جاكسون ديل
TT

بوتين يبدل الجبهات في سوريا وأوكرانيا

على مدار فصل الصيف، شنت القوات الروسية في شرق أوكرانيا يوميًا هجمات منتظمة على الجيش الأوكراني، وكبدته خسائر كبيرة، فيما كانت تتحاشى أي ردة فعل من جانب الحكومات الغربية. لكن في الأول من سبتمبر (أيلول) الحالي، صمتت المدافع فجأة بعد التوصل إلى وقف جديد لإطلاق النار. المتفائلون تكهنوا بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدأ يتراجع.
ثم وردت الأنباء من سوريا، حيث كانت الطائرات الحربية الروسية تحلق فوق محافظة إدلب التي يسيطر عليها الثوار، كما كان العمل جاريًا على قدم وساق في بناء الثكنات في قاعدة جديدة، بينما تفرغ السفن مركبات مدرعة جديدة، ليتضح أن بوتين لم يكن يتراجع، بل يبدل جبهات القتال.
نيات روسيا في سوريا لم تتضح بعد، أو في أوكرانيا، حيث ما زالت تنشر هناك ما يقدر بتسعة آلاف جندي و240 دبابة، علاوة على أكثر من 30 ألفًا من غير النظاميين. ويزعم بعض المحللين أن بوتين المتخبط يتدخل في الشرق الأوسط بدافع اليأس؛ لأن مسعاه في أوكرانيا باء بالفشل. لكن توجد رؤية أخرى تدفع بأن بوتين يحاول تكرار انتصاره هناك في مسرح عمليات آخر.
وخلال الصيف، بينما كانت واشنطن مشغولة بالاتفاق النووي الإيراني، اعتمد الدبلوماسيون الأميركيون والأوروبيون في هدوء على حكومة بيترو بوروشينكو المنتخبة ديمقراطيًا والموالية للغرب في أوكرانيا. وفي سوتشي، أبدى وزير الخارجية الأميركي جون كيري دعم بلاده الكامل والواضح لتنفيذ اتفاق يعرف باسم «مينسك 2» - وهي صفقة أعدتها على عجل كل من ألمانيا وفرنسا في شهر فبراير (شباط)، بينما كانت القوات الروسية النظامية تمزق الجيش الأوكراني إربًا. وتعتبر هذه التسوية مجحفة لكييف، حيث تشترط أن تتبنى أوكرانيا إصلاحًا دستوريًا يمنح سلطات استثنائية للمناطق التي تحتلها روسيا، على أن تحظى تلك الإصلاحات برضا وكلاء موسكو في البلاد.
ورغم أن روسيا لم تكن تحترم البند الأول من اتفاق مينسك - وهو وقف إطلاق النار - تعرض بوروشينكو لضغوط شديدة من قبل إدارة أوباما لكي يرفع تعديلاً دستوريًا إلى البرلمان الأوكراني. وبالفعل نفذ المطلوب منه وحصل على موافقة البرلمان على التعديل عبر تحذير المشرعين بأن إدارته الهشة تخاطر بفقدان دعم الولايات المتحدة. لكن الكلفة كانت مرتفعة، حيث أسفرت مظاهرات عنيفة خارج مقر البرلمان عن سقوط عدد من الوفيات. لكن بدا أن الولايات المتحدة وفت بالتزام كيري أمام بوتين.
لكن كيف يترجم ذلك في سوريا؟ بوتين يمتلك هناك أيضًا أجندة لا تقل وضوحًا وضررًا، إذ يحاول منع أي محاولة من جانب الغرب وحلفائه لترتيب إزاحة بشار الأسد، وإجبارهم على قبول نظامه كشريك في «تحالف» جديد يحارب «داعش». ويبدو أن بوتين أوحى بالفكرة إلى أوباما في مكالمة هاتفية في يونيو (حزيران). أوباما، شأنه شأن كيري، خلص - على سبيل الخطأ - إلى أن بوتين مستعد للتعاون.
والآن وعلى حين غرة ظهرت القوات الروسية في اللاذقية، إحدى معاقل الأسد العرقية. ويقول بعض المحللين إن مقاتلات روسيا وطائراتها من دون طيار يمكن أن تستخدم في تنفيذ هجمات نيابة عن النظام. وفي هذا الصدد، تم تجاهل احتجاجات كيري.
قد يرتجل بوتين حقا أو يخادع يأسًا، لكن من المحتمل أيضًا أنه يقدّر أن ردة فعل إدارة أوباما إزاء نزوعه إلى القتال في سوريا لن تختلف عن موقفها في أوكرانيا، عبر الخضوع إلى مطالبه إلى حد كبير ومحاولة إقناع حلفائها السوريين والعرب بقبولها. بالطبع، لم يتمكن بوتين بعد من بلوغ أهدافه بالكامل في أوكرانيا، كما أنه من المستبعد أن ينجح في إنقاذ الأسد. لكن إذا كان أحد أهدافه أن يثبت قدرته على لي ذراع الولايات المتحدة، فإنه يبلي بلاء حسنًا في هذا المضمار.
* خدمة «واشنطن بوست»