هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية - التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
TT

من يسيطر على مصادر النفط والغاز يحل أزمة أوروبا!

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يشهد العالم هذا الكم من الفوضى في العلاقات الدولية وغياباً للأطر التوافقية، ولو بحدودها الدنيا، التي تمنع تطور الأحداث وحصول الكوارث.
فعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، كان عالم القطبين الكبيرين؛ الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وكان يدور في فلكهما باقي الدول عدا محاولات البعض تشكيل مجموعة عدم الانحياز التي لم تعمر طويلاً. ورغم تشنجات الحرب الباردة التي وصلت إلى الذروة في أزمة صواريخ كوبا، فإن عالم ذلك الزمان كان منتظماً بتفاهمات القطبين على خطوط حمراء لا يتم تجاوزها، وإذا حصل فإن حداً أدنى بالبقاء ينهي التجاوزات. وتحول العالم مع انهيار الاتحاد السوفياتي إلى عالم بقطب واحد. وقد ظهر جلياً سعي الصين لتحل مكان الاتحاد السوفياتي كقطب ثانٍ في مواجهة الولايات المتحدة، إلا أن هذا حتى اليوم لم يحصل رغم عرض العضلات في تايوان، وإرسال بالونات تجسس فوق أراضي الولايات المتحدة.
منذ نشوء العالم ذي القطب الواحد قبل 34 عاماً، كانت كل الأنظار تتجه سراً وعلانية إلى واشنطن لاستنباط الرأي والقرار في الأحداث. وقد أصبحت العاصمة الأميركية على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وجهة القادة الزعماء والطامحين الذين يسعون إلى أخذ التوجيهات والرضا. وقد أقدمت الإدارات الأميركية المتعاقبة على قرارات وإجراءات دولية أصابت في بعض منها وأخطأت في كثير من الأحيان. وربما عدم وجود قطب آخر منافس ورادع جعل الولايات المتحدة صاحبة القرار النهائي الذي لا يحاسبه أحد على صوابه أو خطئه. وقد تعثرت السياسة الأميركية في أماكن عديدة واعتبر هذا من ضمن سياسة الفوضى الخلاقة التي أتحفتنا بها يوماً كوندوليزا رايس عندما كانت وزيرة للخارجية الأميركية. ومع تراكم التعثرات ومن حيث لا تريد، أصبحت الولايات المتحدة تقود عالماً فيه الكثير من المشكلات التي يصعب حلها والتي لا ينفع فائض القوة العسكرية بعلاجها، عالم الفوضى المدمرة التي تشكل خطراً وجودياً. ومثالاً على ذلك، فإن الحرب الدائرة في أوكرانيا أحدثت فوضى يمكن الاعتقاد أنها لصالح الولايات المتحدة، كونها تضعف روسيا وتوسع حلف الناتو بانضمام السويد وفنلندا، وصار أساسي على مؤازرة الولايات المتحدة في مواجهة الدب الروسي، وفي هذا تصح سياسة الفوضى الخلاقة. ولكن هناك أيضاً عواقب لهذه الحرب طالت أوروبا بشكل خاص والعالم عموماً، فالتضخم العالمي يعود بدرجة كبيرة إلى هذه الحرب بين بلدين يشكلان مصدراً مهماً للمواد الأولية والطاقة في كثير من بقاع الأرض. ومع توقف الإمدادات تصاعدت الأسعار وتباطأ نمو الاقتصاد العالمي وتراجع مستوى معيشة ملايين البشر وليس من مؤشر على أي نفع للولايات المتحدة، بل قد يكون على العكس من ذلك، إذ إن كيفن مكارثي رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب الأميركي، حذر ليل الاثنين الماضي: «لدينا الآن 31 تريليون دولار من الديون. هذا أكثر من حجم الاقتصاد الأميركي بأكمله... أصبحت ديوننا الآن عبئاً أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية». والمشكلة كما يقول مراقبون ألا تنجر القرارات الأميركية على ما يتردد من إشاعات.
قال لاعب الشطرنج غاري كاسباروف والرئيس السابق لشركة النفط «يوكوس» ميخائيل خودوركوفسكي: «كل شيء؛ من تَقدم أوكرانيا في ساحة المعركة إلى وحدة الغرب وعزمه الدائم على مواجهة عدوان فلاديمير بوتين، يشير إلى أن عام 2023 عام حاسم (…) إذا صمد الغرب، فمن المرجح أن ينهار نظام بوتين في المستقبل القريب».
لم تتخلص واشنطن من اقتناعها بأن الفوضى الخلاقة تنتج استقراراً أو تفوقاً لها. الاثنين الماضي، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بنيت ما كان يمكن أن يستنتجه أي مراقب عقلاني: توصلت روسيا وأوكرانيا إلى اتفاق أولي خلال المرحلة المبكرة من الحرب - قال بنيت: «كان الجانبان يريدان بشدة وقف إطلاق النار» - لكن الولايات المتحدة «منعته».
والشرق الأوسط ليس إلا مثالاً على الفوضى التي يفترض أنها خلاقة وأضحت عكس ذلك. فالولايات المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما توصلت إلى اتفاق مع إيران رفعت بموجبه الحظر عن أموال الجمهورية الإسلامية المجمدة في بنوك الغرب، لقاء وعود بتوقيف البرنامج النووي الإيراني. وكان هذا تعثراً أميركياً بكل ما في الكلمة من معنى، لأنه أطلق يد إيران في المنطقة، مقابل وعود تبين أنها تسويف وخديعة. وقد أدرك الرئيس الذي خلفه دونالد ترمب هذا، فأبطل الاتفاق واستمر الرئيس الحالي جو بايدن بالتشدد حيال الاتفاق مع إيران، إلا أن التعثر الأميركي أيام أوباما أفقد الولايات المتحدة مصداقيتها لدى الشعوب وقادتها، وإبطال الاتفاق النووي فيما بعد فتح باباً واسعاً لدخول الصين إلى المنطقة، وكذلك حوّل إيران إلى وحش كاسر يهدد أمن مجتمعات المنطقة بأذرعه المافياوية التي تعيث بالأرض فساداً، لإثبات أن الأمر له إذا أرادت الولايات المتحدة استقراراً في الشرق الأوسط. ونصيحة لكل اللبنانيين والعرب والغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة وفرنسا بمشاهدة الوثائقي الفرنسي: «حزب الله القصة الممنوعة»، الذي عرضه التلفزيون 5 الفرنسي ليل الأحد الماضي، ليعرفوا كيف عليهم التعامل مع أخطبوط مافياوي، يمول عملياته بطلب من إيران، من خلال المتاجرة بالمخدرات والأسلحة وكل الممنوعات التي تسبب الموت لجماعات وجماعات، وأول عمل يجب على السياسيين اللبنانيين الذين يؤمنون بلبنان وطناً حراً وسيداً ومستقلاً، القيام به هو قطع كل العلاقات مع حزب الله. إذ لا يمكن لأي حزب لبناني الجلوس إلى طاولة واحدة مع وزراء يمثلون مافيا منتشرة في العالم للأسباب الخطأ. وكل تجار الموت الذين تعتمد عليهم، ولعقد صفقات غربية تجارية مع إيران، يتم ترحيلهم إلى لبنان. إنه الغرب الذي لديه أكثر من موقف ومبدأ ووجه. وتسرب مؤخراً أن الولايات المتحدة خففت الإعفاءات فيما يتعلق بالعمل الروسي في منشأة بوشهر، لتقييد «الأنشطة المتعلقة ببناء وحدات مفاعلات جديدة»، وهو مشروع تأخر كثيراً تقوده شركة «روساتوم».
وتم تجديد الإعفاءات الأخرى من التعاون النووي المدني. وكانت إدارة جو بايدن جددت سلسلة من الإعفاءات من العقوبات التي تسمح لإيران وروسيا بمواصلة العمل النووي، وفقاً لإخطار غير عام أرسل إلى الكونغرس.
ومع استمرار حرب أوكرانيا إلى أجل غير مسمى وحاجة أوروبا إلى مصادر بديلة للطاقة لتشغيل عجلات الإنتاج، اتجهت الأنظار إلى مصادر النفط والغاز في المنطقة، فمن يسيطر عليها يصبح الآمر الناهي في أوروبا، وهكذا تحول الشرق الأوسط مجدداً إلى ساحة صراع طويل مدمر وليس واضحاً لمن ستكون الغلبة فيه.