علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

حديث التسوية السعودية الإيرانية

ليس بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة الذي يفتح حديث الدعوة إلى تسوية بين السعودية وإيران لحل خلافاتهما من أجل استقرار منطقة الشرق الأوسط وإطفاء نيران النزاعات وبؤر التوتر المشتعلة فيها، فقد ظهرت هذه الدعوات بعد الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني والقوى الست الكبرى التي تتصدرها الولايات المتحدة، مع انفتاح شهية الغرب لعقود بعشرات المليارات وربما مئات المليارات من الدولارات مع طهران التي ستحصل على أموالها المجمدة بعد رفع العقوبات الدولية.
تسوية الخلافات كلام دبلوماسي جميل لا يستطيع أحد الاعتراض عليه، لكن حتى يكون هناك أفق لتسوية حقيقية تراعي مصالح الجميع يجب وضع النقاط على الحروف، وعدم استخدام دبلوماسية تتلاعب بالألفاظ وتضع الطرفين في ميزان واحد بينما الحقائق على الأرض تقول غير هذا.
الوقائع والتاريخ القريب يشيران إلى أن الرياض بذلت كل جهد ممكن في عهد عدة رؤساء إيرانيين بما فيهم الرئيس الحالي روحاني لإيجاد علاقات طبيعية مع طهران باعتبارها جارة جغرافيًا ودولة إسلامية، ولا توجد أي مصلحة في الدخول في عداء معها، وكانت ذروة محاولات التقارب والقضاء على الخلافات أيام خاتمي ورفسنجاني، وكان هناك تفاؤل عندما صعد روحاني إلى سدة الرئاسة.
لكن دائمًا كانت هذه الجهود تصطدم بالصراع الداخلي في إيران بين معسكري المحافظين ورأس حربته الحرس الثوري والمؤسسة الدينية هناك وفريق الإصلاحيين الذين كانوا دائمًا الطرف الأضعف في هذا الصراع، ومقاليد السياسة الخارجية ليست في يده ليبدو الأمر وكأنه تقسيم أدوار، ولا فرق بين هذا وذاك.
كانت دائمًا هناك مشكلة مع التركيبة المعقدة للسلطة في إيران، فهي جمهورية، لكن الرئيس المنتخب من الشعب ليس لديه كل الصلاحيات، فالمرشد الأعلى الذي يتمتع بسلطات دينية وسياسية هو المرجع الأخير وهو القوة الحقيقية التي تحرك الدولة، وهناك مجلس الخبراء الذي يحدد من له حق الترشح للانتخابات، وبالتالي فهو يقوم بعملية فلترة لمن له حق دخول الساحة السياسية.
هذه التركيبة هي التي تتحكم في السياسة الخارجية لإيران ومغامراتها الخارجية، ونقاط الاشتباك مع العالم العربي سواء في لبنان وسوريا والعراق واليمن، من خلال تشجيع طهران وتمويلها وتسليحها ميليشيات لتحل مكان الدول في قرارات سيادية مثلما رأينا حزب الله في لبنان، أو شن حروب طائفية فككت النسيج الاجتماعي لشعوب عربية.
الجانب العربي مصلحته هي إطفاء هذه الحرائق التي حولت نصف سكان سوريا إلى لاجئين ونازحين، وجعلت مساحات كبيرة من العراق في يد جماعات إرهابية بآيديولوجيات طائفية، وحولت اليمن إلى مدن مدمرة، تحاول ميليشيا تمولها وتدعمها إيران السيطرة عليه.
الشواهد تدل على أن أي تحسن حقيقي في العلاقات مرتبط بتغير داخلي في إيران، والدلائل تشير حتى الآن إلى غير ذلك، فروحاني حسب مجلة «الإيكونوميست» لم يستطع التمتع بالاحتفال بالاتفاق النووي، فخلال أيام حظر مجلس الخبراء معظم الإصلاحيين من الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة وفرضت واشنطن عقوبات جديدة بسبب برنامج الصواريخ الإيراني.
مجلس الخبراء هذا الذي ستجري إعادة انتخابه هو الآخر الذي سيختار مرشد إيران المقبل الذي سيخلف خامنئي، وواقعيًا فإن ذلك هو الذي سيحدد ميزان القوى في طهران وبالتالي اتجاه علاقات إيران مع دول المنطقة.
كلام الدبلوماسية لم يعد يجدي، فحقيقة الأمر هي أن السعودية ومعها تحالف عربي في موقف الدفاع وإطفاء الحرائق داخل دياره بينما طهران هي التي تشعلها، وتستخدمها كورقة مساومات مع الغرب في مفاوضاتها النووية. تغيير الاتجاه يتوقف على اتجاه الصراع الداخلي في إيران، فالعرب حتى لو كانت هناك خلافات، يريدون التعامل مع دولة ومؤسسات حقيقية وليس حرسًا ثوريًا وقوات باسيج وأبوابا خلفية مثل الميليشيات التي يتعين على زوارها عصب عيونهم، على طريقة أفلام المافيا.