سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

باليستية

كنا في الماضي نترجم «الصواريخ الباليستية» بـ«الصواريخ العابرة للقارات»، باعتبار أن الصواريخ المشار إليها، كانت ما تملكه أكبر دولتين مدججتين بأسلحة القتل والتدمير والترعيب. فلا بد من أن يكون الصاروخ من النوع الذي ينطلق من لوس أنجليس مبيدًا بعد دقائق لينينغراد، أو يطلق من موسكو فيمحو بعد قليل جبال الروكي. أما الآن، فيشار إلى الصواريخ بأنها باليستية فقط، والمعنى في قلب الشاعر؛ أي ليس ضروريًا أن تعبر قارة.
ويبدو أن الهواية الوحيدة للزعيم المبجل في كوريا الشمالية، هي إطلاق الصواريخ الباليستية. وبعد كل عملية إطلاق، توزع الوكالة الرسمية صوره، هو وشقيقه، يضحكان ملء الأوداج المنتفخة، من خلف منظار لا بد أنه باليستي أيضًا. وفي السابق كنتُ عندما أقرأ مثل هذه الأخبار، وأرى معها الصور، يخامرني ألف شعور من الخوف، كلها على كوريا الشمالية وأهلها وأسراها في هذا السجن المريع، المسمى «أكبر سجن في العالم».
والآن كذلك، لأنه ليس من الممكن أن تخاف على كوريا الجنوبية والقواعد الأميركية فيها لأنها قادرة على طمر الشمال بالباليستيات. ولا يمكن أن تخاف على اليابان لأنها تستطيع أن تصنّع في أسبوع، مروحة صواريخ تحتية وفوقية وبرية ومائية، تزيل عن وجه الأرض بلدًا بأكمله، ومعه مناظيره. أخاف على شمال كوريا لأن أول مواجهة سوف تدفع شعبها للفرار إلى الجنوب، كما فرت ألبانيا برمّتها إلى إيطاليا بعد سقوط النظام المبجّل هناك.
ولأنني لا أفهم في الشؤون الاستراتيجية، وهوايات عائلة كيم إيل سونغ، يخطر لي أن أكتب إلى الحفيد كيم إيل جونغ أون، أستوضحه الفكر العظيم حول هذه التجارب. من يريد أن يرعب؟ 7 آلاف رأس نووي تملكها أميركا؟ ولماذا بدل هواية الصواريخ التي تعبر 500 ميل، لا يقيم مصنع سيارات تنقل شعبه، أو سلسلة أفران، أو مجموعة مختبرات طبية، أو جامعة واحدة على الأقل تدرس مواد غير عبادة الزعيم المبجل؟
لماذا لا يعثر هذا الفتى على هواية أخرى أقل تكلفة وخطرًا على أهله وشعبه وجيرانه؟ لماذا لا يحاول أن يقرأ ما العذابات التي يتكبدها الفارون من نظامه إلى الصين، ومن ثم، ما يتمكن دونه في الصين، وكل ذلك من أجل أن يصلوا إلى كوريا الجنوبية، التي ليست عبر القارات، بل عبر الحدود؟
أطلق الفتى المبجل صاروخه الأخير لكي يؤكد شجاعته في وجه دونالد ترمب، وعزمه على الرد. ما أحلى الجبن عند مثل هذه الشجاعة الجوفاء والثقيلة الظل. بدل أن يترك شعبه يعاني الأهوال للوصول إلى الصين، لماذا لا يذهب هو إليها ويطلب منها أن تساعده على الخروج بسلام من هذا الأتون العقلي المتفاقم، وأن تدله كيف يصبح دولة سوية قابلة للحياة الطبيعية مثل سائر الأمم، وأن تسهل عليه شراء المشهيات التي يحبها من اليابان بدل إطلاق الصواريخ عليها. باليستية.