أحلام الثراء تتبخر عند المشهد الأخير

أبطالها محبطون والنهايات السعيدة ممنوعة

Lawrence of Arabia «لورنس العرب» عمر الشريف وبيتر أوتول
Lawrence of Arabia «لورنس العرب» عمر الشريف وبيتر أوتول
TT

أحلام الثراء تتبخر عند المشهد الأخير

Lawrence of Arabia «لورنس العرب» عمر الشريف وبيتر أوتول
Lawrence of Arabia «لورنس العرب» عمر الشريف وبيتر أوتول

نشرت مجلة «أميركان سينماتوغرافر» قبل حين ليس ببعيد قائمتها من الأفلام التي تميّزت بأفضل تصوير سينمائي في التاريخ. المجلة هي لسان حال «جمعية مدير التصوير الأميركية» والاستفتاء شمل أعضاء الجمعية (قرابة 400 عضو) لذلك من الصعب الشك باختيارات القائمين بها كونهم من ذوي الخبرة والدراية.
الجمعية التي تحتفل بعيد ميلادها المائة هذا العام، هي بيت مديري التصوير المنتمين إليها سواء أكانوا أميركيين أو مهاجرين يعملون في الولايات المتحدة. وما طلب منهم كان في فحواه بسيطاً: على كل واحد وضع قائمة من عشرة إلى 25 فيلماً يعتبرها من درر التاريخ حين يصل الأمر إلى فن التصوير فيها.
النتيجة التي توصل إليها المنتخبون تستدعي الاهتمام مكتفين هنا بالأفلام العشرة الأولى من أصل مائة فيلم تم انتخابها مع تعليق الناقد الخاص بكل فيلم على حدة.
1 - «لورنس العرب» Lawrence of Arabia
تصوير: فردي يونغ (1962)
فيلم ديفيد لين الأشهر حول العرب والصحراء والعميل البريطاني الذي تسلل لرسم خارطة النفوذ من بعد رحيل السلطنة العثمانية عن بلاد الشام. مشاهد الفيلم تشي بحب المكان وبتشكيل ممثليه حسب تضاريسه وطبيعته.
2 «راكض النصل» Blade Runner
تصوير: جوردان كروننوذ (1982)
فيلم ريدلي سكوت ينتمي للخيال العلمي لكن بصفة مختلفة عن السائد. تصوير كروننوذ مال إلى استخدام الضوء والظلال بطريقة «الفيلم نوار» مستفيداً من صلاحية الموضوع وطبيعة تصاميمه لتحقيق ذلك.
3 «سفر الرؤيا» Apocalypse Now
تصوير: فيتوريو ستورارو (1979)
الفنان الإيطالي عمل في ظروف تصوير صعبة لكنها استطاع وضعها جميعاً في صندوق مقفل وانصرف إلى ممارسة إبداعه. أحد التحديات الكثيرة لفيلم استغرق تصويره سنة ونصفا هي تفعيل عميق للمشهد عبر استخدام مدروس لتأطير المشهد وإضاءته. التصوير في الغابات لم يوازه صعوبة إلا تأمين تجسيد فعلي للحياة فيها وغاية تصوير المستنقع الذي اسمه «حرب فيتنام».
4 «المواطن كاين» Citizen Kane
تصوير: غريغ تولاند (1941)
في الكثير من الأوجه عمد مدير تصوير هذا الفيلم إلى إنجازات فنية غير مسبوقة حينها. الفيلم بالأبيض والأسود وهناك براعة في توظيف ذلك، لكن ما هو أهم إنشاء علاقة بين المضمون وبين أبعاد الصورة لخلق حالة نفسية ناجحة. إخراج: أورسون ولز.
5 «العراب» The Godfather
تصوير: غوردون ويليس (1972)
شغل مدير التصوير ويليس (الذي كان حتى ذلك الحين غير معروف على نطاق واسع) نفسه بواجب السيطرة على كل جوانب العمل في مضماره. هذا تضمن منح الفيلم الشروط الفنية الكفيلة بعدم تغيير أي من شروط التصوير خلال الطبع معتبراً أن رؤية مدير التصوير كرؤية المخرج. كلاهما لا يُمس.
6 «الثور الهائج» Raging Bull
تصوير: مايكل تشابمان
يكاد يكون فيلم مارتن سكورسيزي المصوّر بالأبيض والأسود على قمة الأفلام التي أحبها النقاد له. بعض التقدير ناتج عن ذلك التصوير المشبع والآخذ بعين الاعتبار عمق الشاشة وتكوين شروط الصورة المرتبطة بالمرحلة النفسية التي يمر بها بطل الفيلم روبرت دينيرو تماماً كما حال فيلم أورسن وَلز «المواطن كاين» من هذه الناحية.
7 «الممتثل» The Confirmist
تصوير: ڤيتوريو ستورارو (1970)
مثال آخر على فن صنع الصورة بريشة مدير التصوير الإيطالي ستورارو. المخرج برناردو برتولوتشي حقق أفضل أعماله في انطلاقته الأولى وهذا الفيلم كان أحدها (لجانب «استراتيجية العنكبوت» و«1900»).
8 «أيام الجنة» Days of Heaven
تصوير: نستور ألمندروس (1978)
استعان المخرج ترنس مالك بمدير التصوير الإسباني ألمندروس وطلب منه تصوير جماليات المكان. لاحقاً ما رمى المخرج السيناريو وطلب من ممثليه الرئيسيين سام شبرد وبروك أدامز ورتشرد غير ابتكار مواقفهم. لكن ما يلفت الانتباه هو أن ألمندروس صوّر 19 أسبوعاً من 72 أسبوع تصوير. الأميركي هاسكل وكسلر لذلك يقفز السؤال حول تصوير من الذي نتحدث فيه؟ ألمندروس أو وكسلر (كلاهما ذو أسلوب مختلف). بالنظر إلى الفيلم يتبين أن أندروس وضع الأساس والصيغة البصرية وكان لا بد لهكسلر الاقتداء بهما.
9 «2001: أوديسا فضائية» 2001‪:‬ A Space Odyssey
تصوير: جيفري أنزوورث (1968)
وصف ستانلي كوبريك فيلمه بأنه «فيلم ألوف التفاصيل». جيفري أنزورث وافقه على ذلك وهو الأخبر بتلك التفاصيل. كان يحتاج، حسب ما قرأته عن الفيلم، لا لتصوير الفيلم فقط، بل للاحتفاظ بمفكرة من صور البولارويد لكل لقطة نظراً لعقدها المختلفة. النتيجة ساحرة كنتائج ما سبق من أفلام.
10 «الصلة الفرنسية» The French Connection
تصوير: أووَن رويزمان (1971)
الفيلم نموذجي للتصوير في شتاء مدينة مثل نيويورك ورويزمان أراد التقاط التفاصيل الواقعية طوال الوقت. تحديات كثيرة تقع في هذا المضمار تتجلى في المشهد الذي يقع في محطة قطار تحت الأرض بين فرناندو راي وجين هاكمن. هنا فكّر رويزمان بطبيعة الحال بالاستعانة بإضاءة إضافية، لكنه قرر في النهاية الاكتفاء بالمتوفر. النتيجة مبهرة لفيلم من هذا النوع.

عروض جديدة
Diner ‬(جيد)
• إخراج: ميكا نيناغاوا
• النوع: تشويق
تقود أقدار فتاة عادية الصفات وعاطلة عن العمل لقبول وظيفة نادلة في مطعم تؤمه شخصيات من عتاة المجرمين في هذا الفيلم الأول لمخرجته. الفيلم يذكر بأعمال الأميركي كونتن تارانتينو الأولى.

Anna ‬(وسط)
• إخراج: لوك بيسون
• النوع: تشويق وأكشن.
عودة المخرج الفرنسي بيسون إلى توليفة فيلمه السابق La Femme Nikita مع بعض التغيير في الحكاية وأبطالها. ما لم يصاحب هذه العودة الجاذبية الخاصة لفيلمه السابق وحماسه للعمل المبدع.

Danger Close (جيد)
• إخراج: ‪كريڤ ستندرز‬
• النوع: حربي
حرب فيتنام منسية اليوم إلا من بال المخرج الأسترالي الذي يصوّر واحدة من المواقع القتالية العنيفة التي شاركت فيها قوات أسترالية. الحكاية ليست بالضرورة جديدة، لكن إخراج الفيلم مثير.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.