ديفيد بروكس
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

الولايات المتحدة.. أمة عجوز تبحث عن فرص

عندما يصف الزوار الأجانب الثقافة الأميركية فإنهم يستقرون عموما على نسخ مختلفة لسمة واحدة: الطاقة. وسواء كانت دوافعهم متبلدة أو روحية فهم يتفقون على أن الأميركيين يعملون بصورة أكثر اهتياجا ويتحركون أكثر ويغيرون الوظائف أكثر من أي شخص آخر في العالم.
لكن ذلك يتغير. فخلال السنوات الستين الماضية على سبيل المثال أصبح الأميركيون أقل حركة. ففي عام 1950 انتقل 20 في المائة من الأميركيين. والآن نحو 12 في المائة. أما في ما يتعلق بالحركة الجغرافية فإننا نشهد انخفاضا تاريخيا حاليا، بمعدل لا يفوق تنقل الناس في الدنمارك أو فنلندا.
لماذا يحدث ذلك؟ تقدم بضع نظريات شرحا جزئيا لكنه جزئي فقط. صحيح أننا أمة عجوز، وأن كبار السن يميلون إلى قلة التنقل، لكن شبان اليوم هم أقل تنقلا من الشبان في الأجيال السابقة. فبين عامي 1980 و2000 انخفض التنقل بين الشباب بنسبة 41 في المائة.
لكن وكما أشار تيموثي نوح في مقاله في «واشنطن الشهرية» فإن التنقل بين المستأجرين انخفض بذات حدة انخفاضه بين الملاك. وصحيح كذلك أن أسواق العمل أضحت أكثر تماثلا، لكن كانت الوظائف في بيتسبيرغ تختلف عنها في أتلانتا مثلا، لكنها الآن متشابهة إلى حد كبير، ولذلك لم يعد هناك سبب كاف للانتقال من مدينة إلى أخرى. لكن حتى ذلك لا يشرح الانخفاض الهائل عبر العقود.
لا، عامل كبير هنا هو فقدان الثقة بالنفس. يحتاج التقدم إلى إيمان. أنت تعرض نفسك إلى تكلفة مؤقتة وصعوبة لأنك مؤمن بأنك ستتقدم على المدى البعيد. ولدى الكثير من الناس الذين يتمتعون بتعليم عال ويتنقلون بأعداد كبيرة ذلك الإيمان بعيد المدى، بينما لا يكون ذلك عادة لدى من هم أقل تعليما.
أحد المظاهر الغريبة للتنقل هو أن الناس لا ينتقلون إلى المناطق التي بها بطالة أقل ودخول أكبر. لكنهم ينتقلون بدلا عن ذلك إلى المناطق الأقل دخلا التي يكون فيها السكن أرخص. أي أنه من الأقل احتمالا أن يتحملوا الصعوبة المؤقتة للسكن من أجل الفرصة المستقبلية. ومن المحتمل أكثر أن ينتقلوا إلى الأماكن التي توفر الراحة الفورية حتى وإن كانت الفرص على المدى البعيد أقل.
إن فقدان الثقة بالنفس واضح في نواح أخرى من الحياة. فقد يعد معدل الخصوبة مؤشرا جيدا على الثقة وهو في انخفاض. وحتى بالنسبة للتغيرات الدورية فإن الناس أقل احتمالا لترك وظائفهم طواعية بحثا عن وظيفة أفضل. ولا يعتقد سوى 46 في المائة فقط من الأميركيين البيض أن لديهم فرصة لتحسين مستوى معيشتهم، التي هي الأقل في تاريخ المسح الاجتماعي العام.
كتب بيتر باينارت مقالا رائعا في «ناشيونال جورنال» يقول فيه إن الأميركيين اعتادوا على أن يكون لهم إيمان أكثر بالرأسمالية والمجتمع الخالي من الطبقات ودور أميركا في العالم والدين المنظم أكثر من الناس في أوروبا. لكن الأساليب الأميركية تماثل حاليا تلك الأوروبية. وعندما تنظر فقط إلى الشبان فإن الاستثناء الأميركي قد اختفى.
كذلك يعتقد 50 في المائة من الأميركيين فوق 65 سنة أن أميركا في موقع فوق جميع الدول باعتبارها الأمة الأعظم على الأرض. ويعتقد 27 في المائة فقط من الأميركيين الذين تبلغ أعمارهم ما بين 18 و29 سنة ذلك. وحتى 2003 كان الأميركيون وكذلك الإيطاليون والبريطانيون والألمان يقولون «إن اقتصاد السوق الحر هو أفضل نظام يؤسس عليه مستقبل العالم». وبحلول عام 2010 أصبحوا أقل احتمالا بعض الشيء لتقبل الرأسمالية مقارنة بالأوروبيين.
قبل ثلاثين سنة كانت الغالبية العظمى من الأميركيين تُصنف بوصفها من الطبقة المتوسطة. لكن منذ عام 1988 تضاعفت نسبة من يصفون أنفسهم بأنهم ليسوا من طبقة معينة. واليوم من الوارد أكثر أن يعتقد الشباب أن النجاح هو ضرب من الحظ وليس الجهد، مقارنة بما سبقهم من أجيال.
هذه الرؤى المتشائمة تذكر بمفهوم ظل يحوم حول أوروبا: طبقة البريكارياتية. وبحسب الأكاديمي البريطاني غاي ستاندنغ فإن هذه الطبقة من البروليتاريا التي لا أمان لها ولا مستقبل واضحا، من الناس الذين يعيشون على عمل قصير المدى ولبعض الوقت مع مستويات معيشة بريكارياتية ودون تطور مهني، تتزايد. فهم يعيشون في أشكال متعددة من القلق، ومن المحتمل أن ينضموا إلى حركات الاحتجاج عبر الطيف السياسي.
تبدو طبقة البريكارياتية الأميركية أكثر ركوعا وقلقا وتجنبا للمخاطرة، وتعتمد على الأصدقاء والعائلة، لكن دون إيمان بالمسؤوليات الأميركية. هذه الفكرة لا تتناسب مع الخواص الأميركية تاريخيا. لن يؤدي رد أحد إلى قلب الاتجاه، ولكن مايكل سترين من المعهد الأميركي للأعمال يعتقد أنه يجب على الحكومة أن تمنح كوبونات للتنقل لمن ظلوا دون وظائف لفترة طويلة حتى يتمكنوا من البحث عن الفرص. إن استطعنا تحفيز المزيد من الناس ليتجهوا غربا! (أو جنوبا أو شمالا) بحثا عن الفرص فقد يتغير الضبط القديم للعقل الموجه نحو المستقبل.
* خدمة «نيويورك تايمز»