أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

الصين أمام امتحان ترمب

في منتجعه على شاطئ النخيل في فلوريدا، عقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الرئيس الصيني شي جينبينغ لقاءً استثنائياً أشبه بلقاء أصدقاء، أو هذا ما ابتغاه ترمب من خلال اختيار طبيعة المكان وتقديم الشيكولاته الفاخرة خلال الضيافة، حتى إنها سميت بجلسة الشيكولاته. ومع سمعة ترمب التي سبقته كونه رجلا حاسماً لا يقبل أنصاف الحلول، فقد تعامل بودية عالية مع ضيفه، حتى قيل إنه كشف له سراً حول نيته ضرب سوريا في الموقع الذي انطلقت منه الصواريخ الكيماوية على خان شيخون في إدلب قبل أسبوعين. الرئيس الصيني لم يتساءل لم يسأل لم يتعجب لم يستنكر، اختصر ردة فعله بالقول: حسناً.
منذ بداية الثورة السورية كان الموقف الصيني مشابهاً تقريباً للموقف الروسي حتى في مجلس الأمن، لم يكن عند الصينيين ما يدفعهم لتبديل موقفهم ضد حلفائهم وحلفاء حلفائهم؛ روسيا وإيران. باستثناء تأييدهم للقرار الأممي 2216 المختص بالوضع اليمني ووقوفهم مع التحالف في تحقيق أهدافه بعودة الشرعية، ويمكن اعتباره الموقف الأهم للصين مع المملكة العربية السعودية ضد إيران، نتيجة لتطور العلاقات بين الرياض وبكين.
اليوم تتغير مجريات معظم الأحداث، حتى التاريخية منها. الولايات المتحدة أرسلت رسالة واضحة لإيران وروسيا من خلال ضرب قاعدة الشعيرات، ويلحظ المراقبون تبدلاً ملموساً في لهجة وزير خارجية الولايات المتحدة تيلرسون مقارنة بسلفه جون كيري الذي كانت تطغى على عباراته دبلوماسية ممزوجة بالضعف وقلة الحيلة. تصريحات تيلرسون انعكست حتى على الإدارة الروسية، بما فيها وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي بات يأخذ التصريحات الأميركية على محمل الجد، مما أعطى المعارضة السورية قوة وإصرارا في مطالباتها ولغتها التفاوضية مع خصومها.
القمة الأميركية الصينية أظهرت جانبا من دبلوماسية ترمب خلال صعوده سلم العلاقات الصينية، وقد يفاجئ العالم بتحول في العلاقات مع بكين بشكل غير مسبوق. قوة ترمب وتصريحاته النارية قبل وبعد فوزه بالرئاسة رسمت صورة ذهنية للرجل أمام قادة العالم، بأنه قد يذهب بعيداً في تصريحاته ومواقفه أكثر من الواقع، لكنه إن فعل، فلن تكون أفعاله أقل بكثير من أقواله.
في تغريدة ملتهبة كعادته، ذكر ترمب أن الولايات المتحدة ماضية في الحد من السلوك الاستفزازي لكوريا الشمالية، سواء بمساعدة الصين أو من دونها. لكنه سيجرب الصين أولاً لأسباب عدة؛ أهمها أن بيونغ يانغ وبكين على علاقة ممتازة أساسها التبادل التجاري، وهو عامل مؤثر على اقتصاد كوريا الشمالية. والسبب الآخر أن تجارب كوريا الشمالية الصاروخية تثير توتر بكين نفسها، خاصة لو قامت بتجربتها النووية السادسة، ومع إخفاقات متعددة في نجاح هذه التجارب، من المحتمل أن تصل عواقبها إلى الأراضي الصينية. الرئيس الصيني بدوره خاطب صديقه كيم جونغ أون وحذره من هذه المخاطر.
فهل نتوقع حربا مدمرة بين واشنطن وبيونغ يانغ؟
هذا أمر مستبعد، أيضاً لأسباب موضوعية، أولها أن الصين ستكون أول المتضررين وليس فقط كوريا الجنوبية واليابان، وثانيها أن حرب دمار شامل ستمحي النظام الشيوعي في كوريا الشمالية تماماً، وهو ما لن يخاطر به الشاب كيم جونغ أون.
استعرضت كوريا الشمالية قبل ثلاثة أيام صواريخ باليستية خلال عرض عسكري، وبعدها بيوم واحد، وقبل ساعات من وصول نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إلى كوريا الجنوبية، أطلقت صاروخاً تقول إنه عابر للقارات، أي إن مداه قد يصل إلى الأراضي الأميركية. لكن كتجارب أخرى مماثلة حصل فشل في الإطلاق، إنما كان كافياً للإدارة الأميركية لفهم خطورة التجارب الصاروخية التي دأبت بيونع يانغ على القيام بها، سواء على الأرض أو في البحر أو من خلال الفضاء، حيث سبق أن نجحت في إطلاق قمر صناعي يحمل صاروخا يطوف الكرة الأرضية، ما جعل مايك بنس يعلن أن صبرهم على كوريا الشمالية قد نفد.
المهم هو رد الفعل الصيني، الذي جاء مباشرا وذا معنى، حيث صرحت بكين بأنها لن تقبل بجارة نووية تهدد المنطقة، ووجهت تهديداً مباشراً غير مسبوق بأنها ستكون مع مجلس الأمن في حال قرر تشديد العقوبات على كوريا الشمالية بشكل لم يسبق له مثيل، ومنها ما يخص النفط. هذا تحول كبير في العلاقات بين كوريا الشمالية والصين منذ توطدت إبان نصرة الصين لها ضد كوريا الجنوبية التي دعمتها واشنطن خلال الحرب بين الكوريتين في خمسينات القرن الماضي.
ترمب يعول على أمر رئيسي كبداية، وهو العلاقة الاقتصادية بين بكين وبيونغ يانغ، فحجم التبادل التجاري بين البلدين كبير، وتعتبر الصين المورد الرئيسي للفحم إلى كوريا، وثلاثة أرباع التبادل التجاري لبيونغ يانغ مع بكين، كما أن الصين تقدم احتياجات كوريا من النفط بأسعار أقل من سعره في الأسواق العالمية. وبعد اللقاء المذكور بين ترمب وشي جينبينغ، والتدريبات العسكرية التي تمت بين سيول وواشنطن، ووصول حاملة الطائرات «كارل فينسون» إلى سواحل شبه الجزيرة الكورية والمدمرة الصاروخية «ستيثام» إلى بحر الصين الجنوبي، مع وجود 28 ألف جندي أميركي، بات واضحاً للصين أنها أمام امتحان حقيقي، وأنها تستطيع الخروج منه بنجاحات هائلة سواء اقتصادية أو على مستوى ثقلها الدولي كدولة راعية للسلام.
تغريدة ترمب تعول كثيراً على الصين في وقف تهديدات كوريا الشمالية لشبه الجزيرة الكورية واليابان، لكنها ليست الخيار الوحيد، ويقال إن فشل التجربة الصاروخية الأخيرة لكوريا الشمالية مرده قدرة التقنية الأميركية التي تلاعبت ببيانات نظام الإطلاق، ويبدو أن هذا خيار آخر تتفوق فيه الولايات المتحدة على عدوتها المعزولة. ويمكن ملاحظة أن الولايات المتحدة هذه المرة هي التي تدق طبول الحرب على كوريا وليس العكس كما جرت العادة، وتصريحات تيلرسون وزير الخارجية تهدد بشكل مباشر بأن تلحق كوريا الشمالية بسوريا في غضبة واشنطن عليها بالعمل العسكري.
الواقع أن الموقف الأميركي المتشدد من كوريا الشمالية الذي تزامن مع ضرب أفغانستان بأم القنابل، بعد ضرب سوريا، لا يعني بالضرورة اتخاذ واشنطن قرار الحرب على كل أعدائها في وقت واحد، لكنها رسائل تبعث على الجدية، وأن عصر الصبر قد ولّى، كما قال مايك بنس.