ليونيد بيرشيدسكي
TT

إيران تواجه عواقب ازدرائها ترمب

تبدو تغريدة ترمب الأخيرة التي أخبر خلالها إيران بأنها ستعاني «عواقب لم يتعرض لها سوى قليل من البلدان على مر التاريخ»، شبه متطابقة من حيث ألفاظها مع تهديد شديد اللهجة كان قد أطلقه في أغسطس (آب) 2017 بخصوص كوريا الشمالية. وقد توعد ترمب حينذاك بـ«النار والغضب والقوة الصريحة التي لم يرَ العالم مثلها من قبل». وتبدو النبرة على القدر ذاته من الجدية هذه المرة، لكن يبدو أن ترمب يحمل بداخله قدراً أكبر من السخط حيال إيران.
وتأتي تغريدة ترمب رداً على الخطاب الذي ألقاه الرئيس الإيراني حسن روحاني مؤخراً، وحذر خلاله الرئيس الأميركي من «العبث بذيل الأسد»، وأضاف: «يتعين على الأميركيين أن يدركوا أن السلام مع إيران هو (أُمّ اتفاقات السلام) جميعها، والحرب ضدها هي (أُمّ الحروب جميعها(».
بطبيعة الحال، لم يكن روحاني يهدد بمهاجمة الولايات المتحدة، وإنما كان يحذرها من شن هجوم ضد إيران. ولا يختلف الخطاب هنا كثيراً عن خطاب كوريا الشمالية، وإن كان يبدو فارغاً من أي مضمون حقيقي بدرجة أكبر هنا؛ ذلك أن إيران، على خلاف الحال مع كوريا الشمالية، لا تمتلك أسلحة نووية، وليس لديها سبيل للتصدي للقوة العسكرية الأميركية التقليدية. ومع هذا، يثير الإيرانيون غضب ترمب بدرجة أكبر عما يفعله زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون، ليس لأنهم أشد خطورة، وإنما لأنهم يرفضون مسايرته في اللعبة السياسية التي يخوضها.
من ناحيته، وافق كيم على مقابلة ترمب، وبدا اللقاء عرضاً تلفزيونياً رائعاً. ومن الواضح أن هذا الأمر كان أهم بالنسبة لترمب أكثر من جوهر المشكلات العالقة بين بلاده وكوريا الشمالية. ورغم أنه لم تُبذل جهود متابعة تذكر بالنسبة للاتفاقات المبدئية التي أبرمت في سنغافورة، فإن ترمب توقف عن توجيه الإهانات والتهديدات عبر وخارج «تويتر».
الاحتمال الأكبر أن ترمب رغب في إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي متعدد الأطراف المبرم مع إيران عام 2015، والذي يصر ترمب منذ فترة طويلة على أنه ضعيف ولا يخدم المصالح الأميركية. وعليه، فإن التعالي الإيراني كانت له عواقبه، ففي مايو (أيار) الماضي قرر ترمب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق. وأثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غضب ترمب بذكاء من خلال إبقاء تركيزه منصبّاً على الوجود الإيراني داخل سوريا، حيث قدمت إيران جنوداً على الأرض لمعاونة الرئيس السوري بشار الأسد. أيضاً، وطلبت السعودية، التي سعت لبناء علاقات طيبة مع ترمب، من الرئيس الأميركي كبح جماح النفوذ الإيراني بالمنطقة.
من المحتمل أن يكون الأوان قد فات الآن لتنظيم حدث على غرار ما شهدته سنغافورة مؤخراً. وسوف تظل هناك عواقب لغضب ترمب إزاء إيران؛ ربما لا ترقى لمستوى الدمار الشامل الذي جرى التلويح به، لكنها تبقى عواقب مؤلمة في كل الأحوال.
من المحتمل ألا تتحقق هذه العواقب داخل سوريا، حيث يعمل نتنياهو مع بوتين على إبقاء القوات الإيرانية بعيداً عن الحدود السورية - الإسرائيلية في مرتفعات الجولان مع سيطرة القوات الموالية للأسد على المنطقة. ومن الواضح أن الطرفين أبرما اتفاقاً غير رسمي يقضي بأنه حال إخفاق بوتين في إبقاء الإيرانيين قيد السيطرة، فلن تعترض روسيا على شن إسرائيل ضربات ضد البنية العسكرية الإيرانية داخل سوريا.
من جانبه، من الواضح أن ترمب أقر الاتفاق الروسي - الإسرائيلي خلال اجتماعه مع بوتين في هلسنكي. وصرح ترمب الأسبوع الماضي بأن «الرئيس بوتين مشارك بقوة الآن معنا في مناقشات مع نتنياهو حول وضع صيغة ما بخصوص سوريا؛ خصوصاً في ما يتعلق بالأمن وأمن إسرائيل طويل الأمد».
ومع اضطلاع بوتين ونتنياهو بالتعامل مع الموقف على الأرض على نحو يشعر ترمب تجاهه بالرضا، لم تعد واشنطن بحاجة للمشاركة عسكرياً في سوريا. ومع ذلك، ثمة خطر قائم في مكان آخر. كانت قيادات إيرانية - بينها روحاني وعلي خامنئي - قد صرحت مؤخراً بأنه إذا منعت إيران من تصدير النفط، فإن الدول الخليجية الأخرى لن تتمكن من فعل ذلك هي الأخرى. ويمكن تفسير ذلك بأنه تهديد مبطن بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر من خلاله 30 في المائة من الصادرات النفطية العالمية. في الوقت ذاته، أكد مسؤولون إيرانيون أدنى مرتبة أنه توجد بالفعل خطة لهذا الأمر.
ويبدو من المشكوك فيه أن تتمادى إيران إلى هذا الحد وتواجه مخاطرة الدخول في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة؛ خصوصاً أن قواتها البحرية تتألف في معظمها بالفعل من سفن تعود إلى ستينات وسبعينات القرن الماضي. باختصار، هذه ليست معركة يمكن لطهران الفوز فيها.
ربما كان من الحكمة أن يتحدث قادة إيران إلى ترمب مثلما فعل كيم وبوتين، على الأقل من أجل بناء اتصالات وضمان بعض المرونة الأميركية. إلا أن التوجه الذي اعتمدوه لا يسهم في التوصل إلى اتفاقات.
من جانبه، أكد خامنئي، أن بلاده «لن تفصل الدبلوماسية عن الآيديولوجية». ومن الواضح أن إيران ماضية نحو مواجهة مع الولايات المتحدة، على الأقل اقتصادياً، إلا إذا شهدت تفجر توترات داخلية كبرى. وتراهن إيران على أن مثل هذه المواجهة لن تكون كارثية. أما الولايات المتحدة، فإنها قبل الاتفاق النووي كانت تعاقب إيران بمعاونة حلفاء، بل وبعض الخصوم أيضاً. أما اليوم وبفضل ترمب، فلم تعد الحال كذلك.
- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»