طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

هل انتصر بوتين؟

توقيع الرئيس فلاديمير بوتين على ضم مناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون الأوكرانية، لروسيا، بعد إجراء استفتاءات في تلك المناطق، وسط رفض دولي، يطرح سؤالاً مهماً: هل انتصر بوتين؟ وهل هو يحقق أي انتصارات أصلاً؟
للإجابة عن السؤال، فإن الأرجح أن الرئيس بوتين يريد ترويج فكرة النصر، وتحديداً في الداخل. وضم أكثر من 15 في المائة من أوكرانيا، بعد سبعة أشهر من الحرب، لا يمكن وصفه بالانتصار؛ لأن سير الأحداث هناك محرج للروس.
أيضاً، فإن ضم المناطق الأوكرانية، وهو الأعلى، بعد الحرب العالمية الثانية، في أوروبا، قوبل برفض دولي، بل إن السفير الصيني لدى الأمم المتّحدة، صرح بأنه «ينبغي احترام سيادة كل الدول، وسلامة أراضيها». كما أعلنت تركيا رفضها للضم، معتبِرةً أنه «انتهاك خطير» للقانون الدولي.
وليس من السهل تجاوز قضم 15 في المائة من دولة أوروبية، وفي حرب كهذه، ومن ثم فما هو تفسير هذا الاحتفال الروسي بضم أربع مناطق أوكرانية، خصوصاً أن الرئيس بوتين ينفي رغبته في استعادة الاتحاد السوفياتي، مع تعهده بالدفاع عن «الأرض والقيم» الروسية؟الحقيقة ان الأمور على الأرض بأوكرانيا لا تسير في مصلحة الروس تماماً، وحتى كتابة هذا المقال، فإن القوات الأوكرانية تدخل بلدة ليمان شرق البلاد، وهي مدينة بمقاطعة دونيتسك التي ضمتها روسيا، وتعتبر معقلاً شديد الأهمية لموسكو، وسقوطها يشكل ضربة للروس.
ومن ثم، فإنه يتضح من إعلان الضم هذا، أنه يُراد منه إعلان انتصارات في الداخل الروسي، تغطي بأخبارها على الخسائر العسكرية الروسية في أوكرانيا، كما هو محاولة لتعزيز موقف روسيا التفاوضي عند انتهاء الحرب.
ويتم كل ذلك وسط ترقب لحلول فصل الشتاء، ليعرف الروس مدى صبر أوروبا وتحملها على شتاء قارس من دون الغاز الروسي؛ حيث تأمل موسكو أن يؤدي الشتاء القارس إلى تصدعات في موقف الاتحاد الأوروبي، بل وانشقاقات سياسية.
ويأمل الأوروبيون أن يتمكنوا من التغلب على الشتاء القادم، وبدون الغاز الروسي. وما سمعته من مصادر أوروبية في نيويورك قبل أيام، يشير إلى تصميم أوروبي على تحمل مشاق الشتاء؛ لأن الهدف الأساس الآن هو عدم انتصار بوتين، والتخلص من الاعتماد على الطاقة الروسية.
وعليه، فإن كل الأطراف في حاجة لشراء وقت، وكذلك الإدارة الأميركية التي تنتظر نتائج الانتخابات التشريعية القادمة لتعرف مدى مرونتها بالتحرك؛ فالجميع بحاجة لشراء وقت لتعزيز نقاط قوتهم، والتغلب على نقاط ضعفهم، ومثلهم الرئيس الروسي.
ولذا، فمن المبكر الحديث عن نصر وهزيمة، وكما كتبت هنا سابقاً، فإنه من الصعب تعريف النصر والهزيمة بأوكرانيا. وأمام الروس كثير من الملفات المعقدة، وأصعبها على الإطلاق، وأياً كانت نتائج الحرب، هو كيفية التخلص من أكثر من خمسة عشر ألف عقوبة دولية.
خلاصة القول، هي أن الروس في حفرة، ويواصلون الحفر، والمَثل يقول: إذا وقعت في حفرة، فعليك التوقف عن الحفر فوراً. ولذا، ما زال الطريق طويلاً للحديث عن نتائج محسومة لكل الأطراف في أوكرانيا.