محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

قوة الرأي الآخر

يقول عالم الاجتماع العراقي الراحل د. علي الوردي: «ليس العجيب أن يختلف الناس في أذواقهم وميولهم... ولكن العجيب أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف».
مشكلتنا مع الرأي الآخر أن بَعضنَا يتوقع أن يقف معه الناس في كل قضية يتبناها، وينسى أو يتناسى أن مقدار حرقته أو ألمه لا يعكس بالضرورة حتمية أن يتفق معه من حوله. بعبارة أخرى نحن لا نحسن إدارة توقعاتنا لذلك نصعق حينما يتناهى إلى أسماعنا رأي مغاير كلية لرأينا، وننسى أن الحقيقة حمالة أوجه؛ فالهرم الذي نراه آيلاً للسقوط قد لا يراه كذلك من ينظر إليه من ناحيتين مختلفتين.
ويمكن أن ندير توقعاتنا تجاه آراء الآخرين المضادة إذا تأملنا معادلة التوقع وهي أنه حينما تتوقع الحصول في اختبار ما على 9 من 10 ثم تكون النتيجة 4 فإن مقدار تعاستك أو صدمتك هو 5 درجات بالسالب (أي 4 مطروحة من 9)، والعكس صحيح، حينما تتوقع الحصول على 4 درجات فقط، وتكون النتيجة المفاجئة حصولك على 9 درجات، فإن مقدار سعادتك هو 5 درجات بالإيجاب (9 مطروحة من 4). بعبارة أخرى مقدار رضا أو سعادة المرء بما يسمع يكون بطرح الواقع (رأي الآخرين) من التوقع (مدى توقعنا لآرائهم). وربما هذا ما دفع نجمة أميركية إلى أن تقول عبارة جميلة، علقتها على جدار مكتبي، وهي أنك «لن تكون أسعد مما تتوقع، لتغير مقدار سعادتك غير مستوى توقعاتك».
ومن أبسط اختبارات قبول الرأي أن نتقبل وبصدر رحب الاستماع للرأي الآخر بتأمل وإن كان مثيراً للشفقة أو الغثيان حتى ينتهي، من دون الرغبة في تغيير القناة التلفزيونية أو مغادرة المجلس. هذا هو باختصار مقياس رحابة الصدر. والمؤشر البسيط لسقوطنا في اختبار قبول الرأي الآخر يكمن في عدم التردد بضغط زر الحجب «block» في وسائل التواصل الاجتماعي لشخص يعبر عن رأيه بحدة وليس بالشتائم. قد يشعرنا الحجب بالانتصار لكنه في الواقع هزيمة ذاتية لمقدرتنا على تحمل الآخر.
نتفهم ألا يحاور البعض شخصاً هجومياً أو متربصاً يتوارى خلف اسم مستعار لأنه يفتقد لشجاعة المواجهة بهويته وهي أبسط أبجديات الحوار المتكافئ. غير أننا لا نستوعب لماذا يغيظ البعضَ مقالٌ أو تدوينة أيما إغاظة فيحرض على سحب حق الفرد من التعبير عن رأيه، وينسى أن الحجة تقارع بالحجة وليس بالزجر والحرمان.
والاختلاف يقوي وينير الطريق. فلدينا مقولة تتردد كثيراً في أدبيات الإدارة، وهي أنه إذا كان مساعدك في العمل يتفق معك في كل شاردة وواردة ولم يختلف معك قط في الرأي فأحدكما لم يعد له داعٍ.
هكذا هم بعض البشر تذهب كل محاولات إقناعهم أدراج الرياح، ولهذا يتشدق البعض برأيه حتى وإن كان أعوج. ألا نرى مسؤولاً يهوي من قمة منصبه لتجاهله نداءات المخلصين عن قربه من الهاوية. وقد قيل قديماً الرأي الآخر أو «المشورة تقوّم اعوجاج الرأي».

[email protected]