أعلن باحثون من جامعة غرناطة أن معاناة الحوامل من مشكلة الأرق (Insomnia) وصعوبات النوم هي مشكلة شائعة، تتطلب من الأمهات الحوامل الاهتمام بالتغلب عليها، واتخاذ التدابير اللازمة لأخذ قسط كاف من النوم، خصوصاً النوم في ساعات الليل، كما تتطلب من أطباء النساء والتوليد الاهتمام بمعالجة مشكلة الأرق بشكل أفضل، لأن معاناة الحوامل من الأرق وصعوبات النوم تؤثر عليهن، وعلى حالة الحمل لديهن.
كانت نتائج الدراسات الطبية السابقة قد دلت على أن ثمة علاقة بين الأرق وارتفاع احتمالات الإصابة بارتفاع ضغط الدم الحملي، وحالات تسمم الحمل (Pre - Eclampsia)، وسكري الحمل، والاكتئاب، والولادة المبكرة (Preterm Birth)، واحتمالات اللجوء إلى العملية القيصرية لإتمام الولادة.
- الحوامل والنوم
ووفق ما تم نشره ضمن عدد 28 يناير (كانون الثاني) من المجلة الأوروبية لطب النساء والتوليد وبيولوجيا التكاثر (European Journal of Obstetrics & Gynecology and Reproductive Biology)، لاحظ الباحثون من جامعة غرناطة، ومن جامعة جيّان الإسبانية، أن 64 في المائة من النساء الحوامل يُعانين من الأرق وصعوبات الخلود إلى النوم في مرحلة الثلث الأخير من فترة الحمل (Pregnancy Third Trimester)، مع أن نسبة معاناة النساء قبل الحمل لا تتجاوز 6 في المائة، ما يعني أن نسبة المعاناة من الأرق في فترة الثلث الأخير من الحمل هي أكثر من 10 أضعاف نسبتها قبل الحمل.
وكان الباحثون قد شملوا في دراستهم هذه نحو 500 امرأة من الحوامل في قرطبة وإشبيلية وجيّان وولبة بإسبانيا، وكنّ ممنْ يُتابعن في عيادات الحوامل التابعة لخدمات الأندلس الصحية (Andalusian Health Service) (SAS)). ثم قام الباحثون بمتابعة تأثيرات الحمل عليهن طوال مراحل الحمل الثلاث، وخلال الستة أشهر التالية للولادة. ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن المعاناة من الأرق بلغت نسبتها 44 في المائة فيما بين أولئك النسوة الحوامل خلال الثلث الأول من فترة الحمل، وارتفعت إلى 46 في المائة في فترة الثلث الثاني من الحمل، ثم ارتفعت لتبلغ 64 في المائة خلال فترة الثلث الأخير من الحمل.
ووفق ما علّق به الباحثون، فإنها نسبة مرتفعة جداً، تتطلب التعامل معها لحل هذه المشكلة لديهن. وقال الباحثون في ملخص محصلة نتائج الدراسة: «انتشار حالة الأرق كانت عالية من بداية الحمل، وهو أمر مرتبط بوجود حالة الأرق قبل الحمل. وفي أواخر الحمل، وجدنا أن اثنين من أصل 3 نساء حوامل يعانين من الأرق. وينبغي العمل على الوقاية من الأرق، خصوصاً لأولئك النساء الحوامل اللواتي يُعانين من زيادة الوزن وارتفاع مؤشر كتلة الجسم، وكذلك اللواتي لديهن الأرق من قبل بدء الحمل».
وأوضحت الدكتورة ماريا ديل كارمن أميزكوا بريتو، وهي واحدة من الباحثين ضمن فريق الدراسة، والمحاضرة في قسم الطب الوقائي والصحة العامة بجامعة غرناطة، قائلة: «على الرغم من أنه من المعروف جيداً أن مشكلات النوم الموجودة مسبقاً قبل الحمل (Pre - Gestational Insomnia) تزداد سوءاً مع الحمل، نظراً لنشوء عوامل جديدة في كثير من الأحيان خلال فترة الحمل تتسبب بمزيد من اضطرابات النوم، فإن هناك ميلاً لدى كثيرين لافتراض أن الصعوبات المتعلقة بالنوم هي إحدى الظواهر الطبيعية المميزة لعملية الحمل، وأنه يجب تقبلها وتحملها»، غير أن الدكتورة أميزكوا بريتو أشارت إلى أنه «قد يحدث هذا لأنه لا يتم الاهتمام بهذه المسألة أثناء متابعة حالات الحمل، إلى حد أن منظمة الصحة العالمية (WHO) لا تعالج حتى مسألة النوم في مبادئها التوجيهية بشأن توفير الرعاية للحوامل».
- الأرق وصحة الجنين
والواقع أن الأرق يسبب مشكلات صحية كثيرة للحامل، ولعملية الحمل وسلامة الجنين. وفوق أن الأرق يُؤثر بحد ذاته على نوعية عيش الحياة اليومية للنساء الحوامل، وهو أمر مهم بحد ذاته لتوفير الراحة ومتعة الحياة اليومية للمرأة الحامل، فإن هذا ليس هو الجانب المظلم الوحيد في مشكلة الأرق لدى الحوامل، بل علاوة على هذا، فإن لمشكلة الأرق وصعوبات النوم أهمية كبيرة في حد ذاتها في الجانب الصحي للحامل، وعملية الحمل وسلامة الجنين، ذلك أنها وفق التصنيف الطبي تعتبر عامل خطورة في احتمالات الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وتسمم الحمل، والسكري الحملي، والاكتئاب، والولادة المبكرة، والعمليات القيصرية غير المخطط لها. ولذا شددت الدكتورة ماريا ديل روزاريو رومان غالفيز، أحد أعضاء فريق الباحثين في الدراسة، على ضرورة الاهتمام بكل الجوانب المتعلقة بنيل الحامل القسط الكافي من النوم الليلي، والاهتمام بتأثيرات ذلك على مستوى النشاط اليومي للمرأة الحامل خلال ساعات النهار، وطالبت بضرورة إجراء دراسات طبية أوسع حول هذا الأمر من أجل فهم الأرق لدى الحوامل على نحو فعّال، وهو ما يجعل من الممكن التغلب على هذه المشكلة.
وأضاف الباحثون: «تظهر نتائج دراستنا تغيرات كبيرة في تجزئة النوم (Sleep Fragmentation)، أي في الأوقات التي تستيقظ فيها المرأة الحامل في أثناء الليل، ومدة بقائها مستيقظة خلال ساعات الليل، وكذلك في مستوى ونوعية الشعور بالنعاس في أثناء النهار. كما تدل على أن تواتر وشدة التجزئة التي تعتري النوم الليلي تستمر في الزيادة مع تطور عملية الحمل. وبالمثل، يُعقّد الحمل أيضاً بدء الدخول في النوم (Sleep Induction)، أي الوقت الذي تمضيه المرأة الحامل لتستغرق في النوم، ومدة النوم التي تنامه المرأة الحامل في ساعات الليل»، واستطردوا قائلين: «ومن المهم أن يتم أخذ هذه الجوانب في الاعتبار لمعالجة هذه المشكلة بشكل صحيح باستخدام العلاجات غير الدوائية».
- عوامل الأرق
كما تم في الدراسة تحليل العوامل المرتبطة بالأرق، وعلّقت البروفسورة أورورا بينو كافانيلاس، الباحث المشارك في الدراسة من جامعة غرناطة، قائلة: «على الرغم من أنه قد يبدو واضحاً، فإن العامل الأهم هو وجود المعاناة من الأرق قبل الحمل، نظراً لأنه أمر أساسي للوقاية، وهو ما يؤكد على أهمية الكشف عن الأرق قبل الحمل، وطوال جميع مراحله». وكشفت نتائج الدراسة أيضاً عن عوامل أخرى محتملة في التسبب بمشكلة الأرق في أثناء فترة الحمل، مثل السمنة وإذا ما كان لدى المرأة الحامل عدد من الأطفال الصغار الآخرين، مما يمكن أن يكون لهه تأثيرات سلبية على نوم المرأة الحامل.
وتذكر الرابطة الأميركية للحمل (American Pregnancy Association) أن الأرق واضطرابات النوم تُصيب نحو 78 في المائة من الحوامل، وعرّفت الأرق بأنه الشعور بعدم أخذ قسط كاف من النوم، أو الشعور بأن النوم كان ذا نوعية غير جيدة. وذكرت أن النوم غير الكافي قد يكون ناتجاً عن أحد هذه الأسباب أو مجموعة منها، وهي: صعوبة الدخول في النوم للاستغراق فيه، أو الاستيقاظ بشكل متكرر أثناء الليل، أو صعوبة العودة إلى النوم، أو الشعور بعدم الانتعاش بعد الاستيقاظ من النوم.
- نصائح للتغلب على الأرق في أثناء الحمل
تشير الكلية الأميركية لأطباء النساء والتوليد (American College of Obstetricians and Gynecologists)، إلى أن هناك أسباباً متعددة للأرق في فترة الحمل، منها عدم الراحة، مع الزيادة في حجم البطن، وآلام الظهر والساقين المرافقة للحمل، وآلام حرقة المعدة، وتكرار الحاجة إلى التبول الليلي، والقلق النفسي للحامل من إتمام عملية الحمل وسلامة الجنين، وكوابيس الأحلام، والتغيرات الهرمونية الكثيرة المرافقة لمراحل الحمل المختلفة.
وتذكر أن هناك عدة نصائح للتغلب على مشكلة الأرق خلال مرحلة الحمل، منها تغير وضعية الجسم، والاستعداد للنوم من خلال الاستحمام بماء دافئ، وإعداد فراش النوم ليكون مريحاً، وضبط مستوى الحرارة والإضاءة ومستوى الضجيج في غرفة النوم بما يكون مريحاً لها. وتُضيف أن عند عدم النوم على الرغم من ذلك، فإنه يجدر الاستيقاظ ومغادرة الفراش وقراءة أحد الكتب أو تناول وجبة خفيفة أو شرب حليب دافئ.
وخلال ساعات النهار، تنصح الأكاديمية الأميركية لأطباء النساء والتوليد بالنوم، لو ظهرت الرغبة في ذلك، دون الاستغراق فيه لعدة ساعات، مع الحرص على ممارسة التمارين الرياضية الملائمة لمرحلة الحمل، أو المشي اليومي لمدة نصف ساعة، والحرص على شرب كميات كافية من الماء، مع التقليل من تناول المشروبات المحتوية على الكافيين، خصوصاً في فترة ما بعد الظهر والمساء، والأهم هو عدم تناول أي نوع من الأدوية لمعالجة الأرق دون استشارة الطبيب، وأيضاً الحرص على التغذية الجيدة، وتناول الفيتامينات التي يصفها الطبيب المتابع للحمل.
- استشارية في الباطنية