أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

قراءة في بيان {الإخوان المسلمين}

دأبت «الجماعة» على إصدار بيانات تتعلق بالأحداث الجارية ذات العلاقة، لذا لم يكن مستغرباً مسارعتها إلى إصدار بيانها بعد أن أدانها البيان المشترك الذي أعلنته السعودية والإمارات ومصر والبحرين، ووصم الجماعة بالإرهاب، وأدرج شخصيات قيادية منهم كإرهابيين، مطالبين بالملاحقة والمحاسبة، منهم يوسف القرضاوي الذي أفتى بجواز العمليات الانتحارية دون مراعاة لما قد تسفر عنه هذه الفتوى من هلاك لأبرياء ومدنيين، ودون التفكير في المقاصد الإسلامية التي تراعي في أحكامها أن لا ضرر ولا ضرار، ولا أذى يلحق بالأمة، جراء ما يصدر من المتخصصين في العلم الشرعي من اجتهادات. كما مارس تحريضاً ممنهجاً للشعوب العربية على الاقتتال من على منبره الجميل والأنيق في الدوحة، مع اندلاع الثورات في عام 2011. الكارثة التي حلت بـ«الإخوان» بعد البيان المشترك لا تكمن فقط في كشفه عن أسماء شخصيات ضالعة في أعمال العنف والتحريض، بل إن ما ساءهم أكثر أن هذه القائمة قابلة للتحديث، وأنها أشبه بقائمة سوداء ستعمم دولياً لتكون وصمة محرجة لشخصيات لم تدرج بعد.
والبيان لم يشمل فقط القرضاوي، إنما ضم أسماء ذات تاريخ من العنف والاحتراب في مصر، إضافة إلى أسماء من دول أخرى مثل قطر واليمن، دأبوا على حبك المؤامرات والتواطؤ ضد بلدان الخليج.
بيان «الإخوان» جاء مرتبكاً، خلط بين قضايا قديمة وحديثة؛ فمن ناحية، نراه يذكّر الخليجيين بأن «الجماعة» لها فضل عليهم بتقديم خدمات معرفية وتعليمية وثقافية ومجتمعية، ومن ناحية أخرى يهاجمهم بأنهم وبال على الأمة وضالون. وهنا علينا أن نرد بشفافية، ونذكر الحقائق كاملة.
استقبلت السعودية رموز «الإخوان المسلمين» بعد أن نكل بهم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. منهم على سبيل المثال لا الحصر؛ محمد قطب الذي عمل أستاذاً في جامعة أم القرى، ومحمد الغزالي، ومحمد الراوي، ومناع القطان، وهذا الأخير كان أستاذاً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حتى تم طرده منها. حاول عبد الناصر في لقاء مع الملك فيصل (رحمه الله) أن يسلمه هؤلاء، وساومه عليهم باليمن، لكن الملك فيصل أبى أن يرد من استجار به، وهي عادة عربية صميمة، ودفعت المملكة ثمناً لذلك حينما عاد عبد الناصر وقصف أبها ونجران.
قدمت السعودية لهؤلاء ومرافقيهم الوظائف التعليمية في كل المؤسسات، وقدمت لبعضهم رؤوس أموال للعمل في التجارة. الفضل كله للسعودية التي قدمت تضحيات وتفضلت عليهم بالمأوى والمال والاستقرار، لا العكس. حتى تلك المرحلة التي انخرط فيها «الإخوان» في مؤسسات الخليج التعليمية، كانت بذرة تحول المجتمعات الخليجية المسالمة إلى مجتمعات تحزبية، توحش المتأثرون بالتعليم الإخواني ضد بني جلدتهم، وأصبحوا يلبسون الأقنعة الزائفة التي أظهرت وجهاً دعوياً ناصحاً في العلن، حتى حان كشف أنياب الذئاب. لقد افتضحت نوايا «إخوان الخليج» في أشد المواقف التي مرت بها منطقة الخليج، وأهمها موقفهم من احتلال صدام حسين للكويت. كان موقفاً كاشفاً للنوايا، وكاشفاً للمدى الذي وصلوا إليه من جرأة ونفوذ دون أن نشعر بهم.
ولأستذكر مع القارئ الكريم، أن الإخواني مأمون الهضيبي، قبل أن يصبح مرشداً لـ«الإخوان المسلمين»، كان يعمل مستشاراً في جهة سيادية في المملكة، في منصب رفيع مع دخل باهظ، ومع هذا فقد خرج إلى بغداد إبان احتلال صدام حسين للكويت، ليعلن هو وجماعته تأييده للطاغية على حساب دول الخليج التي استضافته وجماعته وفتحت لهم أبوابها.
ومن المفارقة التي تظهر مدى سوء سريرتهم، أن أجهزة الاستخبارات السعودية اكتشفت لاحقاً أن «الإخوان» في السعودية كانوا جواسيس لعبد الناصر، وكانوا يرسلون تقاريرهم، كل بحسب موقعه الوظيفي، عن الأوضاع في المملكة، في محاولة للتقرب إليه.
تاريخ أسود لجماعة تملّكها النفاق، ومارست التحريض، وتأليب المجتمع، وخانت مصر قبل أن تخون بلداناً أخرى، ولم ننسَ كيف قدمت إدارة محمد مرسي وثائق سرية تخص الدولة المصرية لدولة قطر، متعلقة بالأمن والسياسة والاقتصاد، وكيف أخرجت من السجون إرهابيين من حركة حماس وغيرهم.
بيان الجماعة لم يخلُ من حس التملق لكسب تعاطف الشارع المصري، ظانين أن الشعب المصري يمكن احتواؤه بهذه الخدعة، وهذا الشعب يعرف أنهم سمحوا للمعزول محمد مرسي بلا وجه حق بأن يبيع أسرار الدولة المصرية إلى دولة قطر، فيما عرف بقضية التخابر مع قطر.
وتأكيدا لما ذكرته آنفاً من أن «الإخوان» لا أمان لهم، فقد طلب فريق دفاع مرسي العام الماضي توجيه الاتهام إلى رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم؛ لأنه كان يتولى الاتفاق مع المتهمين ويرسل لهم الأموال.
ولن أتطرق إلى ما ورد في البيان من ادعاءات كاذبة حول تحرير الأقصى؛ لأنها لم تعد تجدي بالنظر للعلاقات الممتازة التي كانت تربط محمد مرسي بإسرائيل، ووعوده لهم بتهجير أهالي غزة إلى سيناء.
لكن ما يثير الانتباه أن البيان تضمن بالحرف الواحد ما تتداوله حسابات مستعارة في مواقع التواصل الاجتماعي، حول أن المملكة انحازت ضدهم في مصر متأثرة بشيوخ دولة الإمارات الذين أساء إليهم البيان. وحتى نفند هذا التوصيف علينا أن نتذكر أن قطر، وليست الإمارات، هي من لها علاقات ودية وحميمية مع إسرائيل، أسفر عنها مكتب تجاري، أو هكذا أطلق عليه، مقره الدوحة، ولا تزال لقطات الزيارات الودية لقيادات إسرائيلية لمقر قناة «الجزيرة» التي تهاجم الصهاينة نهاراً جهاراً متوفرة على موقع «يوتيوب».
أما كون المملكة تدعم ما يسميهم البيان المخادع «الانقلابيين»، فهذا صحيح، الرياض دعمت ملايين من الجمهور المصري الذي انقلب على المعزول محمد مرسي، بعد أن اتضح أن قدرة الجماعة على إدارة محل بقالة أو عيادة بيطرية شيء، وإدارة دولة شيء آخر. ولولا موقف المملكة من ثورة 30 يونيو (حزيران) وتقديم ضمانات للدول الأوروبية بأنها لصالح مصر والمنطقة، لما استطاعت الثورة أن تقف على أرض صلبة، ولكانت الفوضى عمتها ووصلت تداعياتها إلى كل المنطقة.
نتفهم هول الكارثة التي يعيشها «الإخوان» اليوم، وترقبهم لمزيد من التضييق عليهم، ولكن للصبر حدود دائماً، وهذه الحدود يرسمها الأمن القومي لا الإعلام الزائف. ولدغة واحدة ضد أمن الخليج والمنطقة العربية تكفي أن تكون باعثاً لرد فعل حازم، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.