ميشيل كيلو
رئيس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، وهو ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني وأحد المشاركين في صياغة إعلان دمشق محلل سياسي وكاتب.
TT

سياسات ضابط المخابرات السوفياتية!

كرر بوتين، رئيس روسيا الحالي مرات كثيرة أنه يبني موقفه من الصراع الدائر في سوريا على عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، وعدم جواز تقرير مصيرها بأيد أجنبية. وبرر بوتين استخدام بلاده حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن، الخاصة بالقضية السورية، بذريعة رأت فيها مقدمات للتدخل الدولي في سوريا، التي يجب أن تسوي مشكلتها بالحوار بين مواطنيها، دون أي ضغوط خارجية من أي نوع كانت.
على الرغم من ذلك تدخل بوتين في أوكرانيا وأرسل إليها وحدات شبيحة، نظامية وغير نظامية، كلفها احتلال مرافئ القرم ومطاراته وقواعده العسكرية ومدنه، وقطع طرق مواصلاته، وحماية حكومة دمى تستند إلى أقلية روسية تعيش فيه، تتعاون مع قوات التدخل الروسية، وتضفي الشرعية على احتلالها أجزاء مهمة من أوكرانيا. واليوم يقرر بوتين بالنيابة عنها ما يجوز لها فعله، وإلا أكمل شبيحته الإجهاز عليها وقضوا على ثورتها. نسي بوتين مبدأ عدم التدخل من أجل تسوية نزاعات داخلية تشهدها بلدان أخرى، وسوغ تدخله في أوكرانيا بحجة لم يسبق لمتابع للشأن الدولي أن سمع ما هو أشد تهافتا وخطورة على السلام والأمن الدوليين منها هي: «حماية الأوكرانيين الناطقين باللغة الروسية». ماذا سيحدث إن قررت الصين حماية الناطقين باللغة الصينية في أصقاع آسيا وبعض أوروبا وأميركا، وهم بعشرات الملايين؟ أو إذا ما قررت المكسيك حماية الناطقين بالإسبانية في الولايات المتحدة، وعددهم أكبر بكثير من عدد الناطقين بالروسية في أوكرانيا؟ وكيف يمكن حماية من يتذرع بوتين بحمايتهم دون احتلال عسكري دائم لديارهم، والتدخل من ثم في كل كبيرة وصغيرة من شؤونهم؟ ولماذا تناسى بوتين مبدأ حل الصراعات الداخلية للبلدان الأخرى بأيدي أبنائها دون غيرهم؟ ومن يقرر إن كان هؤلاء بحاجة إلى حماية، وما درجة الحماية الضرورية التي يجب أن يفرضها المتدخل لصيانة حياتهم وأمنهم؟ وفي أي كتاب خاص بالحقوق الدولية وجد ضابط المخابرات السابق نصا يخوله تقرير حقوق وخيارات شعب أجنبي بالنيابة عنه؟ وفي أي فوضى سيعيش المجتمع الدولي في حال بادر الأقوياء إلى احتلال البلدان المجاورة لهم بالذرائع التي تروق لهم، والتي قد تصل إلى حد ذلك النزق، الذي كان ملحوظا في تبرير بوتين لمسوغات تدخله العسكري في أوكرانيا وما نجم عنه من مشكلات دولية، أهمها سقوط مبدأ عدم التدخل في شؤون البلدان الأخرى، والامتناع عن فرض إرادة الأقوياء على من هم أضعف منهم، واحترام حق الشعوب في حل مشكلاتها بأيديها.
يعارض بوتين قرارات مجلس الأمن الرامية إلى تخفيف كوارث الحرب التي يشنها النظام السوري ضد شعبه، بحجة عدم التدخل في الشؤون السورية، ولأن التدخل يحول في نظر روسيا دون وقف العنف ويعد عدوانا على إرادة السوريين الوطنية. لكنه رمى هذا الموقف، الذي لطالما زعم وزير خارجيته لافروف أنه مبدئي ولا رجعة عنه، وراء ظهره، بمجرد أن قامت ثورة شعبية بكل معنى الكلمة ضد نظام موال له في أوكرانيا، تمت بإرادة وطنية كاسحة رفعت لواء الحرية وطالبت بإنهاء تبعية كييف لموسكو، وتدخل عسكريا وهو يطلق تصريحات معادية للثورة الأوكرانية، ويبدي رغبته في إفشالها بأي ثمن.
يتظاهر بوتين بالدفاع عن حقوق الدول السيادية في سوريا، وينتهك سيادة أوكرانيا بحجة حماية مواطنين روس، كأنه يقر مبدأ يرى أن حقوق البشر أعلى من سيادة الدول التي تعتدي عليها، إلا في سوريا، حيث يمارس انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان والشعب باسم سيادة دولة تقتلهم منذ نيف وثلاث سنوات، بسلاح بوتين وتحت إشراف نظامه وحمايته.
ترى، أي مصير ينتظر النظام الدولي والجنس البشري، إذا ما سادت ازدواجية المعايير البوتينية، ونجحت روسيا في تعطيل الشرعية الدولية ساعة تشاء، والدوس عليها ساعة تريد؟