وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

هل تستطيع «أوبك» إخراج النفط من {سوق الدببة} ؟

دخلت أسعار النفط مؤخراً ما يعرف بـ«سوق الدببة» (bear market)، وهو اصطلاح لتعريف ما يحدث لأي سلعة إذا هبطت أسعارها بواقع 20 في المائة. وبعد أن أصبحت أسعار النفط تتداول في مستويات تحت الستين دولاراً، وهي مستويات «الألم» بالنسبة للمنتجين، خصوصاً مع دخول النصف الثاني الذي تعلن فيه ميزانيات الدول، بدأت دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في التحرك لوقف نزيف الأسعار.
وكالعادة في مثل هذه المواقف الصعبة، تبدأ السعودية بالتحرك لأنها صاحبة الثقل الأكبر في السوق والمنظمة، ونقلت وكالة بلومبرغ، يوم الخميس، عن مسؤول سعودي قوله إن المملكة بدأت في التباحث مع المنتجين في كيفية وقف هبوط الأسعار، وإنها لن تسمح بهذا الأمر.
وأعلنت المملكة (وإن كان نقلاً عن مصادر مقربة) أنها سوف تقوم بتخفيض كمية النفط المخصصة للزبائن في شهر سبتمبر (أيلول) بواقع 700 ألف برميل يومياً عما هو متفق عليه، ليصبح مستوى صادراتها تحت 7 ملايين برميل يومياً. وسوف يشهد زبائن شركة أرامكو السعودية في الولايات المتحدة تخفيضاً في المخصصات، بواقع 300 ألف برميل يومياً، الشهر المقبل، فيما لن يشهد زبائن آسيا تخفيضاً كبيراً في الكمية المخصصة لهم.
هذه الإعلانات أعطت نوعاً من الطمأنة للسوق النفطية بخصوص جانب الإمدادات، وقدمت دعماً لأسعار النفط يوم الخميس، ولكن هذا الدعم لن يطول لأن السوق تتفاعل حالياً مع العناوين المتعلقة بالحرب التجارية مع الصين أكثر منها مع العناوين الصادرة من «أوبك»، إذ إن السوق قلقة حول الطلب وليس العرض، لأن الأخير ما زال يتراجع من دول «أوبك» طواعية وغير طواعية، نظراً لهبوط إنتاج فنزويلا وإيران والسعودية. وبحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية الشهري، الصادر أمس (الجمعة)، فإن إنتاج السعودية في يوليو (تموز) انخفض بنحو 120 ألف برميل يومياً، فيما انخفض إنتاج إيران بواقع 50 ألف برميل، وفنزويلا بنحو 60 ألف برميل.
ومع ذلك، رجعت الضبابية إلى السوق حول الطلب بسبب تقرير وكالة الطاقة الدولية، التي قالت فيه إن توقعات الطلب هذا العام «هشة»، وهي الأسوأ منذ الأزمة المالية العالمية التي ضربت الأسواق في عام 2008. وبحسب تقرير الوكالة، فإن الطلب على النفط في الأشهر الخمسة الأولى نما بصورة متواضعة عند 520 ألف برميل يومياً. وكانت وكالة الطاقة الدولية قد توقعت أن ينخفض الطلب على النفط في العام المقبل بنحو 1.3 في المائة. ومع الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، فإن توقعات الطلب ستكون أكثر سلبية.
ولكن هناك ما يشجع، ولو بصورة طفيفة، وهو أن الطلب على النفط في الصين في النصف الأول من العام الجاري ارتفع بنحو نصف مليون برميل يومياً، وهي زيادة عن تقديرات وكالة الطاقة الدولية في الشهر الماضي، التي كانت عند 245 ألف برميل يومياً. وتتوقع الوكالة أن يكون نمو الطلب في الصين لكامل عام 2019 عند مستوى نصف مليون برميل يومياً، أما العام المقبل فإنه سينمو بنحو 285 ألف برميل.
وأمام هذه السلبية في الطلب، هل ستتمكن «أوبك» من تصحيح مسار الأسعار ووقف الهبوط؟ في نظري، لا أتصور أن «أوبك» لديها كثير من الخيارات، ما دام أن الضبابية حول الطلب مستمرة.
ولكن أمامها خيار واحد حالياً، وهو تقليص المعروض بأكثر مما هو مطلوب حتى تتوازن السوق، ولا يكون هناك نفط إضافي فوق الطلب «الهش». ولكن هل تنظر باقي دول تحالف «أوبك+» إلى السوق بنظرة «أوبك» نفسها؟ لا يبدو هذا واضحاً، وسوف نحتاج إلى أن ننتظر حتى الشهر المقبل، عندما تجتمع اللجنة الوزارية لمراقبة الإنتاج في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وهناك سوف نرى إذا ما كان التحالف مستعداً للانضمام إلى مساعي «أوبك».
وقد يكون هناك لبس في أن «أوبك» تريد رفع أسعار النفط فقط. قد يكون هذا الظاهر، ولكن الأسعار تنخفض بسبب اختلال في ميزان العرض والطلب، حيث إن الطلب يضعف مع سياسات الولايات المتحدة تجاه شركائها التجاريين، ولا تستطيع «أوبك» أن تفعل شيئاً سوى أن توازن السوق، من خلال تقليص المعروض، وهذا ليس تدخلاً في الأسعار، بل مواكبة للتغيرات في السوق، حتى إن كانت الأسعار هي المحرك الرئيس.