راميش بونورو
TT

لماذا يفشل اليورو؟

يبدو أن الحكومة اليونانية عاقدة العزم على تلقي لوم العالم إثر الاضطرابات الاقتصادية الناشئة في أوروبا حاليًا. ولقد لخص مارك غيلبرتر الموقف بمنتهى الدقة في تصريحه لوكالة «بلومبيرغ» الإخبارية، حيث قال: «إن موقف الأمة المتناقض والعنيد - (نعم) لليورو، و(لا) لشروط استمرار العضوية - لا يتسق أبدًا مع رفاهية مستقبل اليورو الأوروبي».
ولكن، ليس اليونانيون فقط هم من يمتلكون أهدافًا متناقضة في تلك القضية؛ فهناك رغبات متناقضة كذلك لدى قادة بلدان منطقة اليورو، وفشلهم في الاختيار بين تلك الأهداف ساهم وبشدة في تلك الفوضى العارمة.
تريد ألمانيا، على وجه الخصوص، تقليل التضخم، ودفع عمليات الإنقاذ، وتقليل مخاطر الخروج من الاتحاد النقدي، في حين أن تلك الأهداف الثلاثة العظيمة تسبب توترًا عميقًا، وإذا ما تم التوفيق بينها على أي حال، فسوف تستلزم درجة من المركزية المالية التي تبدو مستحيلة من الناحية السياسية.
كان دائمًا ما يُنظر إلى اليورو من واقع أنه مشروع سياسي بقدر ما هو، على أقل تقدير، مشروع اقتصادي. ولقد كان خطوة على طريق توحيد الدول الأوروبية أكثر من كونه طريقة لتقليل تكاليف المعاملات فيما بينها. ولقد حذر بعض خبراء الاقتصاد البارزين، مثل ميلتون فريدمان من تبني تلك العملة. فعبر السنوات القليلة الماضية، صارت عيوب اليورو المتأصلة جلية وواضحة بشكل موجع. ولكن القادة الأوروبيين كانوا مستعدين لفرض أوجاع اقتصادية هائلة للمحافظة على اليورو.
كان الطرح الأساسي لفريدمان يكمن في أن اليورو سوف يفرض سياسة نقدية مشتركة على الاقتصادات التي تتطلب عملات مختلفة. ولقد تأكد ذلك بمرور الوقت. فخلال سنوات الازدهار قبل عقد من الزمان، عمدت اليونان وغيرها من الدول الأوروبية الطرفية ذات الاقتصاد الضعيف على الاقتراض الجائر، وذلك لأن أسعار الفائدة كانت منخفضة بشكل غير لائق بالنسبة لهم. وخلال الأزمة المالية، أدت جهود البنك المركزي الأوروبي للمحافظة على انخفاض التضخم في الدول الأساسية إلى معاقبة الانكماش الاقتصادي في هذه الدول الطرفية. ثم اتجه البنك المركزي الأوروبي إلى رفع أسعار الفائدة في عامي 2008 و2011، وكان ذلك في بداية ومنتصف أزمة الكساد اليونانية.
كان يمكن توقع وانتظار تلك النتيجة، وقد كانت، فقد تناسب اليورو مع اليونان بشدة. ولا يمكن لليونان أن تلوم إلا نفسها جراء الانضمام لمنطقة اليورو بمحض إرادتها. ولكن من الصحيح كذلك أن البنك المركزي الأوروبي أشرف على سياسة نقدية تتناسب بصورة كبرى مع ألمانيا أكثر مما تتناسب مع دول منطقة اليورو ككل.
احتاجت اليونان ولفترة طويلة أن تنخفض الأجور والأسعار لديها بصورة نسبية مع البلدان الأوروبية الأخرى. وفي وجود الدراخما المستقلة، كان يمكن للتعديلات الضرورية أن تأخذ موضعها في أسواق الصرف الأجنبية. وحتى داخل منطقة اليورو، كان من شأن السياسة النقدية الأكثر تساهلاً أن تمكّن من التحول النسبي في شكل ارتفاع الأسعار لدى البلدان الأوروبية الأساسية.
بدلاً من ذلك، انتهجت أوروبا مسلكًا ألحق المزيد من الآلام بالدول الأوروبية الطرفية. ومن شأن التخفيف من أعباء الديون والتحويلات المالية أن يخفف من وطأة تلك الآلام، ولكن الدائنين من الدول الأساسية ودافعي الضرائب هناك يقاومون وبصورة طبيعية مثل تلك السياسات، ويسعون إلى فرض الشروط التي لا يمكن للدول المدينة قبولها بحال.
ولنتذكر: اعتمدت الدول الأوروبية اليورو في بادئ الأمر بهدف تعزيز الوحدة السياسية في أوروبا. وبدلاً من ذلك فهو يسبب المزيد من الكراهية (كما توقع ذلك فريدمان أيضًا). وسواء كان الحكم على الاقتصاد أو على السياسة، فإن تجربة اليورو تواجه الفشل.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»