ديفيد فرنش
TT

إدانة ترمب المحتملة ليست هينة لكنها غير حكيمة

للمرة الأولى في التاريخ الأميركي، ثمة إمكانية حقيقية لصدور قرار إدانة بحق رئيس أميركي سابق. ويبدو مدعي مقاطعة مانهاتن، ألفين إل. براغ، عاقداً العزم على توجيه اتهامات لترمب، فيما يخص ادعاءات تقديمه أموالاً لنجمة أفلام إباحية تدعى ستورمي دانييلز مقابل التكتم على علاقة بينهما. ومع ذلك، ثمة مشكلات خطيرة تحيط بالقضية.
من غير الصعب إثبات مسألة أن ترمب دفع أمولاً لشراء صمت دانييلز، وأنه زوّر سجلات سداد خاصة بهذه الأموال. عام 2018، اعترف مايكل كوهين، محامي ترمب السابق، بارتكابه مخالفات جنائية لقوانين تنظيم تمويل الحملات الانتخابية، وأقر كذلك بدفعه مبلغ 130 ألف دولار لسيدة تدعى دانييلز مقابل التزامها الصمت حيال علاقتها بترمب. وطبقاً لوزارة العدل، فإنه لم يجرِ تعويض كوهين عن هذا المبلغ فحسب، وإنما حصل أيضاً على مبالغ مالية إضافية كبيرة لتغطية أي التزامات ضريبية على صلة بذلك المبلغ. وجرى الادعاء زوراً بأن هذه المبالغ نفقات قانونية من قبل الشركة التي دفعتها لكوهين.
ويمثل هذا السرد الأساسي الجزء الأقوى من حجة الادعاء. ومع ذلك، فإن الجريمة الأساسية هنا المتمثلة في تزوير سجلات تجارية لا تعدو كونها جنحة، علاوة على أن فترة التقادم المسقط البالغة عامين انقضت منذ وقت طويل.
إذن، كيف يمكن محاكمة ترمب؟ إذا تمكن براغ من إثبات أنه (ترمب)، على خلاف ما تقضي به قوانين ولاية نيويورك، أقدم على تزوير السجلات «بنية ارتكاب جريمة أخرى أو المساعدة أو التستر عليها»، فإنه بذلك يمكن أن يثبت ارتكاب ترمب لجناية. وتحمل الجناية ليست عقوبات أقسى فحسب، وإنما تبلغ مدة التقادم المسقط الخاصة بها 5 أعوام.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، وإنما تنص قوانين ولاية نيويورك كذلك على أن فترة التقادم المسقط، سواء كانت عامين أو خمسة أعوام، لا تتضمن «أي فترة أعقبت ارتكاب الجرم» عندما «كان المتهم باستمرار خارج هذه الولاية». طبقاً لذلك، فإن عقارب ساعة التقادم المسقط توقفت عندما كان ترمب خارج الولاية.
والآن، ما الجريمة الأخرى التي يمكنها تحويل اتهام تزوير السجلات إلى جناية؟ الاحتمال الأكبر أن المحققين سيعتمدون على ادعاء بانتهاك القوانين الفيدرالية لتمويل الحملات الانتخابية، تحديداً الادعاء بأن الأموال التي جرى تقديمها لدانييلز كانت من تبرعات غير قانونية لحملته الانتخابية.
ومع ذلك، ليس من السهل إقامة هذه الحجة، فقد يدفع الادعاء بأن قوانين تمويل الحملات الخاصة بالولاية تنطبق على ترمب، ومن ثم فإن المدفوعات التي قدمها تنتهك قوانين نيويورك، لكن علينا أن نتذكر أننا نتحدث هنا عن انتخابات رئاسية. وهنا، ينص قانون فيدرالي بوضوح على أن القوانين المعنية بتمويل الحملات «تفوق وتبطل أي حكم من أحكام قانون الولاية المرتبطة بالانتخاب لمنصب فيدرالي». ويشكل هذا القانون حاجزاً منيعاً أمام محاكمة ترمب بموجب قانون تمويل الحملات، وليس ثمة مسار واضح للالتفاف عليه.
بغض النظر عن ذلك، فإن الادعاء بأن ترمب انتهك قانوناً فيدرالياً ليس بالأمر الهين. أما المسألة الجوهرية هنا فهي ما إذا كان المبلغ المقدم لدانييلز شكّل جزءاً من نفقات تخصّ الحملة الانتخابية أم مجرد نفقات شخصية، تشكل تبعاً لتعريف اللجنة الفيدرالية للانتخابات، أي أموال يجري استخدامها في «إنجاز التزام أو واجب أو نفقة لأي شخص كانت لتبقى قائمة بغض النظر عن الحملة الخاصة بالمرشح».
في المقابل، فإن دفاع ترمب المحتمل في مواجهة أي اتهامات فيدرالية يبدو بسيطاً؛ أن أموال شراء صمت دانييلز لا صلة لها بحملته الانتخابية، ولها كل الصلة بمحاولة تجنيب أسرته الحرج جراء مزاعم دانييلز، وأنه كان ليدفع هذه الأموال في كل الأحوال، سواء كان مرشحاً للرئاسة أم لا.
ظاهرياً، تبدو هذه حجة دامغة، لكن في مقال نشرته عام 2018 بدورية «ناشونال ريفيو» سبق وأن أوضحت أن ثقل الأدلة القائمة يوحي بأنها خاطئة. من جهتها، تدعي دانييلز أن علاقتها بترمب بدأت عام 2006، واستمرت على نحو متقطع منذ ذلك الحين. ومع ذلك، فإن الأموال لم يجرِ دفعها لها حتى اللحظات المشتعلة الأخيرة من سباق انتخابي محتدم.
ورغم قناعتي بأن كوهين انتهك بالفعل قوانين تمويل الحملات الانتخابية، فإنني ما أزال متشككاً في قضية مانهاتن التي صاغها براغ.
لقد سبق وأن كتب ريان غودمان وأندرو وايزمان حديثاً على صفحات هذه الجريدة أن «مسألة عدم مقاضاة المسؤول الرئيس عن الجريمة في الوقت الذي جرت مقاضاة متآمر أدنى مستوى (المقصود كوهين)، ستكون خرقاً لمبدأ سيادة القانون». ومع ذلك، فإن هذا تحديداً الخيار الذي اتخذته وزارة العدل، وذلك لأنها لم تقدم على توجيه اتهامات فيدرالية لترمب سواء في عهد رئاسته أو عهد بايدن. كما أن مدعياً آخر بضاحية مانهاتن سبق له التحقيق بالقضية ذاتها، ولم يوجه اتهامات لترمب.
عندما تجمع هذه العناصر ببعضها، ستجد أن قضية براغ ضد ترمب تبدو فريدة من نوعها، فنحن نتحدث هنا عن أول اتهام من نوعه بحق رئيس سابق يوجهه مدعي مقاطعة بولاية ـ اتهام اختار سلف له عدم توجيهه، ويعتمد على ادعاءات جنائية فيدرالية رفضت وزارة العدل توجيهها رسمياً لترمب.
وعليه، من غير المثير للدهشة أن يرى المحقق السابق المعاون لبراغ، مارك بوميرانتز أن القضية الخاصة بأموال دانييلز «تنطوي على مخاطرة بالغة حسب قوانين نيويورك»، تبعاً لما ذكرته «نيويورك تايمز». ووصف مقال بوكالة «رويترز» النظريات القانونية الداعمة لمحاكمة ترمب في هذه القضية، باعتبارها «لم تختبر من قبل».
ومع ذلك، تظل الحقيقة أن أياً من ذلك لا يبرر الهجمات الترمبية ضد حكم القانون. الحقيقة أن التحريض على العنف وادعاء السيناتور راند بول التحريضي بأن براغ ينبغي «الزج به في السجن»، يكشف إلى أي مدى يعتقد أنصار ترمب أن زعيمهم ينبغي إعفاؤه من الإجراءات القانونية التقليدية.
ترمب أمامه فرصة ـ مثل أي متهم أميركي ـ لمعارضة الاتهامات أمام قاضٍ وهيئة محلفين.
من جانبي، أؤمن بقوة بأن الرئيس ليس فوق القانون، وأؤمن كذلك بأن قاعدة التساهل ينبغي تطبيقها على جميع المتهمين الجنائيين، بمن فيهم ترمب. وتنص القاعدة على أنه «عندما يكون القانون غامضاً أو غير واضح فإن المحكمة ينبغي أن تطبق القانون على النحو الأكثر ملاءمة للمدعى عليه». وعليه، فإنه لا ينبغي للحكومة تمديد نطاق القانون بحيث توجه اتهامات جنائية لترمب.