خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

صديق الإنسان

وصديق الإنسان ليس الكلب بل الحمار، والحمار يلعب شتى الأدوار، أدوار ترتبط بالجدة وأدوار ترتبط بالطرفة. لا أدري لماذا نحتقره ونصف أي رجل أبله ومتخلف بأنه حمار، أو زمال كما يسمونه في العراق. ومع ذلك ننوط به شتى الأدوار الخطيرة. في منطقة الجزيرة العربية وأقطار مختلفة من العالم العربي هناك حمار القايلة. ارتبطت به شتى القصص والأساطير والمعتقدات الدينية. نراهم ينهون أطفالهم عن الخروج من البيت وقت القيلولة. يهددونهم بأن حمار القايلة سيأكلهم إذا رآهم خارج البيت وقت الظهيرة. وأي حيوان يخرج من البيت وقت القيلولة غير الحمير؟ ولا بد أنهم اشتقوا اسمه منها. حمار القايلة! ونهيق الحمار من أنكر أصوات الحيوانات. وفي العراق هناك زمال الطمّة، أو حمار الطمّة الذي يعمل لحمامات السوق. ينقل الرماد على ظهره من موقد الحمام. يحمله إلى خارج المدينة ليلقي به في «الطمة»، مستودع الرماد. يفرغ من هذه المهمة ويأخذ طريقه عائدًا لموقد الحمام. وفي طريقه يحمّله الناس شتى القمامة والأنقاض والحطب لتشعل في موقد الحمام. فحمار الطمة يقضي نهاره ومساءه في حمل الأثقال ذهابًا وإيابًا. وهكذا أصبح مضرب الأمثال للرجل الذي لا ينفك من العمل.
ومن هذه الزاوية، انطلق الروائي والمسرحي الظريف، توفيق الحكيم فكتب روايته الظريفة المليئة بالطرائف «حمار الحكيم»، ونشرها في عام 1940.
ورغم احتقارنا لهذا الحيوان البسيط والمسكين فالكثير من الأدباء والحكماء فعلوا كما فعل توفيق الحكيم. استشهدوا به لتعليم الإنسان العقل والحكمة. وكان الكاتب الإسباني الشهير سرفتانتس قد سار هذا المسار في روايته الشهيرة الحاشدة بالسخرية «دون كيشوت»، وفيها نقرأ عن حماقة الفرسان في خروج هذا الفارس الخطير والأحمق على صهوة حصانه ليرتكب شتى الحماقات التي يحذره منها خادمه الصغير، راكبًا حماره وراءه.
وعلى هذا المنوال ارتبطت شخصية الملا جحا نصر الدين بحماره، شاهدًا على ما يمر به الإنسان من حماقات. (جحا وحماره) يعلمنا الحكمة والصبر على المكروه في هذا الرباعي المرح، الملا نصر الدين وزوجة الملا وحمار الملا. وأخيرًا ابن الملا. حكاياته مع حماره كثيرة. وكان منها معاناته من حماره عندما ارتادته نوبة من العناد. وهو شيء شائع في عالم الحمير. ومن طرائف علاقته بحماره عرضه للبيع في سوق الحمير لمجرد استعراض معاناته منه.
بيد أن أروع ما عرفناه من مواعظ التواضع كان في قيام السيد المسيح عليه السلام بدخول مدينة القدس والتبشير فيها على حمار في حجيج من الناصرة إلى القدس.