مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الغانية (المنقبة)

في مدينة (سبرينغفيلد) في ولاية (ايلينوي) الأميركية استطاعت الصغيرة (بيت املينغ) التي تبلغ الحادية عشرة من عمرها أن تقلب السياسة التي جرت عليها الولاية طوال ستة أعوام، وتجعل أنف أبراهام لينكولن في متناول الأيدي مرة أخرى، وهذا الأنف جزء من تمثال نصفي للرئيس لينكولن، ويعتقد معظم أطفال الولاية أن من دواعي الفأل الحسن أن يحكوا أنف المحرِّر العظيم، فانتهى حبهم هذا بأن أضفى على الأنف لمعانًا لافتًا.
ورأى موظفو حكومة الولاية أن هذا البريق يدعو للسخرية على الوجه القوي المناضل، فقرروا عام 1970 زيادة ارتفاع قاعدة التمثال النصفي بمقدار 70 سنتيمترًا، لإبعاد الأنف عن أيدي الصغار المحبين.
ومرت الصغيرة بيت بتلك التجربة عندما زارت القبر، فآلمها ذلك، وأعربت عن استيائها في رسالة وجهتها إلى نائب دائرتها الانتخابية، فما كان من النائب إلا أن أحال الرسالة على مدير المحافظة على الآثار في الولاية، وحقّق المدير في الأمر، فلم يجد أي قوانين أو لوائح تحظر تلميع الأنوف، و(هبطوا) التمثال النصفي إلى ارتفاعه السابق، لكي يستمر الأطفال بصقل أنفه.
وأعترف أنني من ضمن من أسهموا في صقله، لأنني عندما كنت بتلك الولاية ومررت بالتمثال، أخذت أفركه بطريقة لفتت أنظار الآخرين.
وفعلاً أصبح منظر الأنف مضحكًا، لأنه يطالعك على البعد وهو (يلصف)، فتنسى كل ملامح الوجه، ولا يرسخ في ذهنك سوى ذلك الأنف اللامع المضحك.
ورغم أنني معجب بشخصية (لينكولن) وتاريخه تحديدًا، فإنني كنت وما زلتُ أتمنى لو أن بعض، لا كل، أنوف رؤساء أميركا اللاحقين تُفرك على الطبيعة إلى أن يخرج الدم منها.
***
كنا نتجادل و(نحش) في رجل مغرور إلى درجة لا تُطاق، وأعجبني رأي أحدهم عندما قال عنه باختصار: إن (فلانًا) مقتنع تمامًا لو أنه لم يولد ولم يأتِ إلى هذه الدنيا لتساءل الناس عن السبب.
***
ضحكت من منطق طفلة صغيرة من أقاربي، وذلك عندما تعلقت بثوبي تريدني أن أشاهد أختها المولودة للتو، فقلت لها إنني سوف أزوركم يا حبيبتي عندما تتحسن صحة أمك.
فقالت لي بكل براءة: لا تخف (يا عمو) فمرض ماما غير معدٍ.
***
إنني متحير في تصنيف ذلك القرار الذي أقدمت عليه الشركة الأميركية الشهيرة (رينولدز أميركان)، التي تنتج سجائر (CAMEL) المرسومة عليها صورة الجمل، فهي تمنع جميع عمالها وموظفيها من التدخين في مصانعها ومكاتبها ومبانيها.
فكيف نفسر ذلك؟! إن تلك الشركة أشبهها بـ(البار مان)، الذي يضيّف ويخدم على زبائنه دون أن يشرب قطرة من الخمر، أو مثل الغانية (المنقبة)، التي ترتدي فوق ذلك القفازات في يديها.