدّ نجاة شرف الدين فعلياً ثاني امرأة تتولى مهمة إعلامية في القصر الجمهوري؛ إذ سبقتها الإعلامية مي كحالة في عام 1990 بصفة «المستشارة الإعلامية في رئاسة الجمهورية». وكانت كحالة قد لمعت بدايةً إبان عملها في صحيفة «النهار»، واختارها للمنصب رئيس الجمهورية الأسبق الراحل إلياس الهراوي. وتجدر الإشارة، إلى أن التعارف بينهما حصل عندما حاورته في برنامج تلفزيوني كانت تقدمه بعنوان «أيها اللبنانيون». وكانت كحالة تلتقي في ذلك البرنامج مع مرشحين لتولي مركز رئاسة الجمهورية. وعندما سألته في أثناء المقابلة عن أول خطوة يرغب في القيام بها إذا ما فاز بالرئاسة، أجابها: «ستكونين معي مستشارةً إعلامية». وبالفعل، حافظ الرئيس الهراوي على وعده للإعلامية الطموحة، ووقع عليها اختياره لتولي منصب الناطقة باسم لرئيس الجمهورية.

مع الرئيس جوزاف عون (نجاة شرف الدين)

مع الإعلام المرئي

أما شرف الدين فقد عملت في الإعلام المرئي، وبالتحديد في قناة «المستقبل» لمدة 20 سنة. وكانت تقدّم النشرات الإخبارية، وكذلك برامج حوارية كان آخرها «ترانزيت». ومن نشاطاتها في هذا المضمار تغطيتها بوصفها مراسلة لـ«المستقبل» مؤتمرات دولية جرت في أفغانستان والعراق.

ولكن، في عام 2013 لملمت شرف الدين ذكرياتها في هذه المحطة وقرّرت مغادرتها. وفي حينه، برّرت قرارها بأنه مبني على ضرورة التغيير، وأن التجربة المرئية في «المستقبل» طالت. وأيضاً، تخللها في الأيام الأخيرة قبل إقفال أبوابها نهائياً تقليص نفقات وإنتاجات.

من هناك، توجهّت نحو صرح إعلامي آخر، ولكن من النوع المسموع هذه المرة؛ إذ دخلت إذاعة «صوت كل لبنان» لتتولى تقديم البرنامج السياسي «لقاء الأحد»، لتحلّ بدلاً من الإعلامية الراحلة جيزيل خوري. وكانت خوري قد اضطرت إلى ترك الإذاعة إثر عملها بقناة الـ«بي بي سي» العربية. وحقاً، بقيت شرف الدين ضمن عائلة «إذاعة صوت كل لبنان» حتى قبل أيام قليلة من تسميتها «الناطقة الإعلامية لرئاسة الجمهورية». وبعد نحو 10 سنوات من العمل الإذاعي تخلله 3 سنوات عمل في قناة «العربي»، لملمت أغراضها مجدداً لتخوض تجربة مهنية مختلفة.

وما يجدر ذكره في هذا السياق، أن شرف الدين كانت قد مارست الإعلام المكتوب في مجلة «الشراع»، وفي مواقع إلكترونية عديدة بينها «بوست 180». وإذا ما سألتها اليوم عن المجال الإعلامي الأقرب إلى قلبها تردّ بسرعة «إنه الإعلام المكتوب».

علي جابر... المدير الأستاذ

في العمل الإذاعي، استمتعت نجاة شرف الدين بالتفاعل الذي لاقته من قبل المستمعين، خاصة أنها لم تكن تتوقع أن يكون للمسموع في زمن الصورة كل هذا الازدهار. وعليه، كانت تجربة جديدة تدرجها على لائحة «خبرات» من نوع آخر. وتعتبر رواج الـ«بودكاست» اليوم، تكملة لزمن المسموع الذهبي، ولكن بقالب مختلف.

طيلة ممارسة شرف الدين مهنة الإعلام تعاونت مباشرة مع عدد من مديري المؤسسات التي دخلتها. وبالنسبة لها، فإن مدير تلفزيون «المستقبل» (آنذاك)، علي جابر، أكثر من أثّر في مشوارها الإعلامي؛ إذ زوّدها بالثقة بالنفس، وبخبرة رفيعة المستوى سببها أسلوبه في العمل. وهو منذ اللحظة الأولى، وضعها بمواجهة التحديات في عملها الصحافي. وكان يرفض السطحية في تنفيذ المحتوى، ويصرّ على التعمق بأي مهمة تقوم بها. ذلك الأمر ما كان يقتصر على قراءة نشرة أخبار، بل المتابعة والإلمام بكل التطوّرات على الأرض.

«لا أعرف» تحفّزها للبحث المستمر

تتمتع نجاة شرف الدين بشخصية ليّنة ومطواعة، تصغي إلى الآخر بدقة، وتشعر دائماً بأنها تحتاج إلى المعرفة. ولطالما ردّدت: «ولا مرة أجاهر بمعرفتي بأمور كثيرة، وأفضّل عليها عبارة (لا أعرف) لأنها تحفّزني على البحث المستمر». وهنا نشير إلى أنه منذ أن شاع خبر تسميتها «ناطقة إعلامية لرئاسة الجمهورية» انتظر الجميع إطلالتها على المنصة الإعلامية في القصر. ولكن الإطلالة تأخرت لأيام قليلة لبضعة أسباب، في مقدمها أنه كان عليها التعرف إلى طبيعة مهمتها وإلى فريق العمل.

واليوم تأتي إطلالتها بشكل محدود وفي مناسبات معينة. ويتطلّب الأمر التركيز على حدث معين يجري في القصر، من دون الحاجة إلى إطلالات متكرّرة لا جدوى إعلامية منها.

القصر والمحطة الأخيرة

كما سبق، حتى اليوم أطلّت نجاة شرف الدين مرات قليلة على الشاشة. وكانت تتلو في كل مرة على الإعلاميين مراسلي القصر الجمهوري نتائج مباحثات أو لقاءات أجراها الرئيس عون. فهل يمكن أن يشكّل القصر آخر المحطات الإعلامية في مشوارها؟

مَن يعرف شرف الدين يدرك تماماً بأن هذا الأمر غير وارد في أجندتها المهنية.

صحيح أنها تصف مركزها الإعلامي اليوم بـ«المكافأة المعنوية لمشوار متعب ومضنٍ»، إلا أنها ترفض اعتباره المحطة الأخيرة. وبرأيها لا يمكن للحياة أن تخلو من الفرص، ومن ثم، فالتجربة الإعلامية التي تعيشها اليوم ممتنّة لها بشكل كبير، ولكنها بالتأكيد لن تكون الأخيرة.