بعد انتفاضة شعبية عمّت أرجاء إيران جاء آية الله خامنئي إلى الساحة ليقول كلمته في هذا الشأن، خصوصاً أن الشعارات المحورية في هذه المظاهرات كانت تستهدف شخصه بشدة قاسية، حيث إنه هو الآمر والناهي، وهو «العقل المدبّر» لنظام ولاية الفقيه، فمن المهمّ معرفة ما قال في هذا الخطاب الذي دون أدنى شكّ كان محصّلة مواقف نظامه حيال الشعب المنتفض.
كلّنا نعلم أن المسؤولين السياسيين الكبار عندما يتحدثون نصف ساعة، فليست الرسالة التي يريدون إيصالها سوى دقائق أو أسطر من الخطاب أو المقال. وعلى المرء أن يبحث عن هذه المحاور والمقاصد، وألا ينطلي عليه حجم المواضيع التي يطرحها.
لقد ركز المحور الأساسي في حديث خامنئي على «ثالوث» مزعوم كان في رأيه وراء الانتفاضة المذكورة، فسمّى بالجهر أميركا والمنافقين (مجاهدين خلق)، وعرف الثالث «عملاق المال في دول الخليج» قاصداً طبعاً المملكة العربية السعودية.
وعودة إلى ما كتبت عن ضرورة التركيز على المحور الرئيسي في الخطاب، فأعتقد أن ذكر الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية على لسانه لم يكن جاداً لأنه يعرف جيداً أن هاتين الدولتين ما كانتا خلف المظاهرات؛ لأن من المستحيل قيام مظاهرات شعبية في بلد كإيران بإيعاز من دولة أجنبية. لا أريد أن أقول: أن ليس لمواقف الدول تأثير على أحداث كهذه، خصوصاً إذا كانت هذه المواقف سلبية، كما شاهدنا عام 2009 ووقوف باراك أوباما مع خامنئي ومحمود أحمدي نجاد وضد مطالب الشعب الإيراني.
لكن بيت القصيد في خطاب خامنئي كان تركيزه على منظمة «مجاهدين خلق»، ودورها في هذه الانتفاضة. ويكفي نقل ما قال في هذا المجال حتى نعرف هذا التركيز. إنه قال: «كانوا جاهزين منذ أشهر. وسائل أنباء المنافقين اعترفت. هذه الأيام قالوا إنهم كانوا على اتصال بالأميركيين. وقاموا بالتنظيم ليلعبوا دور القوة الراجلة. أن يذهبوا لزيارة هذا وذاك. وحدّدوا أناساً في الداخل. وجدوهم ليساعدوهم. ثم وجّهوا الدعوة إلى الشعب. هؤلاء هم الذين وجّهوا النداء. رفعوا شعار (لا للغلاء). وهذا الشعار يرحّب به الجميع. هذا الشعار يجلب مجموعات. بعد ذلك هم دخلوا الساحة وتابعوا أهدافهم المشؤومة ويجرّون الناس وراءهم...».. وبهذا أعتقد أن خامنئي وضع نقطة نهاية للدعايات الغربية التي تصرّ على أن ليس هناك نفوذ لـ«مجاهدين خلق» داخل إيران.
خامنئي في حديثه أكّد على موضوعين أساسيين آخرين؛ الأول قوله بأن هذه الأحداث كانت مدبرة من الخارج، وهنا ردّ على التحليلات القائلة بأنها كانت عفوية. الثاني إيماؤه باستمرار الانتفاضة، حيث أشار إلى المنتفضين وقال: «عملاء الأعداء لن يتخلوا». وقال هذا في وقت أعلن فيه قبل أسبوع قائد قوات «الحرس» أن الانتفاضة قد انتهت، وكما أن روحاني أيضاً في مكالمته الهاتفية مع الرئيس الفرنس أكد له أن «هذه الاضطرابات ستنتهي بعد يومين».
وقبل أن أكمل التحليل أريد أن أضع النقاط على الحروف فيما يتعلّق بإشارته إلى الرئيس الأميركي، وأعتقد أن الكلام الذي قاله في الإساءة إلى الرئيس الأميركي إن دلّ على شيء فإنه لا يدلّ إلا على عدم تحكّمه في الأعصاب وفقدان السيطرة على النفس، لأن من المستحيل لزعيم دولة أياً كان إذا حظي برزانة عقل ومنطق وتوازن أن يعبّر عن رئيس دولة أخرى بهذه التعابير، ويصفه بـ«المعتوه». وبعبارة أخرى فإن فقدان التحكم بالنفس على قمة الهرم المؤسساتي ينبئ بزعزعة مقبلة داخل النظام كله.
عودة إلى التركيز على «مجاهدين خلق» ودورهم فيما حدث في الانتفاضة، فلا شكّ أن أبناء الشعب الإيراني عبّروا بأقسى العبارات عن إدانتهم السلطة السياسية القائمة جملة، لأن الشعب الإيراني يعيش في فقر مدقع، ولم يجنِ منذ زهاء أربعة عقود من هذا النظام سوى القمع والإعدام والتعذيب والإدمان والدعارة والفقر والغلاء والبطالة والحروب والإرهاب والفساد المتعدد الأشكال من الفقر والرشوة حتى تخريب البيئة و.... من مختلف المساوئ والويلات، فجاءوا إلى الشارع ليقولوا كفى! ويجب إنهاء هذه الحقبة السوداء من تاريخ بلد ينعم بمختلف الخيرات والثروات. والشعارات التي رفعها المواطنون في الشوارع في أكثر من مائة مدينة كانت الشعارات نفسها التي رفعتها المقاومة الإيرانية خلال هذه السنوات الطوال، ودفعت ثمناً باهظاً من أجلها. فدماء أكثر من مائة وعشرين ألف شخص أعدمهم النظام بسبب تمسّكهم بهذه المواقف كان قسطاً من هذا الثمن الباهظ. كما أن ثلاثين ألفاً منهم قضوا نحبهم خلال مجازر رهيبة عام 1988 بأمر مباشر من خميني، وبتنفيذ هؤلاء الذين هم في سدّة الحكم في الوقت الحالي. وهنا يلتقي أبناء الشعب مع المقاومة الإيرانية في المواقف والطموحات والشعارات.
وفي آخر المطاف لقد صدق آية الله خامنئي عندما قال: «إنهم دخلوا الساحة وجرّوا الناس وراءهم».
* رئس حکومة الجزائر الأسبق رئس لجنة التضامن العربي الإسلامي مع المقاومة الإرانة