هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية - التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
TT

تحالف يوناني قبرصي إسرائيلي لمواجهة.. تركيا!

بدأ نوع من تحالف قوي يأخذ شكلاً وحجمًا في الشرق الأوسط، له أهمية عسكرية. هذا التحالف يفتح أبواب التلاقي ما بين إسرائيل واليونان وقبرص اليونانية.
في الشهر الأول من هذه السنة قام وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون بزيارة رسمية إلى أثينا بدعوة من نظيره اليوناني بانوس كامينوس. في أثنائها، عُقد في القدس مؤتمر بين الحكومتين الإسرائيلية واليونانية، حيث وصل ألكسيس تسيبراس رئيس الوزراء اليوناني على رأس وفد من 10 وزراء. كانت هذه الزيارة الثانية لإسرائيل التي يقوم بها تسيبراس خلال شهرين. في اليوم التالي لهذا المؤتمر، عقدت قمة ثلاثية في نيقوسيا، جمعت بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي وتسيبراس والرئيس القبرصي نيكوس أناستسياديس، وصدر عن القمة إعلان مشترك كبير، ركز على عدة مجالات للتعاون منها: الطاقة، والسياحة، والبحوث التكنولوجية، والبيئة، والهجرة، ومكافحة الإرهاب.
هذا النشاط الدبلوماسي الحاد لا يجري في فراغ، فلكل طرف أهدافه الخاصة وحساباته، وتبدو في الخلفية علاقات هذه الدول بتركيا. زيارة يعالون إلى اليونان (إنها الزيارة الرسمية الثانية لوزير دفاع إسرائيلي، الأولى قام بها إيهود باراك عام 2012)، كانت لتأكيد العلاقات الأمنية والعسكرية القوية بين إسرائيل واليونان التي بدأت قبل عدة سنوات وهي تشمل مناورات مشتركة للقوات الجوية، (أحيانًا تنضم إليها دول أخرى)، فضلاً عن مناورات مشتركة لقوات البلدين البحرية.
منذ عام 2010 وبعد حادثة «ماوي مرمرة»، منعت تركيا الطائرات العسكرية الإسرائيلية من عبور أجوائها، فصارت هذه تستعمل الفضاء اليوناني في طريقها إلى أوروبا أو الولايات المتحدة. وفي عام 2014 عينت إسرائيل ملحقًا عسكريًا في أثينا وكمعتمد لدى قبرص.
خلال وجوده في أثينا عقد يعالون مؤتمرًا صحافيًا وكان إلى جانبه وزير الدفاع اليوناني. خلاله اتهم علنًا تركيا بأنها تدعم الإرهاب بدل محاربته، وزعم بالتحديد أن أنقرة تشتري النفط من «داعش». كامانوس وزير الدفاع اليوناني يرأس حزبًا يمينيًا متطرفًا (اليونانيون المستقلون)، وهو شريك في حكومة التحالف مع تسيبراس، وقام بزيارة إسرائيل في 18 فبراير (شباط) الماضي، بعد زيارة يعالون، حيث شارك في مؤتمر «التحديات الاستراتيجية في شرق المتوسط»، في مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية.
كانت قمة نيقوسيا الثلاثية التتويج لهذه الأنشطة المتسارعة، حيث تلاها إعلان مشترك أشار إلى أن «التعاون الثلاثي لن يكون حصريًا»، أي إنه يبقى مفتوحًا لانضمام دول أخرى مثل مصر وربما تركيا، وكإشارة إلى تركيا قال المسؤولان اليوناني والقبرصي إن هذا التحالف مع إسرائيل ليس «موجهًا ضد أي دولة أخرى».
لم تكن تركيا بعيدة عن كل هذه الأنشطة، إذ إن الإعلام الإسرائيلي والغربي يطرح بين فينة وأخرى أخبارًا عن تقارب جديد بين إسرائيل وتركيا، ولم يكن خافيًا الاهتمام الأميركي بهذا التقارب. كل هذا دفع اليونان وقبرص إلى تقوية علاقاتهما بإسرائيل، ورغم ادعاءات اليونان بأن علاقاتها جيدة مع تركيا وكذلك عن المفاوضات بين اليونان والقادة الأتراك حول قبرص، لا تزال تركيا تعتبر عدوًا محتملاً من قبل اليونان وقبرص معًا. والذي يزيد من هذا العداء التاريخي أن اليونانيين يعتقدون أن تركيا، وعن عمد، ترسل مئات الآلاف من اللاجئين إلى شواطئهم وجزرهم لتضرب السياحة مصدر الرزق الوحيد في أزمة اليونان الاقتصادية، وبالتالي لإضعافها، ثم إن نصف جزيرة قبرص تحتله تركيا منذ عام 1974.
سياسة تسيبراس رئيس الوزراء اليوناني تجاه إسرائيل مفاجئة ولافتة. فهو رئيس حزب «سيريزا» اليساري، الذي كان يعتمد سياسة مناهضة وناقدة لإسرائيل في الماضي. لكن منذ أن تولى رئاسة الوزارة للمرة الأولى (انتخب تسيبراس مرتين عام 2015) اعتمد سياسات وسطية في الشأنين الداخلي والخارجي. اللافت أن تحسن العلاقات بين اليونان وإسرائيل بدأ عام 2010 مع رئيس الوزراء اليوناني الاشتراكي جورج باباندريو، واستمر عام 2012 مع رئيس الوزراء المحافظ أنطونيوس ساماراس، وها هي تتطور نحو الأعمق مع تسيبراس اليساري. وحسب العارفين، فإن العلاقات اليونانية - الإسرائيلية تتمتع بدعم من الرأي العام اليوناني.
منذ تطور العلاقات نحو الأحسن بين الدولتين، أي نحو 6 سنوات، واليونان قلقة عما إذا كانت ستدفع الثمن في حال تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا. إسرائيل وعت هذا القلق، لذلك خلال لقاءات هذه السنة أصرت على إبلاغ المسؤولين في اليونان على أن العلاقات الإسرائيلية - اليونانية لن تتعرض لأي خطر بسبب اتصالاتها مع تركيا. من جهته، يحاول تسيبراس أن يثبت أن لليونان مكانتها الخاصة في شرق البحر المتوسط، وأنها تستطيع أن تساهم في إيجاد حل للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني.
بالنسبة إلى قبرص، فإن لها قصتها الخاصة مع تركيا، ثم هي تريد إظهار استقلالها في المنطقة. وتربطها بإسرائيل علاقات عسكرية ودفاعية قوية جدًا، واللافت أيضًا أن هذه العلاقات بدأت خلال حكم الرئيس الشيوعي ديمتريس كريستوفياس وانطلقت واتسعت تحت رئاسة المحافظ نيكوس أناستسياديس.
وحسب العارفين، يبدو أن الولايات المتحدة لها ضلع كبير في هذا التحالف الإقليمي الذي بدأ يبرز، وإن كان من ناحية الدور التركي. وكان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن زار تركيا وتعمد لقاء نتنياهو في منتدى «دافوس» في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي. ثم أعلن البيت الأبيض رسميًا أن بايدن هاتف نتنياهو لبحث الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق - تقارب مع تركيًا وأيضًا لبحث القمة الثلاثية في نيقوسيا. الأميركيون مهتمون جدًا بإيجاد حل للنزاع الإسرائيلي - التركي، فهم يرون تركيا عاملاً رئيسيًا في حل الأزمة السورية.
يبدو أن إسرائيل ترد على الاتصالات الأميركية لكنها لا تصغي، وكأن كل ما تهتم به إدارة الرئيس باراك أوباما لا يهم نتنياهو الذي يركز الآن على العلاقة الثلاثية بين إسرائيل واليونان وقبرص، والثلاثة يفضلون تسليط الأضواء في مجال الطاقة بدلاً من إبراز أهمية العلاقات العسكرية بينهم. لكن هناك الكثير من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات حول تصدير الغاز. إسرائيل مثلاً غير متأكدة من حجم الغاز لديها، وعما إذا كانت قادرة على تصديره ولمن، وعبر أي وسائل. ثم إن المحادثات مع اليونان وقبرص حول الغاز تجري منذ عدة سنوات من دون أي نتيجة حقيقية. فمن حيث المبدأ يمكن مد خط أنابيب يربط الدول الثلاث، لكن من الناحية التقنية سيكون الأمر معقدًا جدًا وسيكلف تقريبًا 10 مليارات دولار. والذي يعقد المسألة أكثر هو الاهتمام الذي أظهرته شركات تركية بالغاز الإسرائيلي. ورغم كل ما قيل عن الغاز في إسرائيل، فإن هذه الأقوال تبقى نظرية ومن غير الممكن التنبؤ كيف ستتطور الأمور، ولمن إسرائيل ستصدر الفائض لديها، هذا إذا بقي لديها من فائض.
من مفهوم إسرائيلي فإن تطور العلاقات مع اليونان وقبرص يشكل ربحًا واضحًا لها. فتعزيز العلاقات مع هاتين الدولتين يخلق كتلة جيوسياسية جديدة، تستطيع إلى حد ما الوقوف في وجه تركيا. لهذه الكتلة أهميتان عسكرية وسياسة. اليونان عبرت عن استعدادها مساعدة إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي وأثبتت هذا عندما قادت حملة ضد وضع العلامات على منتجات المستوطنات الإسرائيلية، واعتبر هذا تغييرًا حادًا في السياسة اليونانية داخل الاتحاد الأوروبي. من جهتها فإن قبرص تلقائيا تقوم بدعم المواقف اليونانية وهذا يعطي اليونان «تصويتًا مزدوجًا» داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي. أيضًا، تعتقد إسرائيل أن علاقة قوية مع اليونان وقبرص قد تثير حفيظة تركيا إلى درجة تشجيعها على إظهار المزيد من المرونة في المفاوضات المتعلقة بإعادة تطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.
وسط محاور أو كتل جديدة تتشكل، أو أزمات قد تبرز كالتي بين إسرائيل وتركيا مثلاً، يتساءل المرء أين أصبحت القضية الفلسطينية. اليونان تقليديًا مع الفلسطينيين، قبرص كذلك، وهذا يسري على تركيا. لكن مع منطقة متفجرة تسابق الزمن نحو الهاوية... هذا العراق يفتته أبناؤه، وهذه سوريا يدمرها نظام تربع عليها منذ 46 عامًا، وهذه مصر تلملم اقتصادًا مهددًا، وتنتشر في سينائها شظايا إرهاب يجتاحها، هل نلوم اليونان وقبرص وحتى تركيا ونتهم هذه الدول بأنها أضاعت القضية الفلسطينية عندما وثقت علاقاتها بإسرائيل؟
أما الولايات المتحدة فإنها مشغولة بانتخاباتها الرئاسية، وبريطانيا غارقة في استفتاء بقائها في الاتحاد الأوروبي أو خروجها منه، ويزداد فيهما الحديث عن بناء جدران أو تشديد المراقبة على الحدود، وكأنهما تعرفان أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على انفجار أكبر وسيطول.