أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

«الجماعة» والانقلاب المنتظر

يقول العالم الراحل ألبرت آينشتاين إن من الجنون تكرار الشيء مرتين وانتظار نتيجة مختلفة. لن تتغير النتيجة بالمعطيات نفسها مرتين أو ألف مرة، وهذا ينطبق بجلاء مع جماعة الإخوان المسلمين الذين يمثلون حجر الأساس في الأزمة الحالية مع قطر. الجماعة هي الجماعة منذ ثمانين عاماً وحتى اليوم، بواعث علاقاتهم ومبادئها لم تتغير، رغم تغير أحداث المنطقة بشكل دراماتيكي طوال هذه الأعوام.
ومن المبالغة أن نعيّرهم بقلة الوفاء، لأن الوفاء فضيلة عالية المقام تصعب على أهل المصالح الدنيوية الضيقة، إنما العتب على من لم يتعلم من دروس التاريخ، ويظن أنه سيكون استثناء في أجندة الإخوان. دولة قطر تراهن على جماعة بلا مبدأ، لن تتوانى عن القفز من سفينتهم الغارقة كما فعلت مع غيرهم الذين كانوا أشد بأساً وقوة سياسياً واقتصادياً. لذلك لا غرابة حين تسمع الإخوان يذمون في إيران وينعتونها بعدو الأمة، في الوقت الذي تربطهم فيه بها وشائج تاريخية منذ تأسيس الجماعة إلى اليوم.
مع اندلاع الثورة الخمينية في نهاية السبعينات، عمّ الفرح أرجاء المنطقة العربية والإسلامية، حتى دول الخليج استبشرت خيراً بسقوط الشاه، وظنت أن الثورة انتصار على الطاغية. أيام قليلة وبدأت شوارع طهران تغرق في الدماء بفعل بطش النظام الجديد، فاستيقظ العالم المتفائل من حلمه الجميل، وقتلت الآمال في مهدها. لكن جماعة الإخوان كانت الجماعة الوحيدة التي لم ترعوِ عن استمرار تأييدها للخميني، واعتبار ما يحصل من قتل وتنكيل بالمواطنين هو من شأن الحاكم، هم أنفسهم الذين وصموا النظام المصري أيام حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك بالبطش، ويهاجمون بشكل متكرر السلطات المصرية. وحتى نفهم عمق العلاقة التي تربط بين الخميني والإخوان، فقد لجأت واشنطن للمرشد الإخواني عمر التلمساني ليتوسط لهم لدى الخميني لإطلاق الرهائن الأميركيين! علاقة ودية خارجة عن المألوف، حتى إن الخميني استعار لقب «المرشد» من الجماعة، حيث رأى فيه بعداً دينياً وتربوياً أكثر من الألقاب الأخرى.
واستمرت سلسلة الخيانة مع اندلاع حرب الخليج الأولى، حينما وقفت الجماعة مع إيران ضد العراق بذريعة أن النظام الإسلامي في إيران يواجه حزب البعث العلماني في العراق، وكانت المفاجأة التي لم تخطر على بال أن يصل بهم الأمر إلى الوقوف مع صدام البعثي، على حد قولهم، في غزوه الكويت التي كانت من الدول التي استضافت وضمت كثيراً من عناصر الجماعة الهاربة من مصر، الذين عاشوا في خيرها وتخرج أبناؤهم في مدارسها وجامعاتها، حيث استشعروا قوة صدام واستبعدوا هزيمته. وانظروا إليهم اليوم وهم ينتقدون مواقف المملكة العربية السعودية، مراوغة أخرى وخداع متجدد.
تدخلات إيران ومراوغاتها جاءت لزرع الفتنة في المنطقة، لذا نراها تقفز على الخط دائماً كلما سنحت لها الفرصة، فنراها مرة تعرض على حماس فكرة التمويل والاحتضان، فتسرع قيادات حماس ركضاً إلى طهران، وظهرت في الإعلام صور لخالد مشعل وهو يزور ضريح الخميني، ويقدم مجاملة لطيفة للإيرانيين بأن الخميني هو الأب الروحي للحركة.
ورغم كل ما حدث، فإن الرياض وعدت بدعم الحركة التي فازت بالانتخابات، ثم جمعت شمل الفلسطينيين بتوقيع اتفاقية مصالحة بين غزة والضفة وتشكيل حكومة وحدة وطنية في 2007 أمام الحرم المكي في مكة المكرمة، لكن حماس ضربت بالاتفاقية عرض الحائط.
وقبل ذلك كان الملك حسين بن طلال قد استضاف الحركة وقياداتها في الأردن عام 1992، ثم أبعدهم الملك عبد الله الثاني بعدها بسبعة أعوام، بعد أن أصبح وجودهم يمس الأمن الوطني، ورفضهم الكف عن العمل من داخل الأردن، فاستقبلهم بشار الأسد. وبدأت مكاتب الحركة بالعمل من دمشق حتى جاءت الثورة السورية، فأصبحت حماس في حرج من الإيرانيين، فطار بعض قيادييها إلى طهران للمفاهمة، وكان لطهران نظرة استراتيجية بأن ليس من المصلحة خسارة حماس، لأنها ستخسر ورقة القضية الفلسطينية ذات الأهمية في الترويج لسياساتها الخارجية واللعب على حبال القضية الفلسطينية التي تتخذها ذريعة لعدوانيتها، فسمحت لحماس بإعلان موقفها من الثورة، وعرضت على قطر استضافة الحركة التي كانت متحمسة لاستضافتهم قبل بشار الأسد، وأبدت ترحيباً منقطع النظير، واستضافت مكاتب الحركة وقياداتها في أفخم المواقع، وعاشوا حياة رفاهية بالمال القطري، وكانت نقطة انطلاق جيدة للإعلام القطري للترويج باحتضانها شجعان المقاومة، جنباً إلى جنب مع استضافتها قيادات إسرائيلية!
وكان لوزير الخارجية آنذاك حمد بن جاسم تصريح بأن العلاقة مع إسرائيل مفيدة لعملية السلام. ولعلنا نتلفت حولنا اليوم ونرى أين أصبحت عملية السلام! كل العلاقة الإسرائيلية - القطرية جاءت بفائدة للجانب الإسرائيلي، وهي أمور مثبتة وليست أقاويل. وإذ يسأل أحدهم: لماذا قبلت إسرائيل بهذا الوضع المتناقض من الدوحة؟ نقول إن تل أبيب رابحة في كل الأحوال، ففي حالة السلم، لن تشكل الدوحة ولا قيادات حماس أي ضرر عليها، حتى الحصار على غزة لم يطرأ عليه جديد، ولم تستطع العلاقة القطرية - الإسرائيلية تمرير ملعقة حليب واحدة.
قطر تعتقد أن الجماعة ستحيا من جديد ستبث فيها الروح بمعونة تركيا التي قبلت لجوء بعضهم إليها. والحقيقة أن تركيا لديها ما يكفيها مع جماعة عسكرية كردية صغيرة في شمال سوريا ما زال الجيش التركي يناور معها، لأن تركيا تخيفها فكرة قيام دولة كردية على حدودها، وهو أمر وارد مع رضا الأميركيين عن قوات سوريا الديمقراطية وعن أي دعم قد يتلقاه الأكراد هناك.
للقطريين نقول: الإخوان سطروا تاريخاً من الخيانات، ولن تكون قطر الصغيرة حتى في أحسن حالاتها أقوى من السعودية وسوريا ومصر والأردن، فكيف إن انهارت مصارفها وعملتها وقاطعتها مزيد من الدول وعزلت عن دول الخليج؟ الإخوان لا يعيشون في بيئة ميتة، سيفرون إلى جهة أخرى يمتصون دماءها، سينسلون تباعاً وينقلبون على كل شيء قدمتموه لهم. كل أموالكم التي تغدقونها عليهم في قطر والخليج وتركيا وأوروبا ستذهب هباء. تفكروا فيما قاله الإعلامي الكبير عثمان العمير: «اقرأوا التاريخ، فهو معلم بالمجان».

[email protected]