مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

مثلي الأعلى

(غانا)، كانت مستعمرة بريطانية استقلت فيما بعد، وأصبحت عضواً في (الكومنولث) الذي أنشأته وتزعمته بريطانيا، وهو يضم تقريباً كل مستعمراتها القديمة التي تتحدث اللغة الإنجليزية.
وقد زارت الملكة (إليزابيث) غانا في أوائل الستينات من القرن الماضي بدعوة من الرئيس الغاني السابق (نكروما)، واستقبلت استقبالاً شعبياً حاشداً. وزيادة بإكرامها أقام لها الرئيس حفلة راقصة، رقصت فيها الملكة مع الرئيس رقصة (الهاي لايف)، وبالمقابل طلب إلى حلقة الرقص زوج الملكة (دوق أدنبره) مع زوجة نكروما. وكلما انتهت الأغنية أشار الرئيس بيده إلى فرقة الغناء بالمواصلة، إلى درجة أن الأغنية أعيدت ثلاث مرات، وتصبب العرق من الملكة و(انهد حيلها)، فيما كان نكروما ضاحكاً بل ومقهقهاً وهو في قمة السعادة والنشاط. وعندما طالت المسألة وزادت عن حدها بدأ التذمر والامتعاض من الفريق المرافق والتشريفات المصاحبة للملكة، لأنها المرة الأولى التي تجبر فيها وتنهك بأدائها لمثل هذه الرقصة العنيفة، أما دوق أدنبره، فكانت روحه رياضية وانشراحه لم يكن يقل عن انشراح نكروما.
أما الرأي العام في بريطانيا رغم تحفظه فإنه لم يأسف كثيراً على ما حصل، رغم أنه كذلك لم يسعد أن تتم زيارة الملكة على تلك الصورة التي خدشت التقاليد الملكية.
أما الرئيس الغاني، فكان يريد أن يثبت بتلك الرقصة بما لا يدع مجالاً للشك أن بلاده تتمتع بالحرية التامة والاستقلال التام، وقد سبق له قبل تلك الزيارة بعامين أن خطب في توديع (دوق أدنبره)، الذي كان يزور غانا وقتئذ وقال:
على الرغم من قصر زيارتكم فإننا نرجو مع ذلك أنه لم يفتكم أن تلاحظوا ما يملأ صدور شعب غانا من الكبرياء لما أحرزوه من الاستقلال، ولما وطدوا عليه عزمهم من أن بنوا بجهودهم الخاصة أمة قوية مسالمة.
وقد أعاد التاريخ نفسه، ولكن على نحو مغاير تقريباً، وذلك عندما ذهبت رئيسة وزراء بريطانيا (مسز ثاتشر) لحضور مؤتمر (الكومنولث) في أستراليا، وكانت هي المرأة الوحيدة بين الرؤساء، وبصحبتها زوجها (مستر ثاتشر). وحسب العرف، فجميع الرؤساء يكونون مشغولين باجتماعات العمل، وجرت العادة أن الدولة المضيفة تعمل برنامجاً ترفيهياً لزوجات الرؤساء، وكان من ضمنهن (زوج الست) مستر ثاتشر، الذي كان يبدو في منتهى السعادة، وذهب معهن إلى عروض الأزياء، ومحلات التجميل، وحمامات السباحة، بل ودخل معهن غرف (الساونا)، والتقطت له صور للذكرى والتاريخ.
وكانت زوجات الرؤساء خليطاً من كل الأشكال والأوزان والألوان، والنجم الساطع بينهن هو مستر ثاتشر، الذي أعتبره مثلي الأعلى من ناحية الروح الرياضية.