د. عبد الملك بن أحمد آل الشيخ
مستشار قانوني و كاتب سعودي
TT

رسالة إلى الشعوب الإيرانية.. هل من أمل؟!

منذ قيام الثورة الخمينية في نهاية السبعينات الميلادية، والمنطقة العربية تعيش واقعًا مشحونًا، تذكيه من فترة إلى أخرى التدخلات الإيرانية المباشرة، مسبوقة بتصريحات المسؤولين الإيرانيين، الطافحة بالعدوانية. المسألة تجاوزت الحالة التصعيدية للأجهزة الإعلامية المحسوبة على جهة أو أخرى، وإنما عبارات لا تنقصها الصراحة ولا الوضوح، نطقت بها شفاه كبار المسؤولين الإيرانيين - وما تخفي صدورهم أكبر - فلا يمكننا نسيان ما صرح به رئيس الأركان الإيراني فيروز أبادي قبل عدة سنوات الذي يعد من رموز النظام، عندما صرح أثناء حضوره لإحدى المناورات العسكرية بأن الخليج العربي «ملك لإيران». ولن ننسى كذلك، التصريحات الاستفزازية من قِبل عضو اللجنة البرلمانية لشؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيرانية محمد كريم عبادي والخاصة بالسعودية، والتي لا تعتبر زلة لسان، كما روج البعض. إنها قناعات راسخة، ورغبات جامحة تدور في العقل السياسي التوسعي لصناع القرار في طهران. وأكبر دليل على ذلك استمرار النظام الإيراني في احتلاله للجزر الإماراتية الثلاث، وتدخله السافر في البحرين واليمن واحتلاله للعراق وسوريا. ألا يدفعنا ذلك إلى أن نتساءل: ماذا لو امتلك النظام الإيراني سلاحًا نوويًا؟ ما الوضع الذي ستكون عليه المنطقة؟
لن يتردد النظام الإيراني في إرضاء طموحه التوسعي، وإشباع شهوته الاستعمارية، إذا حانت ساعة الصفر التي يرسم لها، ويرتقبها بفارغ الصبر، ولا بد من التمهيد لتلك الساعة المرتقبة، ولو ترتب على ذلك إشعال المنطقة برمتها، كما هو حاصل الآن، وإدخالها دوامة من العنف والتدمير من خلال صراع طائفي ممنهج يخدم تلك السياسات التوسعية. ويمكن لنا من خلال هذا السياق أن نتفهم طبيعة التطهير الطائفي والعمليات الإرهابية ذات البعد الطائفي التي تحدث في منطقتنا.
لذلك جاء القرار السعودي ببدء عاصفة الحزم في اليمن كرسالة عملية أولى للنظام الإيراني بأن زمن الإدانة والشجب قد ولّى وأن سياسة الحزم والعزم مع خطط النظام الإيراني التوسعية التدميرية للمنطقة قد بدأت، إذ توالت كثير من المواقف السياسية السعودية العقلانية والحازمة منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز زمام الحكم في السعودية، والتي تمثل رسائل قوية للنظام في طهران مفادها: كفى إرهابًا، كفى مؤامرات، كفى تدميرًا لمنطقتنا العربية، وكفى تطهيرًا عرقيًا واحترابًا طائفيًا. ومن تلك المواقف قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وآخر تلك الرسائل وأبلغها مناورات رعد الشمال، مصداقًا لقول الحق تبارك وتعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ».
لقد عزمت القيادة السعودية على أن لا تستهين بنيات النظام الإيراني وأن لا تستهين بحلفائه العقائديين كحزب الله والحوثيين وغيرهم ممن تمت برمجتهم عقديًا وفكريًا، قبل ارتباطهم سياسيًا واقتصاديًا.
لقد أخذت القيادة السعودية على عاتقها أن تضمن لأجيالها الحاضرة والقادمة بعون من الله أنها لن تكون رهينة لنظام على مرمى حجر منها، له طموحاته التوسعية في امتلاك المنطقة، ويمارس الإرهاب والتطهير الطائفي ونشر الفوضى.
كما تدعم وبقوة جهود المجتمع الدولي لضمان عدم امتلاكه السلاح النووي من خلال المراقبة الصارمة والمستمرة التي أقرها الاتفاق الدولي حول برنامجه النووي، لضمان عدم تمكينه من خرق ذلك الاتفاق. كما تطالب السعودية المجتمع الدولي بمطالبة طهران بنبذ الإرهاب الدولي ولجم سياساتها العرقية والطائفية التدميرية والمتمثلة في التطهير العرقي والطائفي داخل إيران وخارجها، والتي لا تقل خطورتها عن امتلاكه السلاح النووي، بل والحصول منها على ضمانات دولية بذلك.
وعلى المستوى الشعبي، لا بد لدول وشعوب العالم العربي من إيصال صوتها إلى الشعوب الإيرانية بكل أطيافها واتجاهاتها، ومحاولة تبيان تخوفاتها، مقرونة برغبتها الصادقة في التعايش معها، من أجل الاستقرار والنماء لشعوب المنطقة.
سوف يتحقق كثير حينما تتفهم الشعوب الإيرانية أننا سنقف سويًا أمام قوى العدوان والكراهية، أينما وجدت في منطقتنا، لكي لا تغتال الأمل في نفوسنا ونفوسهم، وتشحن مستقبلنا معا بالدمار الذي ينتظر أطفالنا وأطفالهم. علينا أن نقتلع الشك والشوك لنستطيع السير معًا نحو الأمن والسلام، والتنمية والاستقرار. عندها سوف نرسم مع الشعوب الإيرانية مستقبل المنطقة المزدهر، الخالي من أسلحة الدمار الشامل وسبل العنف والإرهاب والطائفية المقيتة، على أسس واضحة من التعاون والتعايش المشترك. فهل من أمل؟