إيقاظ الإنسان الهيمان من خيال البغدادي الوهمان

بدايةً، هذا التسجيل دليل يقيني وقطعي على أن هذا الفكر المسمى «داعش» هو فكر منحرف يتبنى التكفير والتأصيل له والتأسيس لقواعده والترسيخ لأسسه وأركانه، فهو يتبنى التركيز والترسيخ لفكرة تصور تقسيم العالم الكوني إلى فسطاطَين (فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان)، وهي استجلاب للنصوص الغيبية في استغلال مفضوح لركيزة إيمانية لدى المسلمين بما يُسمى بعلامات القيامة الأخروية والأحداث التي تسبق تلك العلامات وتوظيفها لأغراض سياسية بعثية من قبل رؤوس البعث المتأسلم، وربط ذلك الإنسان المراد إيقاظه من قبل البغدادي بأن حربهم هي قتال طاعة لله وترغيبًا من قبل الله عز وجل، وأنه لم يكلف بالنصر، وأن أمم الكفر اجتمعت عليه، ويقرر أنه الفائز بكل حال مع كثرة المصائب والقتل والنوائب، وأن اجتماع الكفار فيه دلالة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار على أنه وجماعته ودولته هم الطائفة المنصورة، وذلك حتى يكتمل الفسطاطان الوهميان، ثم يُكرر بضعف مشوب بحذر بأن يُخاطب العامة ويقصد به جنوده، وذلك سوف يتأكد في آخر تسجيله المذاع بأن يُقرر «دولتكم لا تزال بخير».
ثم يرتقي هذا البغدادي الهيمان في أتون العظمة وتشكل الإمبراطورية في عقله أنه كلما ازداد القتل والحصار ازداد النقاء في دولته، وأنها سوف تلفظ عنها المنافقين في معركة حرب أمم الكفر ضد أمة الإسلام، معركة الكفار جميعًا ضد المسلمين جميعًا، فهو يصور ويتصور ويتخيل ويتوهم ويوهم أنه يمثل أمة الإسلام، لذا فإنه واجب على كل مسلم تأدية فريضة الجهاد في سبيل الله، فإن عصى فعليه السخط وغضب الله، وأن هذه الحرب هي حرب كل مسلم وعليه خوضها، وهذا يوضح الضعف الذي تخلل صفوف ما يسمي بـ«الدولة الإسلامية»، وذلك أنه يستغيث بأعدائه بأن يخوضوا حربًا برية، وما هكذا تكون الحروب، فإن من لديه قدرة على خوض الحرب لا يشترط على من يُقاتل الطريقة التي يُقاتل بها!! بيد أنه بهذه التوهم يُخيل لمريدي «الدولة الإسلامية» المزعومة بأن الأمم التي اجتمعت لقتاله تهرب من معركة آخر الزمان وهي معركة دابق، وهذا أسلوب قديم لجماعات الضلال واليأس ومحاربة عمارة الأرض والعالم بأن يُعلق جنوده ومريديه بحدث يُقرب العلامات الكبرى ليوم القيامة ونهاية العالم، وهذا هو الهروب الحقيقي من العمل بمقاصد وأسس وأركان الإسلام ورسالته الحقيقية لهداية الناس وترسخ أهم مقصد من معانيه ومقاصده وهو السلام وهداية الناس.
ثم يُظهر خوفه ورعبه من التحالف الإسلامي بأن هدفه محاربة «الخلافة الإسلامية»، وهذا دليل حقيقي على أن ما قامت به الدولة السعودية، الممثل الحقيقي للإسلام الوسطي، هو عين الصواب لتجريد الجماعات الإرهابية التكفيرية من أنها لا تمثل الإسلام ولا علاقة لها بمقاصده وأسسه وأركانه.
ثم يذهب بنا إلى فلسطين واليهود ودولة إسرائيل فيُلقي التهديد والوعيد والثبور، ويوظف الآيات والنصوص كي يجعل من جماعاته الإسلام وأن من يقاتلونه هم يُقاتلون الإسلام، ويصور نفسه أنه شرع الله، وأن الحرب عليه وعلى منظمته هي حرب على الإسلام وعلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن من يشك في ذلك فإنه في ضلال ويقف في صف الكفار، وهذا تأكيد حقيقي بأن هذا المنهج التكفيري يتم استسهاله وجعله مستساغًا من أجل أغراض وأهداف سياسية وشخصية بحتة، وهي أهداف وأغراض ضباط البعث السابقين وبعض العراقيين الناقمين على مسؤولي الدولة العراقية، وهذا لا يمت إلى الإسلام ولا إلى الجهاد ولا إلى قيم الدين الإسلامي بأي صلة، بل هو تلاعب بالدين والتاريخ والقيم وأركان ومبادئ الإسلام.
ثم يعود البغدادي ليؤكد أنه يمثل السلام وحده بأن «الدولة الإسلامية» منذ نشأتها قبل عشر سنين هي رأس الحربة في الصراع بين فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر، بل هي عمود هذا الفسطاط وأركانه وأساسه، وبسبب هذا اجتمعت دول الكفر واتفقت قاطبة على حرب «الدولة الإسلامية»، وأن اجتماعها هذا دليل على أن هذه الدولة المزعومة هي عمود فساط الإيمان ورأس حربة خندقه، دليل أوضح من الشمس في رابعة النهار ولا يخفى حتى على العجائز والصبيان ولا ينكره إلا مشاقق للحق معاند، وهذا فيه سلب لأكثر من مليار مسلم على وجه هذه الأرض من تمثيلهم للإسلام، وفيه رمي وإخراج لهؤلاء المسلمين من دينهم وأنهم ليسوا مسلمين لأنهم خارج هذا الفسطاط الذي تسربل فيه البغدادي وكبار ضباط البعث العراقي وكثير من المريدين الجهلة ممن لا يعرف ما هي أركان الصلاة ولا يفرق بين عام أو خاص ولا يميز بين حال أو تمييز ولا ما هو الخبر وما هو المبتدأ.
ثم يفجر هذا البغدادي ما في نفسه من ضغينة وحقد وحسد على هذه الدولة المباركة وعلى أهلها وأبنائها بأن خوض هذه الحرب واجب على كل مسلم ولا يُعذر فيها أحد، وأنه يستنفر المسلمين جميعًا في كل مكان ويخص أبناء بلاد الحرمين، فانفروا خفافًا وثقالاً شيبًا وشبابًا، قوموا يا أحفاد المهاجرين والأنصار، قوموا على الطغاة المرتدين، وانصروا إخوانكم في الشام والعراق واليمن وأفغانستان ومصر والقوقاز وأفريقيا وإندونيسيا وليبيا والفلبين وتركستان وبنغلاديش وكل مكان. وهذا الاستنهاض لأبناء الجزيرة العربية أحفاد الصحابة للخروج على الدولة، ويعني السعودية، ويطلب منهم النفرة للجهاد والقتال من أجل نصرة العصابة المسماة «الدولة الإسلامية»، يدل دلالة واضحة على أن أبناء هذه البلاد أدركوا وعلموا علمًا يقينيًا أن هذا البغدادي وعصابته سائرون على خطى لا تمثل الإسلام، إلا أننا يتوجب علينا في هذه البلاد أن يتم رفع الصوت عاليًا من خلال الحوار والتحذير من تلك الدعوات التي يتبناها التيار المتطرف، وأن هذه العصابة لا تمثل الإسلام وليس كل من انتسب إلى أهل السنة وادعى الدفاع عنها، حتى ولو كان أهل السنة قد ظلموا في العراق والشام فإن مواجهة هذا الظلم إذا ارتبط بالدول فإن هذا الأمر يتوجب التوقف عن تضخيمه وترك الأمر للدولة لمعالجته بالطرق التي لا ترتد على البلد بالظلم والفوضى الخلاقة.
ثم يعود البغدادي ليعترف حقيقية بأن دولته المزعومة انحسرت وأن جنوده باتوا مترددين، بل إن منهم من هرب وتركه، لذا فهو يُحفز ما تبقى من جنوده بأن يصمدوا ويثبتوا، وهذا يوضح الاضمحلال والضعف الذي يعتري هذه العصابة التي أوشكت على الفصل الأخير من نهايتها لو أرادت الولايات المتحدة إنهاءها كما أنهت طالبان وتنظيم القاعدة، بيد أن الفكر اليساري المترسخ في أعماق البيت الأبيض خلال رئاسة أوباما أبى إلا أن يجعل لهذه العصابة دولة ورجالاً.
قد تم التركيز في نهاية التسجيل على الاهتمام بطلاب العلم مما يوحي بأن لدى هذا التنظيم نقصًا كبيرًا جدًا في العقول العلمية، وهذا يوضح التخبطات التي يرتكبها هذا التنظيم البعثي الإسلامي المسمى «داعش»، وهذا يوضح بجلاء لنا ضرورة الاهتمام بتفكيك الأفكار المتطرفة من حيث سبرها علميًا وتاريخيًا، وكذلك تفكيك ما يتعلق بها من تنظيمات سياسية تستغل تلك الأفكار المتطرفة كي تنتقم من سلطانها الذي ذهبت رحاه من الزمن الفائت، وهذا التفكيك لا يتم إلا بتلك الحرية المسؤولة التي تُحافظ على كبح جماح الفوضى ونشر المعرفة الحقيقية.
وختاما، أجد أن هذا البغدادي الإمام المزعوم لم يأتِ على ذكر حكومة ودولة إيران، وهذا يُعطي دلالة وإشارة قوية إذا ما ارتبط ذلك بوقائع حدثت خلال وجود هذه العصابة المسماة «داعش» ودولتها المزعومة في أنها لم تتعرض لدولة وحكومة إيران وكانت على توافق معها سواء في العراق أو سوريا وأنها كانت حربًا على المعارضة التي تُقاتل الظلم الأسدي المُعزز من قبل دولة وحكومة إيران علنًا وأمام أعين الأمم المتحدة والدول الكبرى، مما يجعلنا نربط الأحداث بعضها ببعض فيتشكل لدينا بجلاء تام أن هذا التنظيم المسمى «داعش» كان من صنع دولة الإمام المزعوم الآخر في تخوم الدولة الصفوية في إيران صاحبة الأحلام الفارسية، فيا ليت شبابنا وأغرارنا يعلمون بأنهم يقاتلون ويُقتلون تحت تلك الراية الصفوية الفارسية فهم يهربون مما زعموا أنها أرض لا تطبق الشريعة الإسلامية إلى راية «داعش» المؤسسة من قبل إيران الصفوية الفارسية، علمًا بأن العالم أجمع قد شهد بأن دولتنا وحكومتنا السعودية هي الدولة الوحيدة التي تتمسك بشرائع الإسلام ظاهرًا وباطنًا، إلا أنه العبث والفوضى الفكرية التي يعيشها أولئك الشبيبة بسبب فعل بقايا تلك الصحوة المقيتة التي قد همينت عقودًا على مجتمعنا ولما يتم تفكيكها وغسل التيار الديني من بقايا تلك الصحوة المقيتة.