بريت ستيفنز
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

خطاب الكراهية الموجه للقلة

كان الخطاب الافتتاحي الأول لأبراهام لنكولن عبارة عن رسالة سلام وغصن زيتون من 3600 كلمة إلى الولايات الجنوبية عشية الحرب الأهلية. وكان خطابه السلمي الثاني بعد الحرب التي خلفت 620 ألف قتيل. لطالما احترم الأميركيون كلا الخطابين لأنهما عبرا عن قدر من الفداء والمصالحة لمن يستحقهما.
لكن خطاب جو بايدن الذي ألقاه في فيلادلفيا الأسبوع الماضي لا يشبه أياً من الخطابين، باستثناء أنه في حفل تنصيبه راهن خلال فترة رئاسته على إنهاء «هذه الحرب غير الحضارية التي تضع اللون الأحمر (الحزب الجمهوري) في مواجهة مع اللون الأزرق» (الحزب الديمقراطي). وعلى غرار سلفه، قرر بايدن أن أفضل طريقة للحصول على ميزة حزبية هي معاملة عشرات الملايين من الأميركيين على أنهم أعداء في الداخل.
كيف يمكن لرئيس أميركي أن يخطئ في تحديد التهديدات للديمقراطية؟ لقد أبدع بايدن في ذلك.
أبدأ بـ «الجمهوريين» من أنصار حركة «ماجا» (لنجعل أميركا عظيمة مجدداً)، الذين قال بايدن إنهم «يمثلون تطرفاً يهدد أسس جمهوريتنا». من هؤلاء؟ قال الرئيس إنهم «ليسوا حتى غالبية الجمهوريين». وفي حديثه عن أهدافهم، قال إنهم شبكة واسعة تشمل أولئك الذين هللوا للهجوم على مبنى الكونغرس، والساعين لتقويض نتائج انتخابات 2020، وأولئك الذين يعارضون حقوق الإجهاض وزواج المثليين.
يشمل هذا أيضاً جماعات «حراس القسم» و«الفتيان الفخورين» العنيفين - وكذلك كل المؤمنين الكاثوليك أو المسيحيين الإنجيليين الذين تدفعهم قناعاتهم الأخلاقية الراسخة إلى معارضة الإجهاض القانوني. ويشمل ذلك أيضاً معادي السامية الذين تظاهروا في مدينة «شارلوتسفيل» - بالإضافة إلى الأميركيين المحافظين اجتماعياً ذوي المعتقدات التقليدية بشأن الزواج، والتي شملت أيضاً باراك أوباما خلال فترة ترشحه للرئاسة عام 2008.
تشمل هذه الفئة أيضاً المشككين في نتائج الانتخابات مثل المحاميين سيدني باول، وجون إيستمان، إلى جانب الأميركيين العاديين الذين خدعتهم الشكوك في نزاهة الانتخابات الأخيرة.
بعبارة أخرى، ادعى بايدن أنه قادر على التمييز بين الجمهوريين من أنصار حركة «ماجا» والجمهوريين العاديين، غير أنه خلط بينهم لاحقاً. قد يكون لذلك صدى لدى الديمقراطيين الحزبيين الذين لم يروا محافظاً لم يعتبروه متعصباً أو أحمق. لكن من شأن ذلك أن يكذب الفكرة القائلة إن تفكيك نظام «ماجا» الجمهوري هو الهدف الأساسي للرئيس أو حزبه. هذا ناهيك من الأغراض الحزبية لخطاب بايدن.
في هذه الدورة الانتخابية، أنفقت الجماعات المؤيدة للديمقراطية ما يقرب من 40 مليون دولار في الإعلانات للمساعدة في تحديد المرشحين الترمبيين (نسبة إلى دونالد ترمب) في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، استناداً إلى نظرية أنه سيكون من الأسهل التغلب عليهم في نوفمبر (تشرين ثاني). وشمل ذلك مساعي ناجحة لهزيمة ممثل ولاية «ميشيغان»، بيتر ميجر - وهو واحد من 10 أعضاء جمهوريين في مجلس النواب فقط صوتوا لعزل دونالد ترمب العام الماضي - في التجمع الرئيسي للحزب الجمهوري الشهر الماضي.
هل هذا النهج بذكاء السياسة المتشددة؟ ربما، لكن كان بإمكان بايدن أن ينقذنا من مثاليات القيم الأميركية الخالدة. فبقدر معرفتي، لم يقل بايدن كلمة واحدة علانية ضد شراء الإعلانات، ناهيك من محاولة منعها. إن خطابه يشكل نهاية أنيقة لاستراتيجية الترويج لمتطرفي «ماجا» تساعد في إدانتهم كمتطرفين. اتخذ بعض الليبراليين نهجاً مشابهاً في عام 2016، باستثناء التمهيد لفوز ترمب بالترشح باعتبار أنه سيكون أضعف خصم لهيلاري كلينتون.
بعد ذلك كان هناك الجزء الأسوأ في خطاب بايدن، حيث بات الخطاب الرئاسي المزعوم بمثابة تجمع لحملة للأولويات الديمقراطية مثل فوائد العقاقير الطبية. عندما يدعي رئيس ضمنياً أنه لن يكون نصيراً صغيراً للحزب الديمقراطي، بل نصير كبير له، فإنه لا يدعم مصالح حزبه ولا حتى بلاده. إنه يهين بلا مبرر ملايين الناخبين ويشكك في جدوى مقولته بأن حزبه حزب يمثل القداسة والتسامح.
أكتب هذا بصفتي شخصاً لطالما اعتقد أن ترمب يمثل تهديداً فريداً للديمقراطية.
إنه الرئيس الوحيد في التاريخ الأميركي الذي رفض الإذعان لنتائج الانتخابات، والذي لجأ لنظرية المؤامرة للبقاء في السلطة، وسعى إلى التنمر على مسؤولي الدولة للحصول على أصوات، وأثار حشوداً من الغوغاء هتفوا بعدوانية على أبواب الكونغرس، وعرّض حياة نائبه للخطر، واستهزأ بمطالب وزارة العدل بإعادة الوثائق السرية، وانتهك كل قواعد السياسة الأميركية وكل أشكال اللياقة الديمقراطية. إنه منبر «الروح الموبوقراطية» - ديمقراطية الغوغاء - التي حذر منها لنكولن في خطابه الرئاسي الأول، والتي كرس حياته لإنهائها.
إن أخطر تهديد تواجهه الديمقراطية الأميركية اليوم ليس الحزب الجمهوري أو حركة «ماجا» أو غيرها، إنها روح ترمب، ذلك المهرج الشرير.
لقد أدى خطاب بايدن الخاطئ إلى العكس تماماً. في المرة القادمة التي يتحدث فيها بايدن عن الديمقراطية، عليه أن يتذكر نصيحة لينكولن الأخرى: «الإحسان للجميع»، وليس لحزب بعينه.
* خدمة «نيويورك تايمز»