ليزا جارفيس
TT

لقاحات أفضل في الأفق لمواجهة الوباء القادم

ربما تكون شركة «أركتوروس ثيرابيتكس»، إحدى شركات التكنولوجيا الحيوية في سان دييغو بولاية كاليفورنيا الأميركية، قد وضعت للتو نموذجاً لكيفية صنع لقاحات لمواجهة الوباء القادم. يبدو أن لقاحها الجديد، الذي يستخدم عقار «ميرنا» ذاتي الاستنساخ، يعمل بشكل جيد ضد السلالات الحالية من «كوفيد». كل ما في الأمر أن المنتج جاء متأخراً لكي يكون ذا أهمية في مواجهة الوباء الحالي.
لكن البيانات المستمدة من تجربة سريرية كبيرة تشير إلى ضرورة استكشاف التكنولوجيا للتجربة التالية - وقد يكون لها العديد من الاستخدامات الأخرى أيضاً.
في دراسة شملت أكثر من 16000 شخص، تبين أن لقاح «ميرنا» ذا «التضخيم الذاتي» من إنتاج شركة «أركتوروس» يوفر الوقاية بنسبة 95 في المائة ضد الأمراض الشديدة والوفاة وفعال بنسبة 55 في المائة في الوقاية من أعراض «كوفيد». قد تبدو هذه النتيجة الأخيرة منخفضة، لكنها قابلة للمقارنة بشكل معقول بالفاعلية الحالية لجرعات «فايزر» و«موديرنا».
كان مخزون شركة «أركتوروس» قد تراجع في البداية بنسبة 20 في المائة عندما أصدرت بياناتها، ذلك لأنه باستثناء تجربة جديدة تحتوي على بيانات معلقة حول قيمة اللقاح كمعزز ضد «كوفيد – 19»، فلن يحقق العقار نجاحات قريبة في سوق اللقاحات الأميركية.
لكن شركة «أركتوروس» كانت ذكية في تحسين تقنية الجيل التالي التي تعد بلقاحات أسرع في صنعها وتوزيعها من جرعات «ميرنا» الحالية.
شأن لقاحات «ميرنا» الخاصة بشركتي «موديرنا» و«فايزر»، فإن جرعة «سارنا» التي تنتجها شركة «أركتوروس» تحمل الشفرة الجينية لبروتين ارتفاع فيروس «كورونا»، الذي يعمل على خداع الخلايا البشرية لتصنيعه حتى يتمكن الجهاز المناعي من تعلم كيفية درء الفيروس. لكن عقار «سارنا» يتضمن أيضاً رمزاً لآلية النسخ المتماثل للفيروس، وهي الإنزيمات التي يمكنها عمل نسخ من هذا الرمز. يعني هذا أنه بينما تنتج الخلية بروتين «سبايكا»، فإنه يجري تغذيتها بنسخ من الوصفة لصنع المزيد منه.
وتوفر جودة التضخيم الذاتي (بعض الشركات تطلق عليها «التكرار الذاتي») بعض المزايا الرئيسية. يمكن أن تكون جرعات لقاحات «سارنا» أصغر بكثير مما هو مطلوب للقاح «ميرنا». وتبلغ جرعات «ميرنا» الخاصة بشركة «موديرنا» و«فايزر» 100 و30 ميكروغراماً، على التوالي، في حين أن جرعات «أركتوراس» لا تتجاوز 5 ميكروغرامات. في حالة الطوارئ، مثل فيروس «كورونا» في المستقبل أو الإنفلونزا، قد تعني الجرعات الأصغر بكثير توفير المزيد لتطعيم عدد أكبر من الأشخاص بسرعة وبتكلفة أقل بدرجة معقولة.
تتيح تقنية شركة «أركتوروس» أيضاً إمكانية تجفيف اللقاح بالتجميد، لذلك سيكون من الأسهل إرساله إلى جميع أنحاء العالم مقارنة بلقاحي شركتي «فايزر» و«موديرنا» اللذين يحتاجان حالياً إلى التخزين في درجات حرارة دون الصفر.
هذه مجرد نظرية في الوقت الحالي، حيث تمتد بيانات الفاعلية من دراسة شركة «أركتوروس» التي أجريت في فيتنام، لمدة شهرين فقط بعد التطعيم. وهذا ليس وقتاً كافياً لمراقبة استجابة خلايا الذاكرة للقاح. تقول شركة «أركتوروس» إن تجربة التعزيز المستمرة يجب أن تعطي فكرة أفضل عن مدة الحماية. لهذا اللقاح سلبياته أيضاً. إذ إن جدائل عقار «ميرنا» اللازمة لتشفير كل من البروتين وآلية النسخ تكون أطول بثلاث مرات تقريباً من تلك الموجودة في لقاح «موديرنا». إن توتير 15000 قاعدة معاً بشكل صحيح ثم ضغط تلك الكرة الكبيرة من الجدائل الجينية في جسيمات نانوية دهنية ليس بالأمر السهل.
لكن نتائج شركة «أركتوروس» تثبت أن ذلك أمر ممكن. فقد وصف القائمون على الصناعة لقاحات «سارنا» التي تم تطويرها لمواجهة «كوفيد» بأنها خشنة وجاهزة بعض الشيء، حيث لم يركز أي من القائمين على اختبار التكنولوجيا في الوباء سابقاً على تقنيات التضخيم الذاتي. كانت خبرة «أركتوروس»، على سبيل المثال، في تعبئة أنواع مختلفة من الحمض النووي الريبي في جزيئات نانوية دهنية. ورغم أن عملية النقل والتوصيل تعد عنصراً حاسماً لنجاحها، فإن قدرة التكنولوجيا الحيوية على توسيع نطاق لقاحها تشير إلى أنها قد لا تكون شاقة كما كان يعتقد الكثيرون.
تشير بيانات «أركتوروس» أيضاً إلى أنه يمكن توسيع التكنولوجيا ضد العديد من الفيروسات الأخرى، بحسب روبن شاتوك، رئيس قسم عدوى الغشاء المخاطي والمناعة في إمبريال كوليدج بلندن. ولأنها يمكن أن تستخدم جرعات منخفضة، فقد توفر الشركة طريقة أفضل لدمج اللقاحات ضد الفيروسات المختلفة في جرعة واحدة.
الأمر الأكثر إثارة هو احتمال استخدام عقار «ميرنا» كدواء في يوم من الأيام.
قبل عقد من الزمن، عندما تم استحداث «موديرنا» باعتبارها تقنية حيوية لـ«ميرنا»، كانت تبيع الوعد بالعلاج بعرض «ميرنا» كعلاج، وليس كلقاح. كان الهدف هو استخدام «ميرنا» لتحويل الخلايا البشرية إلى مصانع أدوية قادرة على إنتاج بروتينات مفقودة أو مفيدة. تفعل اللقاحات هذا لمدة يوم أو يومين، وهي مدة كافية لتعليق بروتين فيروسي أمام جهاز المناعة. لكن يجب أن تستمر علاجات «ميرنا» لفترة أطول وتنتج المزيد من البروتينات.
قد يكون إنتاج دواء قوي وطويل الأمد أسهل مع «سارنا» مقارنة بتقنية «ميرنا» التقليدية. في العام الماضي، اجتذبت العديد من شركات التكنولوجيا الحيوية، بما في ذلك شركتا «ستراند ثيرابيوتكس» و«ريبليكيت بيوساينس»، استثمارات كبيرة من شركات رأس المال الاستثماري وشركات الأدوية لدفع العقارات القائمة على «سارنا» إلى الاستخدام. يبدو أن شركات الأدوية الكبرى تقوم بتقييم التكنولوجيا أيضاً، حيث أسس قسم «شاتوك» التابع لـ«إمبريال كوليدج» شركة «فاكس أكويتي»، وهي شركة تكنولوجيا حيوية تعمل مع «أسترازينيكا» على علاجات «سارنا» وعلى علاج مجموعة واسعة من الأمراض.
من غير المتوقع الحصول على بيانات عن علاجات «سارنا» لعام قادم أو ربما أكثر. وبالطبع، لا ينبغي أن يكون عقار «سارنا» هو التكنولوجيا الوحيدة التي يجري إعدادها لمواجهة جائحة مستقبلية، ولكن من المطمئن أن نرى ما هو الخيار القوي المحتمل وأن نرى الأموال تتدفق لتعزيز قدرته على مكافحة الأمراض التي تصيبنا كل يوم.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»