إزاء صدمة الأربعاء الماضي المروّعة في وستمنستر، القلب السياسي لبريطانيا، وافقت نيكولا ستيرجن على تأجيل برلمانها تداول بند إجراء اسكوتلندا الاستفتاء الثاني بشأن الاستقلال عن المملكة المتحدة. اعتادت صحف بريطانيا وقنواتها التلفزيونية نشر صورة لتيريزا ماي، رئيسة الحكومة، تواجه أخرى للسيدة ستيرجن، زعيمة حزبها (SNP) بانتقاء واضح للصورتين فيه تعمّد أن تحمل كلتاهما ملامح صارمة لامرأتين تخوض كل منهما مواجهة شرسة مع منافستها. هذا صحيح. السيدتان بالفعل تخوضان معركة سياسية غير عادية. يُفترض أن تطلق تيريزا ماي اليوم إشارة بدء سريان إجراءات الطلاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. نيكولا ستيرجن، بالمقابل، تصر أن اسكوتلندا، التي صوتت بأغلبية مع البقاء ضمن الاتحاد في استفتاء يونيو (حزيران) الماضي، سوف تخسر جراء ذلك الانفصال، لذا الأفضل لها أن تنفصل بدورها، حتى تضمن استمرار علاقاتها الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي.
رغم أن إتمام إجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوف تستغرق عامين، ورغم أن الحزب الوطني الاسكوتلندي لا يطالب باستفتاء ثانٍ قبل خريف العام المقبل، أو ربيع 2019، مع ذلك نشبت المواجهة مبكراً بين السيدتين ماي وستيرجن، ليس لأن الأولى أرادتها، وإنما ربما لأن للثانية ثأرها الناجم عن فشل حزبها في الحصول على أغلبية تؤيد الاستقلال إبان استفتاء عام 2014. ترتب على انفجار المواجهة مجدداً دخول المعركة نساء أخريات. تقف كل من روث ديفيدسون، وكيزيا دغديل، بالمرصاد في مواجهة نيكولا ستيرجن. الأولى هي زعيمة المحافظين في برلمان اسكوتلندا، والثانية تتزعم النواب العمال.
تتجاوز المواجهات السياسية بين نساء أحزاب بريطانيا حيز مشكل اسكوتلندا، أو ما تبع تصويت أربع وخمسين في المائة من مجمل البريطانيين مع إنهاء العضوية في الاتحاد الأوروبي. تمتد الخلافات إلى الحقول كافة، حيثما تولت الحقيبة امرأة. مثلاً، تتصدى العمالية أنجيلا راينر لسياسات الوزيرة جستين غريننغ في حقل التعليم، وتتحمل وزيرة داخلية الظل، دايان أبوت، مسؤولية المواجهة مع أمبر رَدّْ، وزيرة الداخلية، غير أن جريمة الأربعاء الماضي وحدت، بالطبع، موقف السياسيتين ضد الإرهاب. ومن جانبها، دخلت الوزيرة أمبر في مواجهة مع مواقع تواصل اجتماعي، ترفض مساعدة الشرطة في تتبع ورصد الرسائل المشفرة بين المشتبه بهم.
يوم أطلق السياسي جون برايت صفة «أم البرلمانات» على مجلس العموم البريطاني أثناء خطاب له في برمنغهام (18/ 1/ 1865) لم يكن حال حقوق نساء هذا البلد سياسياً يختلف كثيراً عن أحوال غيرهن. بيد أن المطالبة بتلك الحقوق لم تتأخر أيضاً، إذ شهد عام 1897 إطلاق حركة «SUFFRAGE» التي طالبت بحق المرأة في التصويت. كان يجب أن تمضي سنوات طويلة من النضال كي يتغير الحال إلى الأفضل، وتتمكن نساء بريطانيا سنة 1918 من حق الاقتراع والترشح، ومن ثم دخول المعترك السياسي من كل أبوابه.
في السياق ذاته، شهد العالم العربي كذلك تطوراً ملحوظاً خلال النصف الثاني من القرن الماضي، وتطوراً على نحو لافت منذ مطلع الألفية الجديدة، ولا يزال مستمراً. على الصعيد السياسي، سواء النيابي أو الوظيفي، برزت وجوه نسائية عدة في معظم الدول العربية. بالطبع، لم يخل فتح طريق العمل السياسي أمام المرأة العربية من آلام مواجهة العقل الرافض أي دور للمرأة في الحياة العامة. ستظل هذه المواجهة قائمة لأن تفكيراً كهذا يرفض التسليم بمنطق التطور، ولأن الأجيال الشابة ترفض بدورها الاستسلام لما تراه خارج زمانها وغير منسجم مع حلم مستقبلها. الإصرار المستند إلى قويم الخُلق، والقائم على اقتناع علمي بصواب أي مطلب، يشكلان أرضية صلبة للاستمرار في المطالبة حتى الوصول للمطلوب. الصبر عامل مهم وضروري أيضاً. وربما مفيد التذكير هنا بحقيقة أن نساء أم البرلمانات يخضن أشد المواجهات السياسية تحت قبة البرلمان، لكنهن حتى الآن ممنوعات من عضوية «أندية الجنتلمان»، التي تصر طبقة أرستقراطية من نمط عتيق على إبقاء عضويتها خاصة بالرجال فقط. كما ترون، أليس «لكل شيء إذا ما تمّ نقصان»؟ بلى.
10:20 دقيقة
TT
مواجهات نساء أمّ البرلمانات
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة