علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

كيف سيقرأ التاريخ {الربيع العربي}؟

أصبحت هناك عادة أن تقرن التحركات الاجتماعية الكبرى بفصول السنة أو بألوان معينة، فما حدث في المنطقة العربية في 2011 أصبح يعرف بـ«الربيع العربي»، وما حدث في أوكرانيا في العامين الماضيين عرف باسم «الثورة البرتقالية»، بينما ما حدث من احتجاجات في إيران عام 2009 أطلق عليه اسم «الثورة الخضراء».
الألوان اختارها أصحابها المنتفضون أو المحتجون، بينما «الربيع» أطلق من الخارج على غرار «ربيع براغ» في عام 1968، الذي استمر عدة أشهر ثم قمع بتدخل دول حلف وارسو بنحو ألفي دبابة اجتاحت تشيكوسلوفاكيا السابقة، وسال الدم في شوارع براغ، وتأجلت الإصلاحات نحو ثلاثة عقود، لتطال الاتحاد السوفياتي نفسه الذي ورثته روسيا. كان نصيبنا في المنطقة مصطلح «الربيع»، فعرفت الحركات الاحتجاجية والثورات التي شهدتها دول كثيرة في 2011 بـ«الربيع العربي»، وأصبح هذا هو الاسم الرسمي الذي سيقيّم فيه التاريخ جيل «الربيع العربي»، بما في ذلك التداعيات التي تسبب فيها سواء سلبًا أو إيجابًا.
بدأ «الربيع العربي» من تونس، لينتقل إلى مصر، كمظاهرات سلمية تخللها عنف أو قمع من الشرطة، لينتقل إلى ليبيا وسوريا واليمن، حيث تحولت الاحتجاجات إلى أعمال مسلحة وحروب أهلية تدخلت فيها قوى خارجية وإقليمية حسب مصالحها، وكانت خسائر المنطقة بمئات المليارات من الدولارات.
خمس سنوات مرت على شرارة «الربيع العربي»، والاحتجاجات التي جاءت لأسباب اقتصادية وأخرى متعلقة بالحريات، لم تستوعبها الأنظمة الحاكمة، كما حدث خلال الثورة الفرنسية أو الثورة الروسية البلشفية، لكن المشكلة الكبرى كانت هي أن المحتجين أنفسهم لم يكن لديهم تصور أو رؤية عملية للبديل الذي يرغبون في إحلاله محل النظام القديم، فقفز الإخوان على السلطة في مصر وتونس قبل أن يتم إبعادهم، ودخلت ليبيا وسوريا واليمن في صراعات مسلحة تهدد بقاء الدولة نفسها، فبدت المسألة كأنها نصف ثورة دعمها الجيش لهز النظام.
التحركات الاجتماعية الكبرى لا يعرف أحد نهايتها أو يستطيع التنبؤ بها، فالثوار الفرنسيون في القرن الثامن عشر لم يتصوروا أنهم سيدخلون عهد الإرهاب لتسقط الإمبراطورية في يد نابليون الذي شن حروبًا إقليمية في أوروبا، ولا يزال الفرنسيون يحبونه رغم مغامراته العسكرية، والروس لم يتنبأوا بأنهم سيعيشون 7 عقود تحت حكم شمولي شديد القسوة.
التجربة في مصر، وإلى حد ما في تونس، تشير إلى أن الناس ملت الفوضى وتريد إعادة الاستقرار بشكل أو بآخر، لكنه ليس على النمط القديم، وفي بقية بلدان «الربيع العربي» تخطت الحالة إرادة الشعوب المعنية أو ماذا ترغب، ليصبح المصير في يد راسمي الخرائط والمصالح الدولية، والمأساة أن تتحول انتفاضة أو ثورة إلى قضية لاجئين وهاربين بالزوارق.
كيف سيحكم التاريخ على جيل «الربيع العربي»؟ سؤال يتمنى كثيرون أن يقرأوا المستقبل ليعرفوا إجابته، وهذا لن يحدث إلا بعد مائة عام.. تكون النفوس قد هدأت، والشخصيات التي تصدرت الساحة اختفت، وظهرت أجيال جديدة تستطيع أن تقرأ ما حدث بموضوعية وهدوء؛ هل هي نصف ثورة دعمتها مؤسسات في الدولة مثل الجيش كما حدث في مصر أو تونس؟
لقد حدث تغيير، ولا عودة إلى الوراء، لكن المؤمل ألا تكون المسألة مثل «الثورة العربية الكبرى» التي يقرأها كل طرف حتى الآن حسب انتمائه السياسي، إلى درجة أن البعض يريد إعادة عجلة الزمن إلى الوراء بما فيها، فأحد مظاهر النجاح في الخروج من مستنقع الحالة هو اعتبار الماضي تاريخًا يستفاد منه، والنظر إلى المستقبل، أما «داعش» وأصحاب النظريات المشابهة، فمجرد طفيليات تحاول الركوب على الحالة، لكنها غير قادرة على العيش وسط أجواء نظيفة.