مارك ثيسن
كاتب اميركي
TT

تيلرسون وبومبيو... مضى زمن الإبطاء وأقبل الحسم

هناك جملة من الأسباب الكامنة وراء فشل ريكس تيلرسون في منصبه وزيراً لخارجية الولايات المتحدة، بدءاً من عزلته عن مرؤوسيه إلى عجزه عن المساعدة السريعة في شغل المناصب السياسية المهمة في وزارة الخارجية بالعناصر المؤهلة من أعضاء الحزب الجمهوري. غير أن تمرده، وربما عصيانه، على الرئيس دونالد ترمب كان هو الضامن الأول لعدم استمراره في منصبه لأكثر من ذلك. ومع القمة المرتقبة مع زعيم كوريا الشمالية، لم يكن قرار الرئيس ترمب بإبعاد تيلرسون، والاستعانة بمايك بومبيو مدير الاستخبارات المركزية الأميركية، يمكن أن يُتخذ في لحظة أفضل من تلك اللحظة.
لم يكن تيلرسون متفقاً أو متسقاً مع الموقف الصارم للرئيس الأميركي حيال كوريا الشمالية، الأمر الذي جلب كيم جونغ أون في خاتمة المطاف إلى طاولة المفاوضات. بدلاً من ذلك، كانت استراتيجية ريكس تيلرسون إزاء كوريا الشمالية تميل كثيراً صوب استعطاف بيونغ يانغ لإجراء المحادثات. وعبر خطابه أمام مجلس الأطلسي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تقدم تيلرسون بالتماسه المثير للحرج حين قال: «دعونا فقط نتقابل. ويمكننا مناقشة أحوال الطقس إذا ما رغبتم... ولكن هل يمكننا مجرد الجلوس ومشاهدة بعضنا وجهاً لوجه؟»، وربما أنه قد أردف قائلا: «كيف تفضلون قهوتكم.. بمزيد من السكر؟».
كان منتقدو الرئيس ترمب دائماً ما يقولون إنه يحاول تقويض جهود تيلرسون الدبلوماسية إزاء كوريا الشمالية، في حين أن العكس كان هو الصحيح في حقيقة الأمر. كانت استراتيجية ترمب تتمحور حول الوصول إلى الحل السلمي من خلال إفهام كيم جونغ أون أن الولايات المتحدة على استعداد لاستخدام القوة العسكرية لمنعه من نشر الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والمزودة بالرؤوس النووية والقادرة على تدمير أي مدينة أميركية كانت. كانت هذه هي الرسالة التي يحاول الرئيس ترمب البعث بها خلال خطابه أمام الهيئة التشريعية في كوريا الجنوبية، عندما قال لزعيم كوريا الشمالية وبعبارات واضحة لا لبس فيها إن «الأسلحة التي تحصل عليها لن تجعلك أكثر أمناً، بل إنها تعرض نظام حكمك لمخاطر كبيرة. وكل خطوة تسيرها على هذا المسار المظلم ترفع من احتمالات المخاطر التي سوف تواجهها».
ولكن، من خلال إظهار الضعف والخنوع أمام بيونغ يانغ، كان تيلرسون يقوض من قوة رسالة الرئيس ترمب - وبالتالي يزيد من احتمالات نشوب الحرب. وحقيقة أن تيلرسون كان عاجزاً عن إدراك ذلك الأمر، أو محاولة الاتساق التام مع رئيسه، قد جعلت من قيادته المستمرة لوزارة الخارجية الأميركية محلاً لا يمكن الدفاع عنه بحال.
أما مايك بومبيو، على النقيض من ذلك، فهو على اتفاق تام مع دونالد ترمب فيما يتعلق بإرسال رسالة شديدة الوضوح إلى كيم مفادها أنه إن فشلت الجهود الدبلوماسية فلن تتردد الولايات المتحدة أبداً في اتخاذ ما يلزم من إجراءات. ولقد أخبرني بومبيو بنفسه خلال مقابلة أخيرة في معهد «أميركان إنتربرايز»، إذ قال: «ينوي الرئيس البعث بهذا الحل عبر القنوات الدبلوماسية. ونحن واثقون، في الوقت نفسه، أنه إن خلصنا إلى أنه من غير الممكن المضي قُدماً على هذا المسار، فسوف نطرح على الرئيس جملة من الخيارات من شأنها تحقيق نيته المعلنة سلفاً».
والفشل في طرح هذه الخيارات على الرئيس كان من الأسباب الأخرى التي عصفت بمنصب تيلرسون خارج وزارة الخارجية. كان تيلرسون يعمل برفقة وزير الدفاع جيمس ماتيس على الإبطاء من وتيرة طرح الخيارات العسكرية على الرئيس، انطلاقاً من الخوف، على ما يبدو، من أن يعتمدها الرئيس بالفعل ويتصرف على أساسها. ووفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز»، وبعد دعوة لعقد مؤتمر بشأن كوريا الشمالية من قبل مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، كان تيلرسون على اتصال مستمر مع ماتيس، ولم يدرك أن المشاركين الآخرين ينصتون إليه، ومن ثم تذمر بسبب سلسلة من الاجتماعات التي نظمها مجلس الأمن القومي لمناقشة الخيارات العسكرية - وقال تيلرسون: «هناك إشارات على أن مجلس الأمن القومي قد بدأ ينتهج سياسة صارمة للغاية».
لم ينتخب أحد ريكس تيلرسون كي يتخذ هذه القرارات منفرداً، بل إن الشعب انتخب دونالد ترمب. ومع رحيل تيلرسون ومجيء بومبيو إلى وزارة الخارجية، سوف يكون لماكماستر الآن حليف في وزارة الخارجية يشاركه معتقداته بشأن مصداقية إنذارات ترمب إلى كوريا الشمالية، وأنه لا بد من وجود خيارات عسكرية مجهزة بعناية فائقة، وذات مصداقية عالية، على طاولة المفاوضات.
وكما قال الرئيس ترمب، كان لزاماً على تيلرسون الرحيل لأننا «لم نكن نفكر في الأمر نفسه سوياً. ولكن مع مايك بومبيو، لدينا عملية فكرية متماثلة». ووجود مستشار يحظى بالثقة الكبيرة في وزارة الخارجية يحمل قدراً كبيراً من الأهمية في نجاح أكبر مغامرة دبلوماسية في رئاسة دونالد ترمب للبلاد، ألا وهي محادثاته المقبلة مع كيم جونغ أون.
وقال لي بومبيو، في معهد «أميركان إنتربرايز»، إن تقديرات الاستخبارات المركزية الأميركية تفيد بأن زعيم كوريا الشمالية هو لاعب عقلاني - مما يعني أنه، في ظل توافر المعلومات الدقيقة بشأن نوايا الرئيس الأميركي، فمن شأن كيم أن يتخذ قراراً عقلانياً لن يؤدي إلى انهيار نظامه الحاكم. «إننا نتخذ الإجراءات الواقعية التي نعتقد بأنها سوف توضح الأمر بجلاء أمام كيم جونغ أون أن نياتنا تتعلق بنزع السلاح النووي تماماً. ونحن نعتمد على حقيقة مفادها أنه سوف يقدر الأمر بوضوح. نحن على ثقة من أنه سوف يفعل».
ومع تولي مايك بومبيو لمنصب وزير خارجية الولايات المتحدة، باتت الفرصة أفضل كثيراً لدى الرئيس ترمب للبعث بالرسالة التي يريدها إلى ديكتاتور كوريا الشمالية.
* خدمة «واشنطن بوست»